يبدو أن الصين قد قررت صنع مانديلا الخاص بها، فمنذ سنتين تم حبس المفكر “ٌإلهام توهيتي” مدى الحياة بتهمة الدعوة والتحريض على الانفصالية بالنسبة لمجتمع مسلمي الأويغور عن بقية شعب الجمهورية الصينية، وهو الحكم الأكثر شدة على كل انفصالي في تاريخ الصين الحديث، وذلك بعد أن قام توهيتي بتشجيع الأقلية المسلمة في الصين من الأويغور، وهم يمثلون 10 مليون فرد من الكثافة السكانية، على مزيد من التواصل مع غيرهم، كما كان يحث الطرف الآخر من الأغلبية التي تمثل التسعين مليون نسمة الباقية على عدم تهميش الأويغوريين، فهم يمثلون واحدًا من الـ 56 عرقًا الآخريين الموجودين ضمن المجتمع الصيني.
“إنه اليوم الذي تصنع فيه الصين مانديلا الخاص بها”، قالها الكاتب الصيني وانج ليكسونج في تقرير على صحيفة الغارديان منذ سنتين، وقت صدور حكم السجن المؤبد على إلهام توهيتي، كما وصفت منظمة العفو الدولية في تقريرها الرسمي الحكم بأنه مشين بالنسبة للحكومة الصينية، فالحكم لا يعتمد على أية أدلة واقعية يمكن بها إدانة توهيتي، فلقد عمل لمدة عقدين كاملين على محاولة بناء قنوات تواصل ما بين قوم الهان، وهم القومية الأصلية والأغلبية في الصين، وبين الأعراق المختلفة الأخرى، وأهمها الأويغور، كما طالبت منظمة العفو الدولية في تقريرها بإخلاء سبيل توهيتي فورًا.
“إلهام توهيتي” أو كما يسمونه نيسلون مانديلا الصين، هو أكاديمي يقوم بتدريس الاقتصاد في جامعة مينزو الصينية ومفكر وكاتب، يعمل منذ عقود على حل المشاكل الواقعة بخصوص التواصل ما بين قومية الهان التي تمثل الأغلبية، وما بين أقلية الأويغور، وهو ما دفعه إلى تأسيس منصة إلكترونية خاصة بالأويغور على الإنترنت عام 2006، فكان لهذا المشروع أهمية كبيرة في نظر توهيتي، حيث زادت أهميته خاصة بعد أحداث العنف والقتل التي سادت في عام 2009، والتي تم اعتبارها أشد الأحداث دموية في تاريخ الصين الحديث، وذلك في مناطق الأويغور مستقلة الحكم مثل “سنجان”، وهي مقاطعة صينية تتمتع بنظام إداري خاص، تقع في أقصى شمال غرب الصين كما توضحها الخريطة التالية.
قامت منصة توهيتي الإلكترونية ” أويغور بيز” بمحاولة التعريف بثقافة وحضارة قوم الأويغور، إلا أن ذلك كان كافيًا في نظر السلطات الصينية لاعتبار ذلك نوعًا من أنواع التحريض على الانشقاق والانفصالية عن قومية الهان التي تحكم جمهورية الصين حتى بعد انتقالها من عصر الإمبراطورية إلى عصر الاشتراكية، ولذلك قامت الحكومة الصينية بإغلاق الموقع وغيره من المواقع المشابهة الخاصة بإعطاء الأويغور حقًا في التعبير عن قضاياهم إلكترونيًا.
لم ينته الأمر عند إغلاق المواقع الإلكترونية فحسب، بل قامت السلطات بما يسمى بـ “الحرق الكبير للكتب الرقمية” وهو ما دمر الكثير من المنشورات والكتب الخاصة بلغة وحضارة وثقافة الأويغور.
أويغور مسلمون بكوشغار في الصين
قام توهيتي لمدة عقدين كاملين بمحاولة التقريب بين الأعراق المختلفة في الصين، وذلك عن طريق إعطاء مزيد من الحقوق للأعراق المهضوم حقها والمهمشة داخل قومية الهان، ورفض توهيتي خلال مسيرته الانشقاقية عن الجمهورية، كما رفض التعبير عن الحنق من تهميش السلطات الصينية بالعنف والإرهاب، إلا أن كل ما سبق كان سببًا كافيًا لإدانته وإدراجه السجن مدى الحياة.
تم التشهير بكونه مجرمًا بالصحف الرسمية في بكين، حيث تم وصفه بكونه مفكرًا يتحول إلى مجرم، كما تم اتهامه بالتحريض على زعزعة استقرار البلاد بتهديده للوحدة التي تشكلها السلطة الحاكمة ما بين الـ 56 عرقًا الآخرين.
تم إعلان إلهام توهيتي فائزًا بجائزة “مارتين إينالز” لهذا العام، وهي الجائزة الخاصة بتكريم وحماية المدافعين عن حقوق الإنسان دوليًا، وهو التكريم الذي يناله المفكر توهيتي بعد قضائه بالفعل سنتين داخل السجن في “سنجان” شمال غرب الصين.
عقب وزير الخارجية الصيني لصحيفة الغارديان على نيل توهيتي لهذه الجائزة قائلاً بأن قضية توهيتي لا علاقة لها بحقوق الإنسان، بل هي قضية تحريضه للناشطين على الانشقاق والانفصال عن قومية الهان وعن الجمهورية كلها، إلا أن الرد كان من قبل رئيس منظمة “مارتين إينالز” مدعيًا على الحكومة الصينية بأنها تعمل على تكميم فم أكثر الناشطين اعتدالًا وحرصًا على اتفاقيات السلام بين الأعراق.
لا يُنتظر الإفراج عن توهيتي بسبب حصوله على جائزة كتلك، إلا أنه من المؤكد التفات المنظمات الدولية إلى قضيته ومن يشابهه من المعتقلين السياسيين وغيرهم من المهمشين في المجتمع الصيني، كما أن حصول مفكر مسلم على هذه الجائزة لا يمثل شيئًا في الصين إلا بأن المجتمع الشيوعي يهاب النقاش المستمر حول قضية مسلمي الأويغور في الصين، ويحاول التخلص من كل من يحاول إبرازها على الساحة من جديد.