صوتُ رصاص كسر صمت الصباح في مدينة القدس المحتلة، حين نفذ الشهيد مصباح أبو صبيح (40 عاماً) من بلدة سلوان والملقب بأسد الأقصى عملية إطلاق نار أسفرت عن مقتل جنديٍ بجيش الاحتلال ومستوطٍنة إسرائيلية، وأصيب 6 إسرائيليين آخرين، في حي الشيخ جراح بمدينة القدس المحتلة.
العملية الفدائية تلك، كانت نوعية من كافة أطرافها، من ناحية الشخص المنفذ وشجاعته، ونوعية العملية واستخدام الرصاص فيها، وصولًا إلى مكان العملية وأهميته، إضافة إلى تسببها بقتلى ومصابين من بينهم جندي ومستوطنة.
الخبير في الشؤون العسكرية واصف عريقات قال إن عملية القدس نوعيّة من عدة نواحي كمكانها وزمانها وأيضاً منفذها الذي استطاع أن يخطط وينفذ العملية بعد تعرضه لعدد من الملاحقات من قبل قضاء الاحتلال ومخابراته والإجراءات التعسفية التي لحقته بحيث أنه قضى 9 شهور في معتقلات الاحتلال واستدعي كثيراً للتحقيق وطلب منه أن يسلم نفسه في معتقل الرملة.
وأضاف لـ”قدس الإخبارية“، أن هذه العملية النوعية من الممكن أن تفتح باب التحول في مسار انتفاضة القدس، وأنه كلما زاد الاحتلال من جرائمه بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته سيكون رد الدفاع الفلسطيني عن نفسه ومقدساته أقوى وأقسى.
أعجزت الاحتلال
في السياق ذاته، قال الخبير في الشأن الاسرائيلي أنس أبو عرقوب، إنه بقدر ما كانت عملية القدس متوقعة، جاءت مفاجأة، ليس فقط لأجهزة الاحتلال الاستخبارية والأمنية، وإنما أيضًا للجمهور الإسرائيلي، الذي سمع خلال الأيام الماضية من المحللين العسكريين الإسرائيليين، ما يشبه إعلان الانتصار على ما أسموها “انتفاضة المنفردين” بالقدس في الذكرى السنوية الأولى لاندلاعها، وهذا ما ضاعف تأثير النفسي السلبي على المستوطنين في المدينة.
وأضاف أبو عرقوب لـ”قدس الإخبارية“، أن الأيام الأخيرة شهدت تفاخر كبار ضباط الاحتلال بنجاحهم، بقمع “الانتفاضة” خصوصًا في القدس. المحتلة، ولكن بعد أول رصاصة دوت في سماء الشيخ جراح صباح اليوم تبددت الادعاءات، ومنفذ العملية من القدس لا يعاني من أوضاع اقتصادية صعبة.
وأوضح، أن عملية القدس أظهرت فشل أجهزة الاحتلال الأمنية على عدة مستويات حيث أخفقت مخابرات الاحتلال بمنع وحدوثها على رغم أن الشهيد كان خاضعا لراقبتها منذ سنوات من الحصول على سلاح ناري، والتدرب على استخدامه، خصوصا أنه أظهر براعة إطلاق النار أثناء قيادته السيارة، فرصاصاته لم تكن طائشة بل كانت محسوبة بدقة وعلى سبيل المثال الجندي القتيل قتل برصاصة برأس.
كما أخفقت شرطة الاحتلال بجانب مخابراته، وقوات حرس الحدود التي عززت قواتها بـ 400 جندي مؤخرًا تحسبًا لعمليات قد ينفذها مقدسيون ردًا على اقتحام المستوطنين للأقصى خلال فترة الأعياد اليهودية فبعد بداية الهجوم فشلت القوات الخاصة “اليسام” التابعة للشرطة في التصدي للمنفذ، الذي نجح بالتنقل الى ثلاث ساحات أخرى، وهو يطلق النار على الجنود في منطقة المقر العام لشرطة الاحتلال”، يقول أبو عرقوب
وتابع، “لكنّ الإخفاق الأكبر بحسب محللين عسكريين إسرائيليين، يكمن بفشل الإجراءات الانتقامية من ذوي الشهداء التي تسمى لدى الاحتلال بـ”سياسية الردع” الرامية لثني الشبان عن تنفيذ الهجمات.
