في 2 أكتوبر 2016 أعلن المجلس السياسي الأعلى الذي أعلن عن تأسيسه في 28 يوليو 2016 بين تحالف المؤتمر الشعبي العام والحوثيين، تكليف الدكتور عبد العزيز صالح بن حبتور بتشكيل ما أسموها “حكومة وحدة وطنية”، أي بعد شهرين ونيف من إعلانهم تشكيل المجلس.
إعلانهم في هذا التوقيت وبعد أن أصدر الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي من مقر إقامته (منفاه) بالرياض في 18 سبتمبر قرارًا جمهوريًا رقم (119) للعام 2016م بموجبه أقال مجلس إدارة البنك المركزي اليمني، وشكل آخر جديد، ونقله من العاصمة اليمنية صنعاء إلى عدن العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دوليًا، له ثلاثة أسباب رئيسية نحاول قراءتها في السياق التالي.
سد فراغ قائم
تكليف بن حبتور بتشكيل “حكومة وحدة وطنية” يأتي بعد شهرين ونيف من تشكيل المجلس السياسي الأعلى باتفاق أعلن في 28 يوليو الماضي، كان الهدف منه سد فراغ الإدارة السياسية في البلاد، إلى حين التسوية السياسية التي كان طرفا صنعاء ينتظران نتائجها خلال الفترة التي تلت ذلك الإعلان، وتأخرهم تلك الفترة دليل على أنهم لم يكن لديهم النية في تشكيل حكومة موازية للحكومة الشرعية، وإعلان تأسيس “المجلس” فقط من أجل الضغط على المجتمع الدولي لتسريع إيجاد تسوية سياسية شاملة أو تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها كافة الأطراف، إلا أن الخطوات الأخيرة التي أعلن عنها الرئيس اليمني المعترف به دوليًا، جعلتهم يلجأون إلى السيناريو الذي لطالما كانوا لا يأملون في الوصول إليه إلا في حال التسوية السياسية.
ويأتي قرار تشكيل الحكومة في ظل عجز مالي واسع تعيشه سلطات الأمر الواقع في صنعاء بعد قرار الحكومة الشرعية بنقل البنك المركزي إلى العاصمة المؤقتة عدن وإدارة موارد الدولة من هناك.
ومع قرار هادي بنقل البنك المركزي اليمني إلى عدن والذي كان إشارة واضحة إلى انسداد الحل السياسي من جانبه، جعل الحوثيين يسارعون بتشكيل حكومة وحدة وطنية (قتل غالبيتهم في القصف على الصالة الكبرى بصنعاء في 8 أكتوبر الحالي قبل الإعلان عن تشكيل الحكومة رسميًا) وتكليف “بن حبتور” لهذه المهمة لتعمل على سد الفراغ القائم في المحافظات التي يسيطر عليها الحوثيون وجماعة الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح.
توازن وورقة تفاوض
في حال نجاح الدكتور عبد العزيز بن حبتور في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية من كافة الأحزاب السياسية، فإنها قد تكون خطوة جديدة على طريق استقرار الحياة السياسية في اليمن، ففي الوقت الذي تستعر فيه الحرب داخل العديد من المدن، وتتزايد فيه الغارات التي يشنها تحالف عاصفة الحزم بقيادة المملكة العربية السعودية، ويتعاظم فيه رد فعل الحوثيين والجيش الموالي لصالح، يأتي التنسيق السياسي ليأخذ حيزًا كبيرًا من الجدل حول الاعتراف بالخطوات التي يتخذها المجلس الرئاسي اليمني لتحالف الحوثي وصالح.
هذه الحكومة الوليدة إن جاءت وفقًا للدستور اليمني وتم اختيار كوادر يمنية نزيهة، قد تطرح موضوع الشرعية على المحك لا سيما وأن هناك العديد من الدول المهمة تدفع باتجاه تشكيل “حكومة وحدة وطنية” (تكنوقراط) من أجل التعامل معها، وبذلك قد تكون حكومة توازن مع شرعية هادي، وقد تصبح أحد الأوراق المهمة في عملية التفاوض.
https://goo.gl/gqjZyR
الرئيس اليمني أعلن نقل البنك المركزي إلى صنعاء وسد العملية السياسية
وقرارا “هادي بنقل البنك المركزي اليمني إلى عدن وتكليف الحوثيين لابن حبتور لتشكيل حكومة” في ظل جهود الأمين العام للأمم المتحدة لاستئناف الحوار السياسي بين الجانبين، يعني انعدام الثقة بين الأطراف السياسية اليمنية وانسداد العملية السياسية بشكل كامل، والاستعداد لحرب طويلة الأمد وتكريس الانقسام في البلاد يدفع ثمنها المواطن اليمني.
