تختلف بنية القصة عن الأعمال النمطية حيث يكون هناك حد واضح وفاصل بين الخير والشر، هنا الأمر أبعد ما يكون عن ذلك. عوّدتنا القصص والمرويات وحتى الأفلام بأن الشر يصارع الخير، لينتصر الخير بالنهاية، مهما بدت قوة وصعوبة الشر. فيلم “Don’t Breathe” يكسر هذه النمطية ليخترق رؤية أوضح في فهم جوهر الصراع الإنساني، وذلك ما يشكل الصورة الجوهرية للفيلم.
ثلاثة مستهترين يقومون بالسطو على المنازل وتخريب ممتلكات أصحابها بشكل متعمد، وهذا منطلق يضعهم مباشرة في خانة الأشرار؛ وإلا فماذا يمكن أن نطلق على عصابة مختصة في السرقة؟ يأخذهم الحماس باتجاه أحد المنازل الشبه مهجورة والتي لا تتمتع بحماية أمنية مطلوبة، حيث الضحية شخص ضرير ويمتلك مبلغًا كبيرًا من المال. “ليس كل شخص قديسا كما يبدو”، ذلك كان شعار العصابة وتبريرها الأخلاقي لمشروعها.
سيأخذك الفيلم، باتجاهه الطبيعي، للتعاطف مع الضرير طالما أنه لا يرى وهناك من اقتحم منزله يحاول سلبه كل ثروته؛ وكرد فعل طبيعي ومستحب ومنتظر من هكذا أفلام، سيقوم الأعمى بالدفاع عن نفسه وماله (بما أنه يمثل الخير) ضد مقتحمي المنزل المعتدين بما أنهم أشرار.
داخل ملكيته الخاصة ستتداخل الحدود والفواصل بين الأخيار والأشرار، حينما ستعرّي المشاهد عن الشر الكامن خلف ذلك الأعمى. لم يعد الأمر يتعلق بين خير وشر، بل بين أشرار وأشرار، تلغى الحدود وتتبخر ركائز الحكم بعدما تتعرى شخصية الأعمى وما هو محجوب في منزله. بهذه المرحلة سينصبّ تعاطفك اتجاه الطرف الأقل شرًا كممثل للخير، طالما أننا مبرمجين ثقافيا للتعاطف مع طرف ونحن أمام مشهد صراع.
يعتمد الفيلم على الآداء أكثر من الحوار، لأن النجاة بالصراع تتطلب الصمت والإصغاء الشديد لأي مصدر صوت، ومن هنا جاءت تسمية الفيلم “أكتم أنفاسك”. مسار الفيلم يأخذ أحداثا فجائية، تدفعه نحو مفهوم “الغرابة” حيث البيت العادي يصبح عالما عجائبيا، والآخر الذي عرفناه يصبح الآخر الغريب، والأرضية الهشة تتقلّب بين الوقوف بأمان أو في خطر. لم يتحدث الأعمى إلا بالمرحلة الأخيرة من الفيلم، ليفصح عن منظومته الأخلاقية التي تبرر له طريقه تصرفه وفهمه للعالم، وهي صادمة إن لم تكن لك فلطرف الصراع بالفيلم كما يعبر عن ذلك الآداء الجسدي. دون ذلك لم يتجاوز أداءه الحواري “مَن هناك ؟ كم عددكم ؟” بالمرحلة الأولى لدى الاقتحام، و “لاااااااا حبيبتي (منطوقة بهمس)” بالمرحلة المتوسطة من الفيلم.
نهاية الفيلم غير متوقعة، فلا يخضع لتنبؤات المشاهدين النمطية حول من سيظل ومن سيهلك، وهذا ما يجعله جديرًا بالمشاهدة لمحبي هذه النوعية من الأفلام. غير ذلك، يضعك الفيلم أمام تساؤلات عن العدالة والحق، ومبادئ العين بالعين والجزاء، وأن الخير والشر ليس دائما كما يبدوان.