مرت دول في المنطقة بجملة من السجالات والخلافات السياسية أثرت بشكل أو بآخر على علاقاتها المتبادلة بين بعضها وانعكست على اقتصادياتها سلبًا أو إيجابًا، وبالنظر إلى تلك الخلافات وارتداداتها يمكن أن تظهر دولة في الوسط تتمحور حولها قضايا وأزمات المنطقة تستفيد من بعضها وتضرر من بعضها الآخر.
العلاقات المصرية السعودية
أدت موافقة القاهرة على مشروع القرار الروسي بشأن الأزمة السورية المقدم في مجلس الأمن في 8 أكتوبر الجاري لاندلاع أزمة دبلوماسية بين مصر والسعودية، حيث وصف “عبد الله المعلمي” المندوب السعودي في مجلس الأمن القرار المصري بالقرار المؤلم.
يذكر أن مشروع القرار الروسي حصل على موافقة أربعة أعضاء فقط من بينها مصر حيث استبعد نهاية الضربات الجوية وحث جميع الأطراف على وقف الأعمال العدائية وشدد على التحقق من فصل القوات المعتدلة السورية عن جبهة النصرة، في حين جاء المشروع الفرنسي ليطالب بنهاية فورية للضربات الجوية وطلعات الطائرات الحربية فوق مدينة حلب السورية وحظي بموافقة 11 عضوًا ومن بينهم مصر أيضًا إلا أن الفيتو الروسي وقف ضد صدور القرار.
المندوب السعودي أشار أنه من المؤلم أن يكون الموقف السنغالي والماليزي أقرب إلى موقف التوافق العربي من موقف المندوب العربي في إشارة إلى الموقف المصري، وأضاف أنها كانت تمثيلية ومهزلة تقديم قرار مضاد لم يحصل إلا على 4 أصوات وذكر أنه يرثي لهؤلاء الجهات التي صوتت لصالح القرار لأنها واجهت رفضًا عنيفًا وقويًا.
عمدت السعودية إلى وقف الإمدادات البترولية عن أكتوبر الجاري وربما يستمر لما بعد نهاية العام الجاري، فمنتجات أرامكو السعودية التي تصل إلى مصر شهريًا تمثل 40% من المواد البترولية التي تستوردها مصر، بعدما وافقت السعودية على إمداد مصر بمنتجات بترولية مكررة بواقع 700 ألف طن شهريًا لمدة خمس سنوات بموجب اتفاق بقيمة 23 مليار دولار بين شركة أرامكو السعودية والهيئة المصرية العامة للبترول جرى توقيعه خلال الزيارة الرسمية الأخيرة التي قام بها الملك سلمان لمصر.
مصدر في وزارة البترول المصرية أشار أن الوزارة بدأت اتصالات بدولتي الإمارات والجزائر لبحص التعاقد على استيراد دفعات بترولية جديدة يبدأ ضخها من يناير/كانون الثاني المقبل تحسبًا لاستمرار الأزمة مع السعودية.
فرض هذا الوضع على مصر توقيع عقود جديدة مع أي دولة بالأسعار الجديدة وهذا ما كان السيسي يحاول تأجيله لأطول فترة ممكنة في وقت وصل سعر صرف الجنيه المصري إلى حاجز 15 جنيه أمام الدولار لذا فالاقتصاد المصري في وضع صعب جراء خسارة حليف اقتصادي مهم مثل السعودية، وفي حال حدوث توقيع عقود جديدة فإن رفع أسعار الوقود في مصر قادم لا محالة علمًا أن هذه الخطوة كانت ستأتي لاحقًا للوفاء بشروط قرض قندوق النقد الدولي.
مصر تدير احتياجاتها البترولية لشهر أكتوبر الجاري من مصادر دولية غير السعودية التي أوقفت توريد الإمدادات الشهرية لمصر.
العلاقات العراقية التركية
يدور خلاف بين العراق وتركيا على وجود نحو 2000 جندي تركي في قاعدة شمال العراق في الوقت الذي يستعد فيه التحالف لشن هجوم على مدينة الموصل الخاضعة لسيطرة داعش.
مكتب العبادي وصف تصريحات الأتراك حول معركة الموصل ونيتهم المشاركة فيها أنها “انفعالية” حيث ذكر نائب رئيس الوزراء التركي أن الوجود العسكري في العراق يهدف لتحقيق الاستقرار في وقت تشهد فيه البلاد انقسامًا جديدًا وأشار أن تركيا لا تسعى لأن تكون “قوات محتلة” حسبما وصفها البرلمان التركي.
واتحهت الحكومة العراقية نحو المجتمع الدولي لعقد جلسة طارئة بمجلس الأمن بخصوص التواجد التركي في شمال العراق، كما رفض مجلس النواب العراقي قرار البرلمان التركي تمديد بقاء القوات التركية في العراق لمدة عام، وطالب الحكومة العراقية باتخاذ جميع الإجراءات القانونية والدبلوماسية لحفظ سيادة العراق وإعادة النظر في العلاقات التجارية والاقتصادية مع تركيا.
