في أول هذا الشهر، تعرض مركز صحي في مدينة حلب السورية يديره الهلال الأحمر القطري إلى قصف من قبل طائرة هليكوبتر مما أدى إلى موت اثنين من المرضى وجرح ثمانية آخرين، وبذلك تدمر نصف المركز، ممّا جعل قطر تضطر إلى إغلاقه، وعلّق الدكتور هاشم درويش رئيس برنامج البعثة الصحية في مقر الهلال الأحمر القطري في تركيا عن هذه الحادثة فقال إنها جريمة حرب.
وهو ما عبر عنه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في وصف أعمال العنف المتصاعدة التي قامت بها الحكومة السورية وحلفاؤها قائلاً “أولئك الذين يستخدمون الأسلحة الأكثر تدميرًا هم على علم بماذا يقومون”، وأضاف “أن هؤلاء يعرفون أنهم يرتكبون جرائم حرب”.
بعد مرور خمس سنوات، من رد فعل بشار الأسد القاسي ضد المظاهرات السلمية التي قام بها شعبه، ناهيك عن تزايد نسق جرائم الحرب، التي خلّفت نصف مليون قتيل وأدت إلى فرار مليون شخص من البلاد، هربًا من الغاز المتفجر والكلور الذي يطلقه الأسد على شعبه، وبالتالي فيُعتبر نظامه الأكثر شراسة وقسوة ضد الإنسانية.
ولكن هذا لم يكن من تدبير الأسد وحده، بل كان لديه الدعم الكامل من قوى خارجية، وبالتالي فهم مسؤولون عن القتل والدمار والذبح الذي يرتكبه، ثم تمّ الإعلان عن وقف إطلاق النار، إلا أن قوات النظام لم تمتثل لذلك.
وعلى الرغم من القرارات المتعددة لوقف الأعمال الوحشية التي تُرتكب بحق الشعب السوري، فقد فشل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في تطبيق ذلك، وتمّ عندئذ تولي مسؤولية دعم الشعب السوري التي وافقت عليها جميع الدول الأعضاء وفق قانون تمت المصادقة عليه عام 2015، هذا القانون الذي يمنع ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهو الأمر الذي جعل الأمم المتحدة تتدخل في سوريا.
وخلال السنوات الخمس الماضية، تمّ منع تحميل النظام المسؤولية عن المجازر التي يرتكبها بشكل متكرر من قبل بعض أعضاء مجلس الأمن لأسباب سياسية غامضة، وفي المقابل فقد سمح هذا الطريق المسدود الذي بلغه مجلس الأمن للنظام السوري بمواصلة المجازر دون التعرض إلى أي عقوبات، وخاصة الكارثة الإنسانية التي تشهدها مدينة حلب وتفسر على أنها فشل للأمم المتحدة.
إن سوريا ليست المكان الوحيد الذي حاول مجلس الأمن حمايته من جرائم الحرب في الشرق الأوسط وخفق في ذلك، كذلك غزة، ففي عام 2014 لم يقدر مجلس الأمن على وقف العدوان الإسرائيلي بحق الفلسطينيين؛ حيث تم قتل 2251 مدنيًا من بينهم 551 طفلاً و299 امرأةً.
وطالما اتّسم مجلس الأمن بنقص في المسؤولية والنزاهة وخدع الكثير في الشرق الأوسط؛ الكثير الذي يبحث عن السلام والعدالة في ظل غياب تدخل القادة الدوليين، وهو ما يفسر لجوء بعض الحكومات إلى القوات الأجنبية طالبة الدعم والتدخل لوقف إراقة الدماء.
وبعد فشل الأمم المتحدة في التدخل في منع الإبادة الجماعية التي جدّت في رواندا في التسعينات، وفي سيربرينيتشا خلال حرب البوسنة، تولّى حلف شمال الأطلسي القيام بإجراءات قصد منع مجزرة متوقعة في كوسوفو؛ الأمر الذي جعل الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون ُيبرر بالقول “إذا كان المجتمع الدولي لديه القدرة على وقف ذلك، فإنه علينا أن نتوقف عن الإبادة الجماعية والتطهير العرقي”.
عندما يتم ذبح المدنيين الأبرياء بدون رحمة – سواء كانوا مسيحيين أو من قبائل التوتسي أو صرب أو مسلمين – فإن اتخاذ إجراء جماعي أمر يقع على عاتق المجتمع الدولي، وبعد ستة سنوات من مجزرة كوسوفو، أقرّت الأمم المتحدة الآن عزمها على رعاية الأبرياء في سوريا.
وحسب آراء البعض، فإنه من الخطأ التدخل في صراع آخر في الشرق الأوسط، مشيرين إلى الاحتلال الذي قادته الولايات المتحدة على العراق عام 2003، ولكن غزو العراق كان حربًا اختيارية، في حين أن حرب سوريا ليست كذلك، وبالتالي فإنقاذ المدنيين من الذبح من قبل نظام الأسد يُعتبَر مسؤولية أخلاقية.
وفي هذا السياق، ذُكرت مسؤولية الحماية في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وذلك عبر الدعوة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف إراقة الدماء في سوريا وهو ما دعت إليه قطر أعضاء مجلس الأمن وطالبت بوضع حساباتهم الجيوسياسية جانبًا وإلى تعهدها الالتزام بحماية أرواح المدنيين في سوريا.
بالإضافة إلى حث مجلس الأمن على ذلك أيضًا من خلال تأمين ملاذات آمنة في شمال حلب وجنوب سوريا فضلاً عن فرض منطقة حظر جوي، وفي حال عجز مجلس الأمن في الاتفاق بشأن هذه الإجراءات الأساسية، فسيتم دعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة للمطالبة بتنفيذ قرار “377” الذي يعود تاريخه إلى عام 1950 والمعروف باسم قرار “الاتحاد من أجل السلام” و”خطة أتشيسون”.
هذا القرار الذي ينص على تفعيل المقاومة الجماعية على العدوان.
إن تردد قادة العالم، بإمكانه أن يتسبب في موت الآلاف في حلب، وبذلك فإن المجتمع الدولي هو الوحيد الذي عليه أن يتحمل مسؤولية الفشل في رواندا والبوسنة.
المصدر: نيويورك تايمز