ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
تحظى قومية الهوي، أول أقلية مسلمة في الصين بمعاملة تفضيلية في الصين. ففي بلد شيوعي يدعو إلى الإلحاد، لا يتمتع جميع معتنقي الديانات بنفس حرية العبادة، مثل طائفة هوي المتواجدة في إقليم قانسو، التي تعتبر من أنصار “الإسلام”، على عكس مجموعات اليوغور الذين تُسلط عليهم قيود شديدة في إقليم شينجيانغ المضطرب.
وتجدر الإشارة إلى أنه يمكن سماع الآذان باللغة العربية في مدينة لينشيا من مسجد يهواني، الذي بُني على طراز عربي مع أربع مآذن وقبة. ويمكن أن نشاهد أيضا، أمام المساجد، العشرات من الطلاب الذين يرتدون عمامة بيضاء ويضعون منشفة على الكتف، ويستعدون للوضوء على غرار الرجال الأكبر سنا الذين يرتدون قبعة كروشيه بيضاء. ويمكن القول أن هذه هي قومية الهوى المسلمة الصينية، أحفاد التجار طريق الحرير، العربية أو الفارسية الأصل، الذين دخلوا الصين في القرن السابع الميلادي وتزوجوا في وقت لاحق بنساء الهان، المجموعة العرقية الرئيسية في البلاد.
أصبحت قومية هوي ثاني أكبر أقلية عرقية مسلمة في البلاد، ويبلغ تعدادها أكثر من 10 مليون نسمة. كما إن هذا الحماس الروحي في نظام شيوعي يكرس الفكر الإلحادي يثير الحيرة، ففي أبريل/ نيسان الفارط، دعا رئيس جمهورية الصين الشعبية، شي جين بينغ، لإحكام السيطرة على التحركات الدينية، حيث إن الحريات الممنوحة لقومية هوي، هي على نقيض القيود الصارمة المفروضة على طائفة الأويغور في منطقة شينجيانغ ذاتية الحكم، التي كانت سببا في افتعال العديد من الاضطرابات العنيفة في السنوات الأخيرة في بكين وذلك بسبب “الجماعات الإرهابية” المنتمية لهذه المجموعة العرقية.
تحتضن مدينة لينشيا قرابة 250 ألف مسلم وبها قرابة 80 مسجدا مفتوحا كامل اليوم بالإضافة إلى توفر عدد كبير من المدارس القرآنية. وقد تحدث في هذا السياق الإمام يي ون شين، مؤكدا أن جميع المسلمين يملكون الحرية التامة لممارسة شعائرهم، مشيرا إلى أن المساجد مفتوحة على مدار اليوم، بذلك يتمكن المسلمون من القيام بصلواتهم في جميع الأوقات.
وخلافا لقومية الأويغورية، تستطيع قومية هوي أداء فريضة الحج إلى مكة، كما إنهم يتمتعون بالعطلات الدينية الرئيسية. وكذلك يملك العاملون الحق في ممارسة شعائر شهر رمضان، والنساء بإمكانهن أيضا ارتداء الحجاب وبكل حرية.
وتدعو السلطات الصينية الأئمة إلى التطبيق السلمي للشعائر الدينية، خاصة وأن الأئمة هم الوحيدون القادرون على تسوية النزاعات بين أفراد المجتمع، حيث أن الإمام يشارك في حل الكثير من النزاعات بين المواطنين والتي لا يمكن حلها عن طريق القانون. بالإضافة إلى ذلك يعمل الأئمة على جمع التبرعات بهدف ترميم المساجد أو دعم التعليم للأطفال الفقراء. كما إن المدينة تعول على كرم رجال الأعمال في بناء المساجد على طول الطريق السريع الذي ربط لينشيا بلانتشو، عاصمة المحافظة.
والاستثناء الملحوظ الذي تحظى به مدينة لينشيا هو تلقي الأطفال تعليما دينيا، على الرغم من أن ذلك محظور رسميا في القوانين الصينية. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاستثناء قد أثار جدلا كبيرا والكثير من التوترات الاجتماعية بعد نشر ذلك الفيديو على الشبكات الاجتماعية الذي عرض فتاة صغيرة تقوم بتلاوة آيات من القرآن الكريم أمام فصلها. وعلى الرغم من ذلك واصل الشباب تعلم اللغة العربية والنصوص الدينية في المساجد والمدارس القرآنية الخاصة، وقد ارتفع عددهم بشكل كبير منذ ثمانينات القرن الماضى، حيث يتم إرسال البعض منهم أيضا للدراسة في المملكة العربية السعودية أو في مصر أيضا.
التثاقف مع المجتمعات الصينية
يرجع هذا الامتياز الذي تحظى به قومية الهوى إلى الروابط التي تم الاتفاق عليها مع النظم الصينية، وشبكة العلاقات الهامة والجيدة التي تربطها هذه القومية مع بقية الأقليات الأخرى. وجدير بالذكر أن أقلية الهوي تحظى بتمثيل جيد أيضا في الهيئات السياسية الصينية. وعلى عكس القومية الأويغرية، التي ساهمت أيضا في تكوين الصورة الدينية للثقافة الصينية، منذ بناء أول مسجد في القرن الرابع عشر. ويظهر هذا الخليط من الثقافات جليا في تركيبة المجتمع الصوفي، أحد المجتمعات الأكثر تمثيلا، حيث يجتمع يوم الجمعة، جميع المؤمنون في مزار مؤسس الطريقة القادرية، الذي استخدم كإرث الطاوية القديم للتعريف بالإسلام.