تداعياتها
لم تكن العملية هذه المرة عادية أو عابرة لدى الاحتلال خصوصًا، بعدما أظهرت عجزه الأمني والسياسي، كما أفشلت نتائجه وأثبتت خطئه حين اعلن عن سيطرته على القدس وتشديد إجراءاته الأمنية تأمينًا للمدينة خلال الأعياد اليهودية وما بعدها، إلا أن ذلك لم ينجح مع الشهيد أبو صبيح.
واعتبر الاحتلال عملية إطلاق النار هي الأخطر بين العمليات السابق وذلك لأنها كانت دون إنذار مُسبق، وتختلف عن غيرها بعمر منفذ العملية ومكانته الاجتماعية.
كما حمّل الاحتلال موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك المسئولية أيضًا، حيث قال وزير الأمن الداخلي الاسرائيلي جلعاد أردان، إنه في أعقاب ارتفاع نسبة التحريض ضد “إسرائيل” ستقع عمليات، متهمًا فسبوك بخلق قاعدة للتحريض، وأن إدارته أعادت حسابات عناصر “حماس “التي طالبت “إسرائيل” إدارة الفيسبوك إغلاقها
كما بدا لافتًا بهذه العملية، هو اعلان سلطات الاحتلال حظر النشر للعملية وتفاصيلها لمدة 30 يومًا، يمنع فهيا نشر اسماء القتلى والجرحى وتفاصيل تنفيذ العملية، وهذا ما لم يجري بجميع العمليات الفدائية لاعتبارات سياسة وأمنية، لكن ما لبثت إلا أن ظهرت المعلومات برغم الحظر.
ترحيب فلسطيني
أما عن تداعيات العملية في الشارع الفلسطيني، فان فصائل المقاومة على اختلافها باركت العملية واعتبرتها ردة فعل طبيعية لتصعيد الاحتلال وجرائمه ضد القدس ومقدساتها والتغول الاستيطاني المتنامي يومياً.
فحركة “حماس”، تبنت منفذ عملية إطلاق النار بحي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، وباركتها واعتبرتها ردة فعل طبيعة على جرائم الاحتلال وتأكيدًا على استمرار انتفاضة القدس، فيما باركت حركة الجهاد الإسلامي عملية إطلاق النار أيضاً ومدحت بإقدام شباب الانتفاضة، وزفت مُنفذها، وعلقت كذلك أن العملية رد طبيعي على جرائم الاحتلال.
بينما أعلنت حركة فتح بالقدس، الإضراب العام والشامل حدادًا على روح الشهيد مصباح أبو صبيح، منفذ عملية إطلاق النار بحي الشيخ جراح صباح اليوم ، وذلك بعد مباركها من خلال بيان صدر عنها، وأشادت الجبهة الشعبية بعملية إطلاق النار التي نفذها الشهيد مصباح أبو صبيح بالقدس المحتلة، مؤكدة أنها تأتي كرد على جرائم الاحتلال وتجديدًا للانتفاضة.
والجدير ذكره، أن عملية القدس لاقت ترحيباً حاراً من الشارع الفلسطيني بشكلٍ عام والقدس بشكل خاص، وتجلّى ذلك من خلال الوقفة الواحدة بالإضراب والحداد على روح الشهيد في القدس، إضافة إلى توزيع الحلوى فرحاً بالعمل البطولي، في كل من غزة والضفة والقدس، حيث وزّعت عائلة الشهيد الحلوى أيضاً تقديراً للعملية التي أتت بعد كل تلك السياسات التصعيدية في فترة الأعياد اليهودية بحق القدس مقدساتها وأهلها.
نُشر هذا المقال لأول مرة بشبكة قدس الإخبارية