جرت بالعاصمة السودانية أول أمس الاثنين مراسم التوقيع على وثيقة وطنية ناتجة عن الحوار الوطني السوداني الذي استمر لعامين منذ دعوة الرئيس البشير الأولى، حيث كان من المنتظر أن تكون الوثيقة التي اشتملت على مبادئ الحكم، أساسًا لوضع الدستور الدائم للبلاد.
احتفل النظام وأنصاره بزعامة الرئيس السوداني عمر البشير في مركز الساحة الخضراء بوسط العاصمة السودانية الخرطوم، وقد جدد البشير لدى مخاطبته حشدًا جماهيريًا أثناء الاحتفال بالانتهاء من أعمال الحوار الوطني، أمس الثلاثاء، الدعوة للرافضين للحوار من أجل التوقيع على توصيات الحوار الوطني، مهددًا: “إن من لم يفعل ذلك سيكون ضد الشعب”.
مسيرة عملية الحوار انطلقت على يد النظام فى الـ 27 من يناير عام 2014، وقد مر هذا الحوار الوطني منذ انطلاقه وحتى ختامه منذ أيام بمنعطفات عديدة، إذ ظلت التجاذبات والإشتراطات تحوم حوله، حتى انتهى بمقاطعة المعارضة.
النظام تعهد على لسان الرئيس السوداني عمر البشير في ختام مؤتمر الحوار الوطني السوداني، بتنفيذ توصيات الحوار الوطني، مشيرًا إلى أنها ستصبح برنامج عمل لحكومته، بالرغم من مقاطعة قوى المعارضة الكبرى، وفي مقدمتها حزب الأمة، والحزب الشيوعي، والحركة الشعبية قطاع الشمال.
جدير بالذكر أن الحكومة السودانية تقاتل الحركة الشعبية قطاع الشمال في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق منذ يونيو 2011، بالإضافة إلى خوض معارك مع مجموعة حركات مسلحة في دارفور منذ 13 عامًا.
احتفل النظام وأنصاره بزعامة الرئيس السوداني عمر البشير في مركز الساحة الخضراء بوسط العاصمة السودانية الخرطوم
البشير ونظامه وعدوا بما أسموه “سودان بلا قبلية”، بعد تأكيده على إلغاء خانة القبيلة من الأوراق الرسمية، كواحدة من أبرز توصيات الحوار الوطني، حيث قال: “منذ اليوم على أي أحد يُسأل عن الهوية، يقول سوداني.. لا قبلية ولا جهوية”.
وأضاف: “أن الشعب صنع تاريخًا جديدًا، وسيكون يوم العاشر من أكتوبر من كل عام مناسبة قومية يحتفل بها”، فيما أُعلن عن تكريم كل المشاركين في الحوار الوطني بالداخل والخارج ولجانه وأهله.
احتفاء وانقسام
بينما يحتفل حزب المؤتمر الوطني الحاكم وحلفائه بمخرجات الحوار، ترفض المعارضة اعتباره نقطة تغير في مستقبل السودان، فهناك من يرى فى انعقاده نجاحًا سياسيًا كبيرًا للقوى التى آمنت بمساره وانخرطت فيه على الرغم من البطء النسبي الذي صاحب هذه العملية والتعقيدات والتجاذبات الداخلية والخارجية التى رافقتها.
ومن أبرز هؤلاء حزب المؤتمر الشعبي المحسوب على المعارضة لمؤسسه الراحل حسن التاربي، والذي يترأسه الآن إبراهيم السنوسي عضو آلية الحوار المعروفة بـ (7+7)، والذي أكد إن مخرجات مؤتمر الحوار فتحت صفحة جديدة وعهدًا جديدًا ستعود معه السلطة إلى الشعب عبر الانتخاب.
إبراهيم السنوسي رئيس حزب المؤتمر الشعبي
يذكر أن حزب المؤتمر الشعبي بزعامة حسن الترابي انشق عن المؤتمر الوطني الحاكم برئاسة البشير، فيما عرف بمفاصلة الإسلاميين في أواخر العام 1999.
أما المقاطعين فقد اعتمدوا على الخلاف بين الأطراف حول مدى الالتزام بتنفيذ ما جاء فى “خارطة الطريق” والتى وقعت في 5 سبتمبر 2014 بين الآلية الأفريقية برئاسة أمبيكى، ولجنة (7+7) بأديس أبابا.
هذا فضلًا عن الشُقة الواسعة السابقة التي فصلت بين هذه الأطراف حول مسألة عقد “مؤتمر تحضيري” بمقر الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا إستنادًا على القرار (456) الصادر من مجلس السلم والأمن بالاتحاد الأفريقى في سبتمبر 2014، حيث كان مطلب مُلحِ بالنسبة للمعارضة السودانية.