وفي الصين، لا يسمى الله “الله” ولكن “تشن داو”، والتي تعني “الإله الحقيقي”، وكان الصينيون يضعون، في القرون الوسطى، وعاء كبير برونزي من البخور قبل القيام بالصلاة على الميت.
وفي هذا السياق، يقول الأستاذ في كلية بومونا في كاليفورنيا، درو جلادني، أن “قومية هوي قد تفاوضت على نوع من التثاقف مع المجتمعات الصينية. كما أنهم يعرفون ما هو مقبول وما هو غير مقبول بالنسبة لنظام الحكم الصيني في مسألة ممارسة الشعائر الدينية للمسلمين. كما فهموا أن هناك قانون يمكنهم الرجوع إليه لمعرفة ما بإمكانهم القيام به لممارسة شعائر دينهم وبكل حرية”. وعلى عكس قومية الأويغرية، فإن قومية الهوي لا يعبرون عن أية نزعة انفصالية على الرغم من أنهم من أصول مختلفة موزعة في جميع أرجاء جمهورية الصين الشعبية.
وأكّد الدكتور في معهد الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية، فراشيسكا روزاتي، أن “هذه الأقلية تعلمت كيف تتقن فن الاعتدال في الدين، حيث ينتقل الأئمة، بأمر من الحكومة وبشكل دوري، إلى الجمعية الإسلامية الرئيسية في بيكين، لإجراء دورات تدريبية وذلك بهدف ضمان تعليم ديني لا يتعارض مع قيم الشيوعية”. كما إن هذه الدورات تعمل على جذب البعض من طائفة الهان، الذين يرغبون في تعلم اللغة العربية للاستفادة من التوسع التجاري مع الشرق الأوسط.
طريق الحرير الجديد
وقد تحدّث إمام مسجد يهواني، أن هناك العديد من أوجه التشابه بين قيم الإسلام ومصالح الحزب الشيوعي مشيرا بذلك إلى “الاستقرار” و”رفاهية الشعب” والرغبة في العيش بسلام. كما طالب الإمام ما شين مين، الذي يشغل أيضا منصب نائب رئيس مجلس الشعب، المسلمين بأن “يحبوا بلدهم والإسلام والسلام”.
وتجدر الإشارة إلى أن العلاقات الجيدة التي تربطها الحكومة مع قومية هوي تطمح في الواقع للاستفادة من المشروع الرئاسي الذي يعمل على إنشاء طريق حرير جديد، والتشجيع على إنشاء علاقات تجارية مع آسيا والشرق الأوسط. كما يقول المدير العام للمنتجات التجارية المصدرة إلى ماليزيا وباكستان والخليج، سو اكزوشي، “إن الدولة تشجع على بيع”المنتجات الإسلامية” من خلال منحهم خفض ضريبي وخفض في أسعار الفائدة أيضا”. كما أضاف أن “مدينة لينشيا لعبت منذ عشر سنوات دورا رئيسيا كوسيط بين جنوب الصين ومنطقة التبت”، مشيرا كذلك إلى أن مصانع المنتجات الحلال والأطعمة العرقية قد شهدت تطورا ملحوظا في الآونة الأخيرة.
وقد شهدت مدينة لينشيا صعود بعض الأقليات السلفية التي تخضع لتأثير بعض الدول العربية، التي أثارت قلق السلطات الصينية. وفي هذا الصدد دعا الرئيس الصيني، شي جين بينغ، لمقاومة “القوات الأجنبية التي تستخدم الدين لاختراق الأنظمة الصينية” مع محاربة “الأفكار الدينية المتطرفة”. وعلى الرغم من منع الاستثمارات الأجنبية في الصين إلا أن الأموال التي تصل لبناء المساجد هي قادمة بالأساس من الخليج. وخلف مسجد يهواني، يمكن أن نرى المآذن الشاهقة التي بنيت بتمويل من المملكة العربية السعودية بعد آخر زيارة قام بها سفير المملكة العربية السعودية للصين في السنة الماضية.
ويقول درو جلادني أن الصينيين من قومية هوي، يستفيدون من النمو الصيني ويتنقلون بحرية للمشاركة أكثر وأكثر في عولمة الإسلام. وعلى الرغم من عدم السماح بحركات التبشير، إلا أن العديد من مبشري حركة الدعوة، القادمين معظمهم من جنوب آسيا، يتحركون سرا. وعن طريق استخدام خطاب بسيط يقومون بجذب عدد متزايد من الشباب الذين يشتكون من عدم المساواة الاجتماعية ومن الإيديولوجية الشيوعية.
المصدر: لوفيغارو