إخوان الأردن والمغرب.. والحراك من أول السطر!

الأسبوع الأخير من سبتمبر/أيلول الماضي حمل إلينا ضوءً في ثنايا نفق يبدو للعيون بالغ الإظلام، إذ إن “جبهة العمل الإسلامي”؛ أو الإخوان المسلمين في الأردن عادوا إلى الانتخابات البرلمانية بعد فترة انقطاع لثماني سنوات، وقد استطاعت الجبهة تحقيق فوز عزيز في خضم الأجواء التي تحيط بواقع الإخوان في بلدهم والوطن العربي، إذ نالوا عدداً من المقاعد تم تقديره بنحو 16 من 320 مقعداً؛ وذلك على إثر ملاحقات من السلطات هناك قبل الانتخابات بخمسة أشهر خوفاً من انتشار الإخوان في المنطقة من جديد؛ فاعتقلت السلطات شخصيات قيادية في الحزب وأغلقت المقار.
لكن الأمور في الأردن انتهت إلى فوز نيابي وتاهل للدخول إلى البرلمان بكتلة كبرى؛ ولا يقلل من حجم الفوز والفرحة به أن “جبهة العمل الإسلامي” (الإخوان) سوف تنضم في النهاية إلى “التحالف الوطني من أجل الإصلاح”، وهو الذي يضم في ثناياه مسيحيين وعلمانيين؛ كما لا يُقلل من حجم وفرحة الفوز أن السلطات التنفيذية في الأردن ستظل في يد الملك “عبد الله الثاني” فهو الذي يملك تعيين الوزراء ورئيس الحكومة بل حل البرلمان نفسه.
الأمر بمضمونه وروحه تكرر مرة أخرى منذ أيام قليلة في الانتخابات البرلمانية التي تمت في دولة أخرى؛ وهي هذه المرة قرب أقصى الغرب من الوطن العربي؛ إذ إنه في 7 من أكتوبر/تشرين الأول الجاري استطاع “حزب العدالة والتنمية” في المغرب بقيادة “عبد الإله بنكيران” الاكتساح في تلك الانتخابات؛ وهذا التكرار خلال أسبوعين فحسب للنجاح البرلماني لإخوان بلدين عربيين ينتميان إلى النظام الملكي؛ المعروف بتشدده تجاه الإصلاح والمعارضين؛ والرغبة في بقاء المُلك واستمراره في الأبناء مهما كانت التبعات يقول بأن حراكاً من نوع جديد يتشكل على أرض الواقع حيال تجربتيّ الإخوان في مصر وتونس على وجه الخصوص؛ وهما التجربتان اللتان آلمتا كل حر على امتداد العالم كله لا الوطن العربي أو ما نحلم بأن يكون وطناً إسلامياً مستقبلاً؛ بخاصة التجربة الأولى.
قبيل الانتخابات البرلمانية المغربية صرح “بنكيران” بأن حزبه إن لم يحقق الأغلبية فيها فلسوف يعتزل الحياة السياسية ولما سُئِلَ عن السبب قبيل الانتخابات قال: “كل المؤشرات تدل على الحزب سيتصدر المشهد السياسي، وإذا لم يقع هذا كما في الديمقراطيات كلها، فإن الشخص الذي كانت عنده رؤية ولم يستطع تحقيقها، يستقيل، ولماذا لا استقيل”، بحسب وكالة الأناضول في 11 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
هذا رئيس حكومة ينتمي إلى الإخوان يقرأ الواقع، بداية، كما هو على الأرض، لا كما في الخيال؛ ومن ضمن قرائته له حساب أبعاده عملياً، لا كما يتمنى؛ أو يدعو الله دون أن يوافق دعاؤه عمل مناسب، أو أن يدعو، مع كامل التقدير للدعاء والداعين شريطة ألا يظنون مجرد دعائهم شرطاً للاستجابة من قبل رب العزة.
صار “بنكيران” أميناً للحزب في 2008؛ ثم أُعيد انتخابه في 2012؛ ليقود الحكومة بالمملكة المغربية في 2011، وليفوز بثقة الناخبين لخمس سنوات جديدة؛ وليقول فور إعلان الفوز، الجمعة الماضية: “حزب العدالة والتنمية بعد ترأسه الحكومة لخمس سنوات، وبعدما قام بالإصلاحات والإنجازات التي قام بها، واهتم بميزانية الدولة وأوقف الإضرابات الشائكة والعشوائية، وبعد أن اهتم بالفئات الهشة.. فإن الشعب المغربي اليوم جازى الحزب بالتصويت له بكثافة”.
