بعد النكبة الفلسطينية وتشريد الشعب الفلسطيني من قبل طغمة اليهود المحتلة لفلسطين أقام الفلسطينيون مخيماتهم في “دول الجوار” ورفضوا الإنخراط في المجتمعات وكونوا لأنفسهم كانتونات منفصلة ليس لشيء ولكن حباً للأرض التي أُخرجوا منها وعلى أمل بالعودة إليها.
وكان من هذه المخيمات مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في سورية والذي يعيش اليوم نكبة جديدة ربما تكون أصعب من الأولى بكثير فالموت هنا بطيء أبطء من وعود تحرير القدس التي مضى عليها 65 عام الموت هنا بالجوع والقاتل هنا ليس “إسرائيل” وهذا ما يُضاعف ألم اللاجئ الفلسطيني.
قبل أشهر طويلة فرضت القوات التابعة للنظام السوري الحصار على مخيم اليرموك الذي بدأ جزئياً بتايخ 2012/12/18 وكان يُسمح في حينها لكل عائلة بالحصول على ربطة خبز واحدة فقط وأي رغيف فوق عدد أرغفة الربطة “النظامي” يُصادر على حواجز الموت ويُلقى للقمامة ومسموح فقط بقوت يكفي ليوم ناهيك عن الإهانة على الحواجز والاعتقالات التعسفية وقصف مسجد عبد القادر الحسيني الذي كان مركز إيواء ومشفى الباسل ومدرسة الفالوجة والتي كانت أيضاً مركز إيواء للناجين بعد دمار بيوتهم وغير ذلك من الانتهاكات.
ثم فُرض حصار خانق وهو المستمر منذ ما يقارب 170 يوم حتى يومنا هذا وخلال هذه الأيام لم يمت الناس جوعاً وعاشوا طوال هذه الفترة على ما في بيوتهم من مخزون وما في البقالات من أغذية حتى أنهم عاشوا لأيام على الحلوى والبسكويت فقط.
ولم يستسلم أهالي المخيم للجوع أو الموت بسهولة فقاوموا وصمدوا صمود جبال القدس في وجه الإحتلال، فصنعوا من العدس الخبز والفطير والحلويات بعد أن نفذ الدقيق وكانوا يتقاسمون ما يصنعونه مع اخوانهم السوريين الذين لجئوا إلى المخيم من المناطق المجاورة.
واشتدت الأمور في الشهر الأخير من عام 2013 بعد أن نفذ مخزون البيوت وبدأ الناس يتساقطون شهداء نتيجة المرض والجوع الشديد وتكاد تكون التحركات من أجل إنقاذه معدومة، وكل طرف يحمل الآخر مسؤولية التقصير، ويدفع أهالي المخيم ثمن ذلك كله فقد وصل عدد الشهداء خلال الشهر الأخير إلى 32 شهيد ومن يحاول الهرب من الموت البطيئ يلاحقه الموت السريع في البساتين حيث إنتشار القناصة والقوات التابعة للنظام على أطراف المخيم تقتل كل من يتحرك.
ويبقى أهالي المخيم رهائن الإتفاق المأمول بين أطراف القتال في سورية وهذا الإتفاق شيء من الوهم في ظل عالم يتجه كل ما فيه إلى الإفتراق وإن كان الشعب السوري منذ 3 سنوات ولم يتصالح مع بعضه البعض والشعب الفلسطيني منذ حوالي 5 سنوات وهو من جلسة مصالحة إلى أخرى ولم يتفق إلا على أن لا يتفق.
فهل تتوقعون إن يتفق المسلحون داخل اليرموك أو سورية بشكل عام بمختلف مشاربهم وتوجهاتهم وحتى جنسياتهم، من الممكن أن يحدث ذلك ولكن لا أظنه سيحدث قبل أن يفنى آخر طفل في المخيم.
وبما أن السلاح دخل كل مدينة وكل شارع وحتى كل حارة سورية فليس من العجائب أن يكون في المخيم مسلحون في ظل غياب مؤسسات الدولة وتغولها وإنعدام الأمان فأصبح السلاح من المستلزمات الضرورية للدفاع عن الناس في ظل حكم الغاب.
الغالبية العظمى من المدن والأحياء السورية خرجت على النظام السوري وثارت ضده لكن لم تحاصر إحداها كما يُحاصر مخيم اليرموك التي حشدوا من حولها الحشود كما لم تحشد لتحرير الجولان.
ما لا يعرفه كثيرون أن أهم الأطراف المتواطئة مع النظام في الحصار “أطراف فلسطينية” تعرف مداخل المخيم ومخارجه جيداً وهي الجبهة الشعبية القيادة العامة وفتح الانتفاضة وهذه الأطراف هي المشكلة وهي الحل أيضاً فبالإمكان الضغط عليها فلسطينياً أو حتى التهديد بحظر أنشطتها في الضفة الغربية وقطاع غزة وهذه وسائل ضغط ممكنة ولا يجب التأخر عنها فكل يوم يمر يعني شهداء جدد وإلا فكل الفصائل و”الحكومتان” تتحمل المسؤولية.
كما ينبغي الإشارة إلى أن الجهاد الإسلامي لازالت تحتفظ بعلاقة قوية مع النظام السوري وتستطيع التدخل ولديها علاقة مع إيران لاحظتها من خلال برقياتها المستمرة للجمهورية الإيرانية في المناسبات المختلفة وإيران بتمون على النظام السوري وعلى جماعة جبريل وعلى كل الناس الذين يسترزقون منها داخل سورية وخارجها.
“محمود عباس” رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس منظمة التحرير ورئيس الهيئة التنظيمية العليا لحركة فتح قد سجل رقماً قياسياً في العام الماضي من حيث توزيع التهاني والتعزيات والهدايا والجوازات لم يسبقه إليه رئيس وغفير كما أنه قام بالمشاركة في الوساطة وحل مشكلة “اللبنانيين المختطفين” في سورية ، رئيس يجد وقتاً لكل هذه الأمور لا أعتقد أنه لا يجد وقت لمتابعة أمر اليرموك وإلا فهو شريك في هذه الجريمة إن لم يتحرك.
إن هذا المخيم مسؤوليتنا جميعاً فلنفعل كل ما بوسعنا من أجل إنقاذه ومن أجل وجنة طفلٍ غادرتها البسمات وجدتي التي لم تنم هناك من وجع الجوع منذ أيام ورجل تمزق قلبه من الحسرة ومات وأمٌ مكلومة ومن أجل الإنسان، فحقهم علينا أن ننصرهم ولا نخذلهم ومن خذل سيخذل وسيسأل اليوم أو في الغد.