يتزايد الكلام كل يوم عن احتمال انجرار العالم في أتون حرب عالمية ثالثة بين التحليلات والتصريحات في القنوات الرسمية وغير الرسمية وحول العالم، ولكن ليس كل العالم، فمنهم من ينفي هذا جملة وتفصيلاً ومنهم من دق طبول الحرب.
روسيا تدق طبول الحرب
يروج الإعلام الروسي إيحاءات أن الحرب العالمية الثالثة على الأبواب وأن التجهيزات لها في روسيا على قدم وساق، خصوصًا بعد تزايد الحديث عن خطوات لإسقاط طائرات أمريكية كما جاء في المحطة الروسية الأولى التابعة للحكومة أن بطاريات المضادات الجوية الروسية في سورية ستسقط الطائرات الأمريكية، وتجهيز ملاجئ تحسبًا لقصف نووي في موسكو كما ذكرت محطة الأخبار روسيا 24 بعد بث تقرير حول تحضير ملاجئ للحماية من ضربات نووية في موسكو، وإمكانية قيام حاكم مدينة سان بطرسبورغ بتقنين توزيع الخبز استعدادًا لحرب مقبلة باستثناء التدريبات على الحالات الطارئة لإطفاء الحريق وإخلاء المباني.
أما في قنوات الدولة الرسمية، فقد أشارت وزارة الدفاع الروسية بتوجيه تحذيراتها للبيت الأبيض والبنتاغون ووزارة الخارجية الأمريكية من مغبة استهداف القواعد الروسية في سورية، حيث ذكر الناطق العسكري باسم الجيش الروسي الجنرال إيغور كوناشينكوف “أذكر المخططين الاستراتيجيين الأمريكيين بأن صواريخ إس 300 المضادة للطيران وإس 400 التي تؤمن غطاءً جويًا لقاعدتي حميحيم وطرطوس، لديها نطاق تحرك يمكن أن يباغت أي طائرة غير معروفة هويتها”.
كما ألغى الرئيس الروسي فلادمير بوتين زيارته إلى فرنسا المقررة في 19 أكتوبر الجاري وسط خلاف شديد حول دور موسكو في النزاع السوري وتصريحات الرئيس الفرنسي هولاند أن القوات السورية ارتكبت جريمة حرب في حلب بدعم من الضربات الجوية الروسية.
بالإضافة إلى تحريك مدمرتين إلى السواحل السورية ونقل منظومة صواريخ إس 300 إلى الأراضي السورية ونقل صواريخ ذات قدرات نووية بالقرب من الحدود البولندية.
الجدير بالذكر أن هذه الأخبار بدأت تنتشر في الأوساط الروسية بعد قطع المحادثات والتنسيق مع أمريكا حول الأزمة السورية جراء فشل وقف إطلاق النار واتهام الولايات المتحدة لروسيا بشن هجمات قرصنة إلكترونية، ما زاد من حدة التوتر بين البلدين.
مقابلة للرئيس الروسي مع إحدى القنوات المحلية
وبحسب صحيفة “ديلي ستار” البريطانية فإن روسيا تعمل على حزمة إجراءات لإعداد النخب الكبيرة من بينها مطالبة المسؤولين والسياسين الروس إعادة ذويهم الذين يعيشون في دول أجنبية، وتدريبات للدفاع المدنية للمواطنين الروس في إعداد واضح لحرب نووية، وتحدث وزراء في الحكومة عن مخابئ قادرة على احتواء جميع سكان موسكو الـ 12 مليون.
الولايات المتحدة تدرس خياراتها
يبحث الرئيس الأمريكي باراك أوباما اليوم الجمعة مع مساعديه ومستشاريه في مجلس الأمن القومي، الخيارات العسكرية المتاحة في سورية من بينها شن عمليات عسكرية مباشرة ضد الجيش السوري يتضمن شن قواعد عسكرية أو مخازن للذخيرة أو مواقع للرادار أو قواعد مضادة للطائرات، سوى أن مخاطر هذا التحرك تتمحور في أن القوات الروسية والسورية متداخلة فيما بينها، لذا فإن استهداف أي من الأهدف الآنفة الذكر قد يؤدي لمواجهة مباشرة مع روسيا يحرص أوباما على تجنبها حتى الآن على الأقل.
بينما أشار مسؤولون أمريكيون أنه من غير المرجح أن يأمر أوباما بضربات جوية على أهداف للنظام السوري، في حين تظهر أحد البدائل في السماح لحلفاء أمريكا بتزويد معارضين مسلحين اختارتهم الولايات المتحدة بعد تمحيص بمزيد من الأسلحة المتطورة دون أن تشمل صواريخ مضادة للطائرات تطلق من على الكتف لخشية واشنطن من استخدامها ضد طائرات غربية، إلا أن الإفراج عن تلك الأسلحة للثوار لم يحصل على الضوء الأخضر الأمريكي حتى الآن على الرغم من التسريبات التي نفاها الجيش السوري الحر.
