أصبحت ظاهرة انتشار الأفارقة في ربوع المغرب أمرًا مألوفًا لا يثير الفضول لدى المواطنين، ويرجع سبب ذلك إلى بدء السلطات في المغرب في تسوية أوضاع الأجانب الموجودين فيه؛ ما جعل القادمين من جنوب الصحراء يغيرون حلمهم بالاتجاه إلى القارة الأوروبية وتحمل مخاطر رحلة غير شرعية قد تؤدي إلى الموت.
فقرار المغرب بتسليم وثائق الإقامة للأفارقة غير وجهة نظرهم تجاه المغرب من نقطة عبور إلى الضفة الأوروبية، إلى بلد للإقامة والاستقرار.
ومنح المغرب، في إطار الاستراتيجية الجديدة لتدبير الهجرة التي أطلقها سنة 2014، الإقامة القانونية لـ 23 ألف مهاجر غير نظامي ينحدرون من 112 دولة، وذلك خلال ثلاث سنوات، فيما حصل 680 مهاجرًا على بطاقة اللجوء السياسي، حسبما ذكرت صحيفة “العرب” في تقرير لها بهذا الشأن.
وحسب إحصائيات لوزارة الداخلية، فقد تمت تسوية الأوضاع الإدارية لـ83% من طلبات التسوية المقدمة من طرف المهاجرين غير النظاميين إلى السلطات المغربية.
بوابة العبور
مثلما شاهد العالم مئات الآلاف من السوريين وهم يعبرون إلى أوروبا من جهة الشرق، فإن شمال الصحراء مليء بأعداد مماثلة من الأفارقة الذين يصممون على خلق منافذ خاصة بهم.
إنهم مهاجرون من أكثر من عشر دول إفريقية وصلوا إلى المغرب والجزائر وليبيا بأعداد لم يسبق لها مثيل، ينامون في الشقق والمستودعات المهجورة وفي شوارع المدينة، والآلاف منهم يعيشون في مخيمات سريعة التوسع في الغابات، ويقتاتون على القمامة والمياه المسروقة.
منهم من انقطعت به السبل هنا منذ سنوات، بعد أن تعرضوا للسرقة والتعذيب من طرف المهربين، منبوذون من قبل الجيران، وأجسادهم مجروحة بسبب الأسلاك الشائكة للسياج الحدودي عندما حاولوا تسلقه.
ووفقًا لروبرتاج نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية الثلاثاء 3 أكتوبر 2015 في المغرب، أصبح التسلل إلى الثغرين الإسبانيين أكثر صعوبة من أي وقت مضى بسبب السياجات الجديدة التي شيدت بتمويل من الاتحاد الأوروبي يقدر بمليارات اليوروهات.
كما أن الوسائل التكنولوجية المتطورة، والكاميرات الباحثة عن المصادر الحرارية، والدوريات البحرية، صعبت عمليات الإبحار عبر مضيق جبل طارق الذي يفصل إفريقيا عن أوروبا.
ومع ذلك، لا يزال الشباب يتوافدون كل سنة، لينضافوا إلى عشرات الآلاف من المهاجرين من غرب إفريقيا الذين سبقوهم إلى هنا، وكلهم يتعاطون للتسول والعمل المياوم بهدف شراء زوارق.
وكما هو الشأن بالنسبة للمهاجرين الأفارقة الـ 100 ألف في المغرب، وما يزيد عن نصف مليون في ليبيا، حسب بيانات المنظمة الدولية للهجرة، فإن الأغلبية الساحقة من المهاجرين من الشباب، وهم عازمون على التسلل إلى الشمال، إنهم يمثلون أيضًا شهادة حية على قصور الاستراتيجية الأوروبية ضد الهجرة.
صناع القرار السياسي في الاتحاد الأوروبي يسعون على نحو متزايد إلى تمويل الدول المجاورة مثل تركيا وتونس مقابل بناء الأسوار وتولي المراقبة اللازمة لخنق جبهة جديدة للهجرة، في سبتمبر، رصد الاتحاد مليار دولار لإطعام وإيواء اللاجئين خارج أوروبا، وإقامة سياجات جديدة على الحدود، كما أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل رصدت غلافًا ماليًا قدره 3 مليار يورو من المساعدات لبرنامج مماثل في تركيا.
حقل تجارب
ورأى تقرير الصحيفة أن المغرب حقل تجارب للحد من الهجرة، حيث تم بناء سياج شائك يمتد لأميال، وعلى ارتفاع 20 قدمًا، حول الثغرين الإسبانيين، وحتى الآن فقد انخفض عدد المهاجرين الذين عبروا إلى أراضي الاتحاد الأوروبي إلى 100، في عام 2015، مقابل 2100 في العام الماضي.
