ما زالت القيادة التركية متمثلة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس وزرائه بن علي يلدرم، تراكم النقاط يومًا بعد يوم منذ فشل المحاولة الانقلابية في 15 تموز 2016، حيث استطاعت الحكومة كشف أعداد وشبكات كبيرة من أعضاء جماعة غولن المتغلغلين داخل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية وفي قطاعات الأمن والقضاء والمخابرات والجيش والوظائف الحكومية في مختلف الوزارات.
حيث تم اعتقال أكثر من 34 ألف شخص من المنتسبين للجماعة بعد أن حصلت الحكومة على الدعم الشعبي المطلوب واستطاعت أن تتوافق مع أحزاب المعارضة على تطبيق حالة الطوارئ من أجل تحقيق استقرار البلاد والقدرة على تطهيرها من جماعة غولن بأسرع وقت ممكن، ومن جانب آخر العملية العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني قتلت أكثر من 400 مقاتل خلال أقل من شهرين بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة، فيما حققت عملية درع الفرات إنجازات ملموسة في مرحلتيها الأولى والثانية واستطاعت فرض حالة يمكن القول أنها أصبحت مقدمة لإنشاء منطقة آمنة بين أعزاز وجرابلس.
ومع هذه التطورات تشعر القيادة التركية بحالة من النشوة التي تصاعدت مع فشل الانقلاب ومع التأييد الشعبي العارم ولهذا كانت الفرصة لعرض فكرة النظام الرئاسي من جديد للتطبيق وليس للتشاور فحسب.
يمكننا من خلال تتبع اختيار حزب العدالة والتنمية لأوقات الحديث عن النظام الرئاسي أن نقول إن الحزب يختار الأوقات التي يكون فيها أكثر قوة للحديث عن النظام الرئاسي أو التغييرات الدستورية بشكل عام، حيث تراجع الحديث عن النظام الرئاسي بعد أن فشل الحزب في الحصول على نتيجة تمكنه من تشكيل الحكومة وحده في انتخابات يونيو 2015، وبمجرد أن ذاق الحزب طعم الفوز في انتخابات نوفمبر 2015 عاد ليطرح موضوع النظام الرئاسي من جديد وبشكل حذر.
لقد كان التوقع أن حزب العدالة سيقوم بالتحضير وبتهيئة الرأي العام للنظام الرئاسي خلال 3 سنوات من فترة حكومته الحالية، لكن يبدو أن مدخل الانقلاب الفاشل قد يؤدي إلى تعجيل التوجه نحو النظام الرئاسي من جديد، وقد استطاعت ما تسمى بروح “يني كابي” أو الروح الوطنية التركية التي ولدت من جديد في ليلة الانقلاب إقناع حزب الحركة القومية بدعم فكرة النظام الرئاسي في خطوة تحبط جهود حزب المعارضة الرئيسي حزب الشعب الجمهوري من تكسير مجاديف دعاية حزب العدالة أو حتى استخدام الدعاية الغربية المختبئة خلف شعارات الديمقراطية والتي كانت تصور النظام الرئاسي في تركيا بأنه نظام ديكتاتوري، حيث إنها لن تجد أذانًا صاغية في تركيا بعد أن ظهر موقفها المخيب في التخلي عن الديمقراطية التركية صبيحة 15 تموز 2016.
وكان دولت بهتشلي زعيم حزب الحركة القومية قد صرح مؤخرًا بأن النظام الرئاسي موجود كأمر واقع، ودعا لإيجاد حل قانوني لتثبيته وفيما بدا بعض الغبش حول تصريحاته التي قال حزبه إنها فهمت خطأ وإنه لم يقل سنجمع 330 صوت للنظام الرئاسي بل قال إذا كنتم قادرين على جمع 330 صوت فلتجمعوا”.
وفي هذا السياق قدم رئيس الوزراء الشكر لحزب الحركة القومية وزعيمه على هذا الموقف وقال إن حزب العدالة والتنمية سيقدم الدستور الجديد بما فيه النظام الرئاسي للبرلمان وإذا لم يقره البرلمان سوف يقوم بعرضه على الشعب للاستفتاء.
يوجد لدى حزب العدالة والتنمية 317 نائبًا في البرلمان، وبما أن رئيس البرلمان هو خارج عملية التصويت فإن العدد يصبح 316، ولهذا فإن الحزب بحاجة إلى 14 صوتًا للوصول إلى رقم 330، وهو الرقم الذي لا يمكن معه رد الدستور الجديد، ولكن يتوجب عرضه على استفتاء شعبي، وإذا علمنا أن حزب الحركة القومية لديه 40 مقعدًا فإن توافق حزب العدالة والتنمية معه يؤهل الدستور للمضي نحو استفتاء شعبي، أما عدد 367 صوتًا وهو العدد اللازم لإقرار الدستور دون استفتاء شعبي فهو أمر مستبعد في ظل رفض حزبي الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطية.
لا بد قبل كل شيء أن يعلن حزب الحركة القومية موقفه بكل صراحة تجاه دعم أو عدم دعم حزب العدالة في هذا التوجه والذي إن تم سيكون رافعة قوية للحزبين ومدخلاً جديدًا في معادلة مستقبل تركيا الجديدة كما أنه سيكون مدخلاً لإعادة الاستقطاب الداخلي مع حزب الشعب الجمهوري.
وفور الإعلان عن نية حزب العدالة والتنمية بدأت النقاشات حوله وبادر بعض النشطاء بحملات لدعم أردوغان من خلال القول أنه يستحق الرئاسة وبدأت التكهنات بمطالب حزب الحركة القومية الذي قيل إنه سيطالب بمنصب نائب الرئيس وسيتفاوض حول دور البرلمان والتشكيلة الوزارية.
ختامًا فقد قال كمال كلتشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري في شهر مايو الماضي إنه لن يكون هناك نظامًا رئاسيًا في تركيا حتى يسيل الدم، وبالرغم من أن الرجل ربما كان له مراد آخر غير المحاولة الانقلابية، إلا أن الدم التركي الذي سال بالفعل في ليلة الانقلاب والذي أدى إلى روح وطنية عالية وزخم شعبي كبير لحزب العدالة وتحديدًا للرئيس رجب طيب أردوغان أدى إلى رفع أسهم فكرة النظام الرئاسي من جديد.