بين هذين الموقفين يُطرح تساؤل هل تحل هذه المخرجات للحوار الوطني أزمات السودان السياسية والمجتمعية الحقيقية
الحكومة أصرت في ذلك الحين على عقد الحوار الوطني بالداخل في موعده المحدد و”بمن حضر” فقط، وهو ما اعتبر يعتبر ضربة موجهة لتيار من المعارضة خاصة الجبهة الثورية وقوى “نداء السودان” وحلفاءها الآخرين والتى سعت وُسع جهدها إلى انتزاع ولو مجرد تنازل بسيط كالحصول على موافقة الحكومة على ضمانات بتأجيل أو تعليق عملية الحوار الوطنى الجارى الى حين عقد مؤتمر تحضيرى والذى تضعه هذه القوى كشرط مسبق.
كان تمسك قوى المعارضة والحركات المسلحة بعقد الملتقى التحضيري، والذى ورد في بيان مجلس السلم والأمن الأفريقي أحد أبرز نقاط الخلاف، وتباعد المواقف بين الأطراف السودانية ولم تنحج الوساطة الأفريقية فى التوفيق بين مواقف الأطراف المختلفة، حتى انتهى الحوار وأخرج منتجه بمقاطعة جزء كبير من المعارضة.
هل تحل هذه النتائج أزمة السودان؟
بين هذين الموقفين يُطرح تساؤل هل تحل هذه المخرجات للحوار الوطني أزمات السودان السياسية والمجتمعية الحقيقية، فقد كان على هذه الوثيقة إعادة تعريف مفهوم القوى السياسية القائمة حاليًا- أحزاب تقليدية حركات متمردة تحالفات وغيرها، بحيث لن تكون هذه المجموعات فى حال تم التفاوض معها على تسوية سياسية خارج الحوار الوطنى إلا مجرد من جزء من المشهد السياسى العام بالبلاد.
وتدعي الحكومة أن الوثيقة المخرجة تشتمل على مبادئ الحكم، والحريات العامة والهوية والسلام والوحدة والاقتصاد والعلاقات الخارجية، وستكون مضامينها أساسا للدستور الدائم للبلاد.
تمسك قوى المعارضة والحركات المسلحة بعقد الملتقى التحضيري، والذى ورد في بيان مجلس السلم والأمن الأفريقي أحد أبرز نقاط الخلاف
وبعيدًا عن تقييم هذا المنتج فإنه تم بتوافق مع جزء من الأزمة فقط، واستبعد الجماعات المسلحة في دارفور والحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال، ومن أصروا على عقد مؤتمر تحضيري، وفقًا لقرارات مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، ومجلس الأمن الدولي، لجمع كل القوى السياسية السودانية من أجل الاتفاق على إجراءات لبدء حوار متكافئ مع الحكومة، وهو ما ترفضه الحكومة السودانية، وتعتبر أن هذا يأتي بإملاءات خارجية مرفوضة.
ولا تلغي أي مبررات فكرة أن الأزمة السودانية متكونة من عدة أطراف، ولا يمكن أن يستبعد أحدها، حتى بالرغم من الاحتفالات والصخب، فيخشى أن تكون مرحلة الوثيقة مرحلة شكلية تنضم إلى الحوارات الوطنية السابقة.
وفيما تتمحور التوصيات النهائية في خريطة طريق شددت على التأسيس الدستوري والسياسي والمجتمعي، في إطار توافقي بين السودانيين لإنشاء دولة عادلة وراشدة ونظامًا سياسيًا فاعلًا، والتأكيد على التعاون والتناصر بين جميع السودانيين لتجاوز أزمات البلاد كافة، والتوافق على دستور وتشريعات قانونية تكفل الحرية والحقوق والعدالة الاجتماعية.
وتناولت أيضًا ضرورة الاتفاق على نظم مستقلة لحماية تلك الحقوق مع التوافق على التشريعات والإجراءات الضرورية لقيام انتخابات عادلة ونزيهة تحت إشراف مفوضية مستقلة سياسيًا وماليًا وإداريًا.
وحددت الوثيقة جملة من مطلوبات تهيئة المناخ عبر إجراءات لبناء الثقة، وأولى خطواتها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين كافة وكفالة الحريات السياسية والتأمين الكامل على حرية التعبير والنشر.
تتمحور التوصيات النهائية في خريطة طريق شددت على التأسيس الدستوري والسياسي والمجتمعي، في إطار توافقي بين السودانيين
ولكن كل هذا تم التعهد به في غياب الطرف الثاني من الأزمة السودانية، وهو ما يهدد كل هذه المخرجات بصورة مباشرة، حيث لا يعرف حتى الآن بأي صفة ستلتزم المعارضة المنسحبة من الحوار، كما ينظر إلى تهديد النظام لهم، على إنه إشعال مؤكد للحرب والنزاع المسلح مرة أخرى في حال عدم استجابة هذه المعارضة السياسية والمسلحة لدعوات النظام.