أما من الناحية السياسية فقد أريد لعجلة المفاوضات أن تدور مجددًا بعد انقطاع لأكثر من أسبوع بين واشنطن وموسكو، حيث دعا جون كيري لعقد اجتماع متعدد الأطراف في مدينة لوزان السويسرية، يرى مراقبون أن هذه الخطوة لا تعدو عن كونها استئنافًا للحوار الثنائي بين البلدين ومحاولة الخروج بحل للأزمة بالطرق السياسية، بحضور عدد من الدول المؤثرة في الأزمة السورية.
لقاء مرتقب بين وزيري الخارجية الأمريكي والروسي في لوزان السويسرية
علمًا أن كيري لا يملك أوراق ضغط جديدة أو مسعى يعمل على تحقيقه في الاجتماع أكثر من وقف إطلاق النار والتوصل إلى صياغة إطار أفضل بحسب ما أشار الناطق باسم الخارجية الأمريكية.
تنازل أمريكي محتمل
لا يزال الطيران الروسي يمطر حلب بالقنابل العنقودية والارتجاجية، حيث وصلت حصيلة الضحايا في الـ 48 ساعة الماضية إلى 65 شخصًا، بعدما شنت الطائرات الروسية أكثر من 20 غارة على أحياء مساكن هنانو والحيدرية والجندول شرقي مدينة حلب، فضلًا عن حي السكري وأحياء أخرى.
وعلى ضوء تشبث روسيا بالوضع الميداني الحالي، يشير محللون أنه من غير المستبعد طرح مشروع انسحاب للمقاتلين على غرار ما جرى في حمص وغيرها من المناطق السورية التي تم تفريغها من السكان، يعقبها دخول القوات السورية ليتحقق مراد النظام السوري ومن ورائها موسكو من جهة، ومن جهة أخرى تكون واشنطن نجحت بزعمها في إنقاذ ربع مليون محاصر في القسم الشرقي من حلب من الحصار والقتل الممنهج من قبل الطائرات الروسية والنظام السوري.
وفي حال كانت نتيجة الاجتماع هكذا! يرى مراقبون أن الاجتماع سيكون تم توظيفه كغطاء للخروج من المأزق الذي وقعت فيه كل من موسكو وواشنطن، وتقدم بهذا واشنطن تنازلًا آخر لموسكو وتحفظ ماء وجهها بإنهاء حصار المدينة وعدم التورط في المستنقع السوري فضلًا عن إحالة الملف السوري للرئيس القادم.
الملف السوري في نظر الرئيس الأمريكي القادم
أشار أحد التحليلات أن الهدف الأكبر للرئيس القادم سيكون في تحسين قدرات الردع الأمريكية للتصدي بفاعلية للمخاطر والأزمات التي تهدد أمن ومصالح الولايات المتحدة وحلفائها في العالم، من قبل روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
حيث سيفضل الأمريكيون تجنب اندلاع حرب عالمية مع روسيا أو مع الصين، في حين ستعمد الإدارة الأمريكية بالاكتفاء بالتدابير الرادعة، التي تكون هدفها احترازيًا أكثر منه هجوميًا وهو ما يضمن استمرار التفوق العسكري للولايات المتحدة وبقائها كـ “قوة راجحة” في العالم.
وفي مقال في مجلة “فورين أفيرز” لكل من مايكل أوهانلون وهو مدير برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكينغز وديفيد بتريوس الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “سي آي إيه” يدعون فيه للتركيز على إعداد الجيش الأمريكي لمهمات متعددة واستمرار إعادة التوازن البحري في المحيط الهادي للإحاطة بالصين وروسيا والحفاظ على موارد كافية لدعم قوة رادعة في تلك المنطقة”، ويضيف الكاتبان أنه إذا “واصلت الصين الاستيلاء على الجزر في بحر الصين الجنوبي وعسكرتها، فمن المنطقي أن لن يكون رد واشنطن الاستخدام المباشر للقوة بل تطوير التعاون الأمني مع الدول المجاورة ربما مع إنشاء القليل من القواعد العسكرية”.
وبالمحصلة فإن التحليلات والمعطيات الواردة أعلاه تفيد أن ترويج روسيا لاندلاع حرب عالمية لا يعدو أن يكون تخويف للدول الإقليمية وأن روسيا جاهزة ومستعدة للحرب في أي وقت، في حين أنها تدرك أن الولايات المتحدة لن تقدم على عمل عسكري مباشر في سورية وهذا ما أكده سيرغي لافروف في أحد تصريحاته.
وأن الولايات المتحدة لن تدخل في حرب شاملة مع روسيا أو حتى مع أي قوة مناهضة لها في العالم، إلا في حال التهديد المباشر لنفوذها في الشرق الأوسط وفي أي مكان في العالم، أما في حالة بقاء “منظومة نفوذها” في المنطقة تعمل وتوفر لها درجات مقبولة من الأمن والعائدات، فهي لن تتدخل في صراعات في دول المنطقة تدخلها في مستنقع قد يكون من الصعب الخروج منه فيما بعد.