فوجود حكومة شرعية معترف بها دوليًا تحكم من عدن والرياض، وأخرى في الشمال، تعيد البلاد إلى ما قبل عام 1990 وهذا يخدم الخطط الإماراتية والإيرانية في تقسيم البلاد شمالًا وجنوبًا، فضلاً عن تمزيق النسيج الاجتماعي بشكل كامل ومن الصعب استعادة ذلك إلا بعد زمن طويل.
ووفقًا لما سبق فإن قرار التكليف يبدو أنه رد واضح على قرار نقل البنك المركزي اليمني إلى عدن ويعني ذلك بأن حكومة الحوثي وصالح حتى ولو لم يتم الاعتراف بها إقليميًا ودوليًا ستكون ملزمة بدفع المرتبات لمن هم تحت سيطرتها، وبالمقابل ستحافظ على امتيازات الولاء لها، لكن ذلك سيدفع ثمنه أغلب الموظفين عسكريين ومدنيين في المحافظات الشمالية التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، وكذا الموظفين في المحافظات الجنوبية التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية.
في هذه الحالة سيتم تقنين الموظفين العسكريين والمدنيين من قبل الحكومة الشرعية والحوثيين، بحيث سيعلن الحوثيون التزامهم بدفع رواتب موظفي الدولة في المناطق التي يسيطرون عليها، والعسكرين الذين يقاتلون معهم، ومنع الرواتب عن العسكريين الذين قاتلوا ضدهم، والموظفين الذين يقطنون في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية، وبنفس الكيفية ستتحدث حكومة هادي.
وفقد أكثر من ثلاثة ملايين عامل في اليمن وظائفهم بسبب الصراع المسلّح والحرب التي اندلعت في أواخر شهر مارس 2015، وفقًا لمصدر في الاتحاد العام لنقابات عمال اليمن.
ويعيش اليمنيون أوضاعًا شديدة الصعوبة، للعام الثاني على التوالي، بسبب الحرب التي دمّرت الكثير من المنشآت، ما تسبّب في توقّف خدماتها، إضافة إلى مغادرة الشركات الأجنبية للبلاد.
وقال تقارير الأمم المتحدة إن هناك نحو 21.2 مليون شخص أو 82% من السكان بحاجة إلى المساعدة لتلبية احتياجاتهم الأساسية، وذلك لانعدامها بسبب هذه الحرب، حيث أشار مكتب الشؤون الإنسانية إلى أن الملايين من الناس في اليمن بحاجة إلى مساعدة لضمان بقائهم على قيد الحياة.
ويعاني ما يقدر بـ 14.4 ملايين من انعدام الأمن الغذائي، بما في ذلك 7.6 ملايين من انعدام الأمن الغذائي الحاد، في حين يفتقر 19.3 ملايين إلى سبل الوصول للمياه النظيفة أو الرعاية الصحية، فيما يعاني ما يقرب من 320 ألف طفل من سوء التغذية الحاد.
ويقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا” إن شركاء الأمم المتحدة يقدرون أن 14.1 مليون شخص لا يستطيعون الحصول على ما يكفي من الرعاية الصحية، فيما يحتاج ثلاثة ملايين طفل وكذلك الحوامل والمرضعات إلى علاج من سوء التغذية أو إلى الخدمات الوقائية، ولفت إلى أن 1.8 مليون طفل خارج المدارس منذ منتصف مارس/ آذار.
وفيما يتعلق بآثار التشرد، يقدر شركاء الأمم المتحدة للإغاثة أن 2.3 ملايين شخص نزحوا حاليًا في اليمن – نصفهم في محافظات عدن وتعز وحجة والضالع -، فيما فر 121 ألف شخص إلى خارج البلاد، وتشير تقديرات “أوتشا” إلى أن نحو 2.7 ملايين شخص يحتاجون الآن إلى الدعم لتأمين لوازم الإيواء أو المستلزمات المنزلية الأساسية، بما في ذلك المشردون داخليًا والأسر المضيفة الضعيفة.