وكان أردوغان شن أمس الثلاثاء هجومًا على رئيس الوزراء العراقي العبادي مطالبًا إياه بأن يعرف حدوده وأن يعرف حجمه وذكر أنه ” ليس من المهم مطلقًا كيف تصرخ من العراق عليك أن تعلم أننا سنفعل ما نريد أن نفعله” وعمدت قوات الحشد الشعبي أمس الثلاثاء بتوعد تركيا برد مزلزل في الميدان كما وصفت ردًا على تصريحات الرئيس أردوغان التي هاجم فيها حيدر العبادي.
ومن جهة أخرى هناك دعوات شعبية لمقاطعة البضائع التركية في العراق علمًا أنها تأتي ترانزيت من خلال كردستان العراق وتتمثل الصادرات التركية للعراق بالأغذية والملابس، ويرى مراقبون أن هذه الدعوات تعد النكسة الثانية للتبادل التجاري بين كلا البلدين بعدما كانت أنقرة فرضت إجراءات مشددة للفيزا على دخول العراقيين إلى تركيا العام الفائت.
العلاقات التركية السعودية
التقارب السعودي مع تركيا يعد في أحسن حالاته في هذه الأوقات، فالأزمات السياسية في المنطقة على أكثر من صعيد قربت السعودية من تركيا أكثر، وزادت من التعاون الاقتصادي بين الجانبين، وخصوصًا بعد أزمة الرياض مع القاهرة بخصوص الأزمة السورية في مجلس الأمن.
فبعد الزيارات الأخيرة من الطرف السعودي إلى تركيا لتأكيد وقفة الحكومة السعودية إلى جانب الحكومة التركية بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، حيث زار كل من ولي العهد السعودي محمد بن نايف ووزير الخارجية عادل الجبير، وهي مؤشرات تدل على انفتاح سعودي نحو تركيا، يتقدمها العلاقة الاقتصادية بين الطرفين.
فقد أعلنت شركة أرامكو السعودية عن توقيع 18 مذكرة تفاهم مع عدد من الشركات التركية الرائدة في مجالات توليد الطاقة الكهربائية وبناء المطارات وإداراتها والأعمال الإنشائية في قطاع البترول وإنشاء الطرق.
مذكرات التفاهم الموقعة ستسهم في تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي بين كلا البلدين والذي ازداد بشكل مطرد خلال السنوات الماضية، ومن جهة أخرى فإن هذه المذكرات تعد فرصة كبيرة للشركات التركية لنقل تجربتها الناجحة والاستثمار في السعودية حسب رؤية المملكة 2030 التي تهدف إلى توطين الصناعات لتصبح بنسبة 70% في العام 2021.
من جهة أخرى فإن اجتماع وزراء خارجية الدول الخليجية سيعقد في العاصمة السعودية الرياض بحضور وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لمناقشة الجهود الدولية في مكافحة الإرهاب، وتباحث الملفات الساخنة في المنطقة في سورية والعراق واليمن.
العلاقات التركية الروسية
الخلاف السياسي بين تركيا وروسيا انقلب إلى ود وتوافق بين الزعيمين الروسي والتركي لينعكس على العلاقات الاقتصادية بشكل إيجابي بين البلدين، فبعد اعتذار تركيا لروسيا عن إسقاط مقاتلة السوخوي الروسية تغيرت اللهجة الروسية تجاه تركيا، وتم إلغاء أغلب العقوبات والحظر الذي فرض في وقت الأزمة بين البلدين، وأبرزها رحلات التشارتر من روسيا المتوجهة إلى تركيا.
وعلى هامش مؤتمر الطاقة الدولي المعقود في اسطنبول في اليومين الماضيين وقعت الحكومتين الروسية والتركية يوم الإثنين الماضي اتفاقية مشروع الغاز الطبيعي “السيل التركي” لنقل الغاز الطبيعي إلى القارة الأوروبية عبر الأراضي التركية.
كما تنتظر تركيا من روسيا عرضًا بنظام الدفاع الجوي بعيد المدى بعدما كانت تخطط تركيا شراءه من الصين في وقت سابق وقد أبدى بوتين خلال لقاءه بأردوغان جاهزية روسيا للتعاون المشترك في مجال الدفاع الجوي مع تركيا.
يظهر في المحصلة أن تركيا تعد في موقع الدولة التي تتمحور حولها أزمات الدول فالأزمة التي اندلعت بين السعودية ومصر آثرت السعودية التوجه أكثر إلى تركيا وعقد الاتفاقات معها والذهاب بدعوتها إلى اجتماع وزراء خارجية الدول الخليجية، أما روسيا فانتهاء الأزمة معها رفد تركيا جملة من الفوائد على الصعيد الاقتصادي يتطلع كلاهما أن يصل حجم التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار في الأعوام المقبلة، ومن جهة أخرى فإن الأزمة بين العراق وتركيا لم تلقي بأضرار واضحة على تركيا اقتصاديًا.