نظمت المناظرة الثانية الرئاسية في جامعة واشنطن بمدينة سانت لويس في ولاية ميسوري، بين المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون والمرشح الجمهوري دونالد ترامب، وجاءت المناظرة بعد أسبوع سيء لترامب وحملته بسبب انسحاب العديدين عن تأييده نتيجة انتشار تسريبه الأخير، ولذلك كانت المناظرة أكثر أهمية لترامب في محاولة منه لاستعادة ثقة الكثيرين ممن انسحبوا من حوله، ولكنه لم يحرز نجاحًا كبيرًا في هذا الشأن، بل ربما يكون قد خسر رفيقه مايك سبينس، بعدما أجاب على سؤال أندرسون كوبر (مذيع شبكة CNN) حول اختلاف وجهة نظر بينس عن ترامب فيما يخص سوريا، فقال بأنه لم يتحدث مع بينس في تلك المسألة وأنه يخالف بينس الرأي.
فالمناظرة منذ بدايتها كانت جد متوترة بعدما اكتفى المرشحان بهزة رأس خفيفة بعد ذلك تواصل “القصف” بينهما منذ السؤال الأول الذي دار حول مدى تأثير السباق الانتخابي بما صحبه من حملة إهانة وتصريحات غير لائقة على الأجيال الصغيرة، وهل يمثل المرشحان قدوة للشباب.
كلينتون كانت أكثر هدوءًا من ترامب الذي كان يجول على المنصة أحمر الوجه، وبينما كانت أغلب إجابات ترامب هجومًا على كلينتون، حتى على مسائل لم يكن لها دخل بها، فإن كلينتون وضحت الكثير من النقاط بخصوص مشروعها وبخصوص مسائل كسوريا والطاقة والضرائب والرعاية الصحية، بينما لم يستطع مديرا المناظرة أن ينتزعا إجابة حقيقية على أي من أسئلتهما من ترامب.
مواقفهما لم تتغير عن المناظرة الأولى، إلا أن كلينتون عمدت إلى استخدام ورقة روسيا بقوة هذه المرة، حيث أكدت أن روسيا التي تتهمها المخابرات المركزية الأمريكية باختراق بيانات الحزب الديمقراطي وكل ذلك لأنهم يريدون أن يصل ترامب للرئاسة، كما اتهمت روسيا ونظام بشار الأسد بارتكاب جرائم حرب عند سؤالها عن الوضع المأساوي في مدينة حلب، وعادت كلينتون قبل نهاية المناظرة وأكدت أن ترامب هو مرشح الروس المفضل.
في اعتقادي الشخصي، ترامب نسخة مصغرة لجورج بوش الابن، ولقد رأينا ما فعله حينها بالعراق، في حين أن كلينتون هي الوجه العاقل لأوباما، فالشعب سيختار من يمثله، ربما بوجود عقلية ترامب في الرئاسة سيساعد هذا العديد من الدول والشعوب في إعادة النظر في علاقتهم وربما في التعاون لاتخاذ التدابير اللازمة لمنع تدخل هذا الأخير، ولكي لا ننسى ماذا صنع الرؤساء السابقون بالعالم العربي والإسلامي.
أما ما سيفعله ترامب بشعبه وبلده فعلى نفسها ستكون جنت براقش، وربما ستكون بداية الانحدار التاريخي لهذه الدولة العظمى، فلا شيء يبقى على حاله والأيام دول، وربما خلال سنوات قليلة لن يعود لأمريكا وزنها الحالي وربما تحل مكانها دولة غيرها.
ما لم يحدث في مناظرة هيلاري كلينتون وترامب وما يحدث عند أشباههما من العرب هو “التراشق بالأيادي“، فبالنظر لكل ما خاضه ترامب ليصل للمناظرة، ثم أدائه السيء جدًا بها، فأنا أعتقد أنه مجرد تمثيل من قبله، أعني أنه ثمة (إن) في الموضوع، فمن المفترض أن يكون لديه فريق كامل للتحضير للمناظرات وأن يعرف ما سيقوله قبل أن تبدأ المناظرة حتى، فإما أن هناك خلل في الخطط أو أن التغابي هو خطته وهو ما أظنه.
يبدو أن هيلاري ستفوز في نهاية الأمر، فالأمريكيون مجبرون في الأخير على اختيار السيئين في كل مرة ما دام النظام الانتخابي في أمريكا لم يتغير، فهذه المناظرة كانت بمثابة المرآة التي عكست مستوى تفكير الأمريكيين، وترامب هو أكثر شخص يمثل الأمريكيين وتفكيرهم المتهرئ ويعكس شخصيتهم المنحطة، ودليل ذلك العنصرية والكراهية التي طغت على الفكر، فهي المحفز الأكبر لانتخابه، ثم إن كل الأفكار السخيفة والرديئة التي يقدمها الإعلام الأمريكي ما هي إلا لعبة قذرة تحاك خلف الستار.
فلكل دولة كبرى نهاية، على مر التاريخ والعصور، ومهما بقيت دولة عظيمة مئات السنين إلا أن منحنى العظمة يبدأ تدريجيًا بالنزول إلى أن تسقط كليًا، وأعتقد أن ترامب سيكون أحد الأسباب التي ستطيح بها أسفل سافلين، لكن الأمر الذي أستسيغه من سياسي سيقوم بقيادة قطب كبير كالولايات المتحدة هو تصرفاته إن لم أقل الصبيانية، حيث عمد خلال المناظرة إلى إهانة كلينتون وتهديدها في حالة وصوله للمنصب أنه سيقوم بتعيين قاضي تحقيقات خاص للتحقيق في قضية البريد الإلكتروني الخاص بها وسجنها.
لم يحدث قط في تاريخ الولايات المتحدة أن هدد أحد المرشحين الآخر بالسجن في حالة هزيمته، وهذا إن عبر عن شيء فإنه يعبر عن مستواه الدنيء وعن طابعه الوقح، حيث إنه لم يستطع كالعادة تقديم أي إجابات أو خطط أو استراتجيات سوى مقاطعات ومستوى لغة وحوار متدنٍ لا يرقى إلى أن يقود دولة بتلك القوة، خاصة بعدما هاجم المسلمين الأمريكيين واتهمهم بارتكاب الجرائم الإرهابية مثل حادث سان برناردينو، بينما وصفت كلينتون تصريحاته عن المسلمين بأنها هدية لداعش وغيرها من الجماعات المتطرفة التي تبث خطاب كراهية كالذي يستعمله ترامب.
فكانت هذه المناظرة لصالح كلينتون التي حافظت على مكاسبها وتقدمها وأضافت إليها المزيد من أصوات الناخبين المتأرجحين، بينما لم يحقق ترامب أي مكاسب وربما يكون قد أحدث شقاقًا بينه وبين المرشح على منصب نائب الرئيس برفقته مايك بينس، كما أنه لم يستطع إقناع المتابعين بما قاله بخصوص التصريحات التي سربت له والتي أثارت الكثير من الغضب حتى في أوساط الجمهوريين.
في انتظار المناظرة الثالثة والأخيرة وعما ستسفر يوم التاسع عشر من أكتوبر في جامعة نيفادا بلاس فيغاس.