مرت تونس خلال الثلاث سنوات الماضية بلحظات كانت أعصب وأكثر خطورة من اللحظات التي تعيشها في أيامنا هذه، غير أنها لم تكن قيّمة كقيمة هذه الأيام التي تضع على شفى المحك جهد ثورة وجهد ثورة مضادة، وتعد بنصر للثورة والديمقراطية في حال إتمام خارطة الطريق التي ارتضاها كل الفرقاء السياسيين، وتتوعد بويلات الفوضى في حال فشل هذا المسار.
وبعد أن شهد الجميع بأن حركة النهضة حققت نصرا بإنجاحها للحوار الوطني الذي أثبتت من خلاله سعيها للتوافق الوطني، وبعد أن شرع المجلس الوطني التأسيسي في المصادقة النهائية على بنود الدستور الجديد، وبينما كانت المعارضة متربصة باحثة عن زلة لحركة النهضة تعوض من خلالها خسارتها المعنوية في جولة اختيار رئيس الحكومة المقبل، خرج النائب عن حزب حركة النهضة، الحبيب اللوز، في تصريح اتهم من خلاله نائبا في المعارضة بالعداء للإسلام وبمحاولة حذف كلمة الإسلام من الدستور، قائلا: “على الشعب أن يتخذ قراره من أمثال هؤلاء”.
النائب المعارض، المنجي الرحوي، أحسن استثمار كلمة نائب حركة النهضة، عبر تكذيبه لاتهامات الحبيب اللوز، وتأكيده بأنه لا يعارض النص الوارد في الدستور والذي يقول بأن “الإسلام هو دين الدولة”، وبأنه “مسلم من عائلة مسلمة من أب مسلم وأم مسلمة وجد مسلم”، مضيفا أنه تلقى تهديدات بالقتل جراء ما ادعاه الحبيب اللوز من عدائه للإسلام، وبأنه وعائلته باتوا في خطر وبأنه يحمل مسؤولية أي مكروه يصيبه لحركة النهضة.
وربما كانت كلمة الحبيب اللوز ستعتبر عادية لو أنها أتت في بيئة ديمقراطية وأمنية سليمة، ولكنها تأتي بعد عمليتي اغتيال راح ضحيتها نائب برلماني وسياسي بارز، ووسط مخاوف وتحذيرات رسمية أكدت وجود مخططات لعملية اغتيال ثالثة خلال هذه الأيام بنية إفساد العملية السياسية وإجهاض التوافق الوطني، وهو ما دفع أحد المعلقين إلى القول: “المنجي الرحوي في الدقيقة 91 ، يتوغل في مناطق حركة النهضة ويحصل على ركلة جزاء بعد عرقلة من الحبيب اللوز”.
وهو ما حصل عمليا إذ وجدت حركة النهضة نفسها في موقف حرج، وكانت مجبرة على “دفع فاتورة” خطأ نائبها الذي لم يتقدم إلى الآن باعتذار صريح واكتفى بتقديم تبرير في شكل اعتذار أو اعتذار في شكل تبرير، وهو ما أحسنت المعارضة استغلاله عبر إعلانها بأنها لن تمر إلى تعيين اللجنة المستقلة للانتخابات قبل أن تتم المصادقة بالموافقة على إدراج فصل “يجرم التكفير”.
وهو ما حصل بالفعل، وهو ما يعتبر إذلالا لحركة النهضة التي تعتبر مسألة تعيين لجنة الانتخابات مسألة مصيرية بالنسبة لها، والتي وجدت نفسها مجبرة على المصادقة بالموافقة على نص سبق أن صوتت عليه بالرفض، وهو ما يعتبر في النهاية جولة كسبتها المعارضة بعد جولة اختيار رئيس الوزراء المقبل التي كسبتها النهضة.