ترجمة حفصة جودة
يعتقد ابني يوسف أن التفجيرات “ألعاب نارية”، ويغرق في الخوف عندما توقظنا الانفجارات من النوم، فيجري نحو أقرب شخص إليه ويختبيء في حضنه”
سيكمل ولدي الصغير 3 أعوام في شهر ديسمبر، لكنه أتم الآن 3 أعوام من الحرب.
ابني يوسف، عامين
في إحدى جلساتنا المسائية، طلبت من بناتي الثلاث أن يكتبوا عن ما يحدث حولهم، حتى أنشره على فيسبوك، فكتبت ابنتي الكبرى خلود: “نحن -أطفال اليمن- نرغب في تحقيق آمالنا: أن نتعلم ونلعب ونحقق أهدافنا، لكننا ننام في خوف ونستيقظ في خوف ونترك منازلنا في خوف”
عندما يكون التفجير قريبًا منا، يهتز المنزل بشدة وتتخبط النوافذ والأبواب المفتوحة، وتشعر وكأن التفجير يحدث في أذنيك، حينها يستيقظ ابني وابنتي الصغرى –حنين 12 عام- مذعورين، ويركضون في كل الاتجاهات في الغرف المظلمة.
لذا، قمت أنا وزوجتي بتقسيم الأدوار، هي مسؤولة عن الاهتمام بالصبي الذي ينام في غرفتنا، وأنا أهتم بالفتيات في الغرفة المجاورة لنا، عندما يحدث الانفجار فأول ما نقوله لهم “نحن بخير وأنتم بخير، الانفجار بعيد عن المنزل، فلا داعي للذعر، الأمور كلها بخير”، ثم نحتضن بعضنا البعض، وعندما تكون الليلة سيئة بشدة، ننام جميعًا في غرفة واحدة.
عندما بدأت الحرب شرحت لبناتي ما الذي يحدث: من يقاتل من ولماذا، وقد فهموا أننا لسنا هدفًا مباشرًا لأي أطراف الصراع، لكن قد تحدث أضرار جانبية عندما نتواجد في المكان الخطأ في الوقت الخطأ، وعليه ينبغي أن نقلل من تنقلاتنا، فأطلق أطفالي على ذلك “الإقامة الجبرية في المنزل”.
بالنسبة للمدرسة؛ أشعر أنها المكان الوحيد الذي ينبغي أن يذهبوا إليه؛ بالرغم من كل مخاوفي، فأنا من أشد المؤمنين بأن التعليم هو المدخل نحو مستقبل أكثر أمانًا.
بناتي الثلاث: خلود -15 عام- وأسماء -14 عام- وحنين -12 عام-
ابنتي أسماء -14 عام- أول من ينفق المال وآخر من يدخره، تحب أسماء أصدقائها وتحب الأطفال، لقد بكيت عندما قرأت ما كتبته لأنشره على فيسبوك: “نحن خائفون من وقوع الكارثة، من المؤلم أن يقوم شخصٌ ما بقتل الآباء والأمهات والأطفال، وكأن هذا الشعب لا يشعر كالحجارة، وأي شخص يمتلك السلطة يستطيع أن يفعل ما يريد”
أما ابنتي حنين -12 عام- فهي شخصية صريحة ومبدعة، ودائمًا ما تسأل عن الأشياء التي لم يتم اختراعها بعد، لأنها تريد أن تخترع شيئًا ما يفيد البشر.
في إحدى المرات اعتذرت عن تأخري في العمل لأنني كنت أساعد أطفال اليمن، فواجهتني قائلة “نحن أيضًا من أطفال اليمن”، هذه مقتطفات من مقالها على فيسبوك “الوضع يزداد سوءًا، فالدراسة توقفت واللعب ممنوع، لقد قطعوا المياه والكهرباء عن جميع السكان، والضجيج يزداد يومًا بعد يوم ويقترب منا، ومع ذلك؛ يحيرني سؤالين: كيف سيكون مستقبلنا جميلًا إذا دمروا اليمن، ومتي تنتهي الحرب وتتحرر اليمن ويصبح مستقبلنا أفضل إن شاء الله؟”
كان أطفالي في المنزل يوم السبت عندما قتلت قنبلة أكثر من 100 شخص في قاعة عزاء بصنعاء، وكنت حينها أتحدث في لقاء مباشر على قناة بي بي سي العربية؛ باسم اليونيسيف عن تفشي وباء الكوليرا، وفي طريق عودتي إلى المنزل رأيت طوابير من الناس أمام إحدى المستشفيات.
في طريقي إلى المنزل، رأيت الناس متجمهرين أمام إحدى المستشفيات يبحثون عن أحبابهم
علم أطفالي بالهجوم بعد ساعات من وقوعه، بعد أن انتهوا من واجباتهم المنزلية، وبعد كل هجوم يسألونني إذا كان أحد أصدقائي قد قُتل في الهجوم، هذه المرة أجبتهم : نعم، رئيس بلدية صنعاء، كانوا في حالة من الصدمة فذهبت لأراجع واجباتهم حتى أكون مشغولًا، وبمجرد أن ذهبوا إلى النوم، حدثت غارة جوية أدت إلى اهتزاز البيت وتلتها غارتين، جريت نحوهم، وكانوا جميعًا ينامون في فراش واحد حتى أتمكن من عناقهم عندما تضرب الغارة منطقتنا.
هذه هي الحياة في مناطق الحرب، تستيقظ كل يوم على مفاجآت غير سارة: وفاة أو إصابة صديق أو أحد أفراد العائلة، وتشهد على تدمير حي الطفولة ومدرستك والبقالة اشتريت منها الحلوى ذات يوم.
عليك أن تعيش لا كهرباء أو ماء أو وقود أو خدمات اجتماعية، وبالطبع لا تتمنى أن تعيش حياة؛ أقصى ما تتمناه فيها هو أن تظل على قيد الحياة ليوم آخر، وأقصى ما تحصل عليه من المتعة؛ عدم انقطاع اتصالك بالانترنت.
إن الحروب لا تدمر البلاد والمدن فحسب، لكنها تدمر النفوس أيضا!
المصدر: نيويورك تايمز