إنه نفس السير على خطى حزب “الحرية والعدالة” التركي؛ على اختلاف نهج البلدين بين رئاسي وملكي؛ وطبيعة الظروف والملابسات السياسية والموقع والتحديات وهلم جراً، إنها الحركة على أرض الواقع وتحقيق الإنجازات تلك التي جعلت الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” لما ترشح لرئاسة الوزراء يُسأل عن برنامجه العملي فقال باختصار: “سأحول تركيا كلها إلى إسطنبول أخرى”، في إشارة إلى الإنجازات التي تحققت على أرض الواقع إبان عمله كعمدة للأخيرة، وهو المعنى الذي يتشابه إلى حد ما مع كلمات؛ بخاصة فيما وصل إليه “أردوغان” واستطاع “بنكيران” المحافظة عليه من نجاح.
يقول “بنكيران” إنه يعمل رئيساً للحكومة طوال أيام الأسبوع ومعارضاً يوم السبت والأحد إذ يتجول في البلاد مراعياً ما ينبغي تعديله؛ وهي نقول تحمل تماهياً واستناداً دقيقاً على حسن قراءة الواقع وقرباً من المواطن العادي الذي قال عنه أن حكومته استطاعت تغيير واقع المواطن المهمش.
إن الانتصار للإنسان المواطن واستطاعة تغيير مفردات حياته على أرض الواقع المعاش أول الاهداف العملية لأي مشروع إصلاحي اليوم على امتداد وطننا العربي، وهو الجناح الأول الحقيقي للرغبة في التغيير، لكن بعيداً عن الصف الأول من الحكم وعن منصب الرئيس أو الملك؛ تلك الخطوة التي أودت بمشروع إخوان مصر إلى إشعار آخر وإلى أن يقرر الله أمراً كان مفعولاً، وهي الخطوة نفسها التي انسحبت حركة “النهضة” في المقابل رافعة يدها عنها تماماً.
وذلك الانتصار للإنجاز على أرض الواقع لم يتوقف عند مد مجرد مد العون للمعوزين والفقراء فحسب؛ بل التماهي والتنسيق مع مؤسسات الدولة من أجل فعل هذا باقتدار ونجاح.
ثم إن الأمر لا يساوي استفزازاً لرأس السلطة والصف الأول فيها، بل اكتفاء بما وصلت الأمور إليه يقول “بنكيران” “في بعض الأحيان يضطر الإنسان إلى أن يتنازل، لكن أنا لم أتنازل عن أي من صلاحيتي الدستورية، لكنني تعاملت مع جلالة الملك بمنطق التعاون”.
ثم إن الجملة التي دائماً ما يرددها بنكيران لكن بسياقات تناسب الظروف والملابسات: “على كل حال كنت واضحًا معكم يا معشر المغاربة وقلت لكم إذا كنتم تريدون شخصًا يخاصم ملككم فأنا لا أصلح لكم، ونفس الشيئ أكرره لكم اليوم”.
إن درسيّ الأردن ومن بعد المغرب يعلمان الذين يريدون أن يتعلموا أن الأمور لا تأخذ في مجال السياسة بالتعجل؛ ولا حتى برأي الجماهير في صناديق الانتخابات، ما لم توجد قدرة على حماية الرأي من الأساس؛ وأنه ما كان من دافع لتكرار تجربة الجزائر في بداية التسعينيات في مصر؛ وأن المستقبل يحتاج إلى إعادة تفكير ومن ثم البناء من جديد مع الاستفادة من تجربتيّ، مصر وتونس مع الفارق الشديد بينهما؛ ووضع تجارب تركيا ومن قبل الجزائر ومن بعد المغرب، وفي المنتصف الأردن .. كل هذه التجارب ومن قبل تجربة غزة تحتاج إلى مراجعة شديدة، فرغم التباين الشديد بين ثمارها جميعاً إلا أنها تقول بأن هناك أوجه قصور في تجربة الإخوان بخاصة في بلدها الأم مصر ينبغي الاستدارك القوي عليها من قبل المخلصين!