انسداد العملية السياسية
وبالرغم من زيادة الاهتمام الدولي بالوضع المأساوي في اليمن، إلا أن الحقيقة هي أن الصراع ليس جاهزًا للتوصل إلى حل بشأنه حتى الآن، وقد طالبت منظمات حقوق الإنسان الولايات المتحدة بوقف عمليات نقل الأسلحة، أو تجميد الدعم اللوجيستي الذي تقدمه إلى المملكة العربية السعودية، ولكن حتى لو حدث ذلك، فإنه لن يضع حدًا للنزاع، وكما هو الحال مع الحروب الأهلية في كثير من الأحيان، سيكون لدى ديناميكيات ساحة المعركة التأثير الأكثر مباشرة على احتمالات السلام، والآن، لا يبدو أي من المعسكرين مهزومًا، لذلك فإنه ليس من المرجح أن يتنازل أي من الجانبين، وهذا هو بالضبط سبب فشل الجولة السابقة من محادثات السلام في الكويت.
حقيقة فإن انسداد العملية السياسية بدت ملامحها عندما استنبط المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أثناء المفاوضات/ المشاورات اليمنية في الكويت من رؤيتي طرفي النزاع، ورفضها هادي في كلمة له معلنة عندما زار محافظة مأرب اليمنية 10 يوليو الماضي وشن هجومًا عنيفًا على الأمم المتحدة، وأعلن أنه لن يعود إلى الكويت حال استمرت الأمم المتحدة بالضغط عليه لتمرير خارطة الطريق التي استنبطها مبعوثها إلى اليمن إسماعيل ولد الشيح من رؤية الأطراف المتحاورة.
فضلاً عن تعنت أطراف النزاع بتقديم أي تنازلات من شأنها تحريك العملية السياسية وإنقاذ اليمنيين من الانهيار الكامل، واللجوء إلى المنظمات الإرهابية والمتطرفة.
فالحكومة الشرعية تستبق أي محادثات بوضع شروط يصعب على الطرف الآخر تطبيقها وهي الالتزام بالقرار الأممي 2216 الذي يدعوهم للاستسلام الكامل ووضع رقابهم تحت رحمة الحكومة الشرعية، بينما يصر طرفا صنعاء على طي ورقة هادي، والتمسك بالحل الشامل والانتقال السياسي.
إن الإعلان عن تشكيل حكومة في الشمال ورفض سلطات الأمر الواقع في صنعاء التعامل مع الرئيس هادي أو حكومته، بل وتتجاهلها، وتجنب الحديث معها، فضلاً عن ضعف شخصية المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ في فرض رؤاه التي يقدمها ويتراجع عنها ويعود إلى تبني الموقف السعودي، كل ذلك أسباب تؤدي إلى انسداد العملية السياسية في اليمن، واللجوء إلى لغة الاقتتال.
ولكن على نطاق أوسع، سيكون على السعوديين أن يقرروا بأنفسهم إلى أي مدى يعتزمون الذهاب في اليمن، للقيام بمعركة بالوكالة مع إيران، خصمها اللدود، وبنفس القدر من الأهمية، مع من سوف يقومون بذلك، فقد كان أفضل صديق لهم هو دولة الإمارات العربية المتحدة، وعلى الرغم من أن قواتها المسلحة قد أدت بشكل جيد على أرض المعركة، من حيث الاستيلاء على الأراضي من الحوثيين، إلا أن التزام أبو ظبي بمجهود الحرب ليس – أو ربما لا يجب أن يكون – قويًا مثل الرياض، وذلك لأسباب مفهومة، فاليمن ليس تهديدًا للأمن القومي بالنسبة لها.
صحيح أن الرياض شكلت تحالفًا عربيًا للقتال في اليمن، إلا أنها حرب المملكة العربية السعودية في نهاية المطاف، والطريقة التي ستنتهي بها هذه الحرب سوف تؤثر تأثيرًا عميقًا على مكانتها وخططها الطموحة في المنطقة.
فالرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح ولأول مرة استعدى قوات النخبة في الحرس الجمهوري، وأعطى توجيهات باستعمال صواريخ استراتيجة لضرب العمق السعودي، وهو ما قد يصعد من عملية الحرب، وخروج الحرب عن سيطرة أطراف النزاع، وتحويلها إلى ورقة دولية – إن لم تكن قد أصبحت ذلك – وربما قد نشهد تكرار السيناريو السوري في اليمن، لكن بأشد قسوة لا سيما وأن اليمن قريبة جدًا من العدو التاريخي “للاتحاد السوفيتي”.
الخلاصة
تكليف بن حبتور بتشكيل وحدة وطنية من قبل المجلس السياسي الأعلى المشكل من قبل تحالف المؤتمر الشعبي العام والحوثيين، هو بحث عن سد فراغ قائم في المحافظات التي يسيطر عليها الحوثيون وجماعة صالح وتوازن مع شرعية هادي ولتكون أحد أوراق التفاوض ومواجهة وضع اقتصادي صعب، كما أنها مؤشر على انسداد العملية السياسية.