لكنهم لم يقنعوا العديد من الأفارقة في العودة إلى بلدانهم، بل إنهم صاروا يتوافدون أكثر من أي وقت مضى بهدف تجريب حظهم، وبقدرما يزداد عدد القادمين، بقدرما يزداد عدد الذين يتمكنون من العبور.
وحسب وكالة مراقبة الحدود الخارجية في الاتحاد الأوروبي “فرونتكس“، فإن عدد المهاجرين الذين عبروا إلى إسبانيا على متن القوارب المنفوخة ارتفع بنسبة 30% إلى 2800 خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذه السنة، مقارنة مع الفترة نفسها من السنة الماضية، والآخرون بقوا عالقين، إلى غاية اللحظة، وينتابهم شعور بأن نافذة الفرص قد تغلق أمامهم بالنظر إلى موجة نزوح اللاجئين السوريين التي قد تستنفد طاقة أوروبا في استيعاب المهاجرين.
العديد من هؤلاء المهاجرين يعترضون بشدة على التعريفات السطحية المعتمدة في التفريق بين اللاجئين والمهاجرين لأسباب اقتصادية، ذلك أن الهجمات الإرهابية التي شهدتها الصحراء على مدى سنوات جعلت من المستحيل أن تميز بين القرويين الذي يفرون من المتمردين الإسلاميين والذين يفرون من الفقر.
إن تواجدهم على التراب المغربي يضع المغرب في موقف محير لم يألفه، ذلك أنه ليس بلدًا للمهاجرين ولا للنازحين، وإنما هو موطن انتقالي على مشارف أوروبا.
وفي هذا الصدد قال مدير أبحاث الهجرة في مركز الأبحاث “التاي كونسلتنغ” إريزو مالاكووتي، في حديثة إلى “ووول ستريت جورنال“: “لقد أصبح المغرب عن غير قصد بلد وجهة، وليس بلد عبور، والسؤال الذي يطرح نفسه هل هذا الوضع دائم أم مؤقت، وإذا كان مؤقتًا أين سيذهب المهاجرون؟
سلاح ذو حدين
تواجد الأفارقة في المغرب أصبح سلاحًا ذا حدين، فقد تعددت عمليات توقيف الكثير من الأفارقة الوافدين على المغرب من جنوبي الصحراء، عمليات كانت تباشرها المصالح المختصة تطبيقًا لقانون “الإقامة غير الشرعية” لتفادي نزوح ملايين الهاربين والفارين من جوع الصحراء الإفريقية القاتل أو من الحروب التي تعرفها بعض الدول الإفريقية على وجدة الخصوص.
وفي كلتا الحالتين ومن جانب إنساني ظلت عملية توقيف هؤلاء الأفارقة، مفروضة على المغرب بحكم الجغرافيا، لاعتباره البلد المطلع على أوروبا مباشرة والذي لا يفصل بينه وبين أول نقطة أوروبية بإسبانيا سوى كيلومترات قليلة.
لكن أمام انسداد كل نقاط العبور نحو الشمال، وانكماش “مافيا تهريب” البشر نحو أوروبا، وتعدد نقاط المراقبة على السواحل من ليبيا إلى المغرب، والضغط على بلدان نقاط العبور وتحويلهم إلى “دركي” من أجل “محاصرة” الأفارقة الراغبين في العبور نحو أوروبا.
فقد تحولت غابات كل من وجدة والناظور إلى معاقل الأفارقة السود، في شكل مجموعات، تضم جنسيات موحدة، ويسهر على تنظيمها “رؤساء” كل حسب مهامه، يترأسهم رئيس “المعقل”، حسبما ذكرت صحيفة “البلاد” المغربية في ملف خاص عن المهاجرين الأفارقة.
ومن بين ما أنتجته هذه “التجمعات” بروز عصابات منظمة بين هؤلاء الأفارقة، ومافيات تقوم بأعمال لا شرعية كبيع المخدرات بكل أنواعها وتسهيل عمليات ترويجها، أو احتراف النصب والاحتيال وتزوير العملة المغربية، وقطع الطرق أحيانًا في وجه المارة.
وعلى الجانب الآخر توجد العديد من المحلات التجارية للأفارقة تعرض سلعًا إفريقية، ومواد غذائية، من ضمنها السمك المجفف والخضراوات والفواكه والأعشاب والمراهم والدهون، ومنظف الشعر والعطر، وفي السوق النموذجي للمدينة القديمة في الرباط.
كما تميزت المهاجرات الإفريقيات أكثر من الرجال في ميدان التجميل، خاصة في المدن الكبرى حيث تقبل النساء على الصالونات بكثرة، فالمهاجرات الإفريقيات، احترفن وضع الماكياج وتسريحة “الراستا” الإفريقية، لكونها تسريحة الشعر الأكثر شهرة في بلدانهن.
فالنساء المغربيات يزداد ولعهن أكثر فأكثر بالحلاقة “الإفريقية”، وبصفة خاصة تسريحة “الضفيرة”.