منذ 63 سنة من الآن خرج آخر جندي فرنسي من التراب التونسي غير مأسوف عليه بعد معركة طويلة دامت سنوات، خاضها التونسيون من أجل افتكاك أرضهم من المستعمر الذي أذاقهم الويلات، غير أن العديدين يتساءلون اليوم: هل حققت تونس بالفعل استقلالها الكامل عن فرنسا؟
15 أكتوبر 1963 غادر الأميرال الفرنسي فيفياي ميناد مدينة بنزرت (شمال)، معلنًا عن نهاية مرحلة الاستعمار الفرنسي لتونس والتي بدأت يوم 12 مايو 1881، إلا أن فرنسا لم تخرج من تونس بعد، رغم خروج جنودها من أرض “الخضراء”.
تمثل فرنسا الشريك الاقتصادي الأول لتونس حيث تستحوذ على 80% من مبادلات البلاد مع بلدان الاتحاد الأوروبي
تونس لا تعدو كونها مقاطعة اقتصادية فرنسية، فأغلب المشاريع الاقتصادية، حسب الخبراء، التي أنجزت في تونس منذ الاستقلال إلى الآن ذهبت أموالها إلى شركات فرنسية.
وتمثل فرنسا الشريك الاقتصادي الأول لتونس حيث تستحوذ على 80% من مبادلات البلاد مع بلدان الاتحاد الأوروبي، كما تعمل في تونس 1300 مؤسسة استثمارية توظف أكثر من 12500 شخص.
وتنتشر في تونس الشركات التجارية الفرنسية من سيارات وملابس وأطعمة وأدوية وكل ما يتعلق بحياة الإنسان، فكل شيء قادم من فرنسا أو أنها مساهمة في صنعه والإشراف عليه ونهب مداخيله، من ذلك أن شركة فرنسية تستغل استخراج الملح في تونس منذ عام 1949 إلى الآن، وذلك بمقتضى ما كان يسمى بـ” الأمر العلي.، وتنص المادة 11 من اتفاقية عام 1949 على: “سداد حقوق استغلال الأملاك العامة بقيمة 1 فرنك للهكتار الواحد سنويًا لجميع المناطق التي تشملها رسوم الامتياز للمجال العام.”
ذهب الجنود الفرنسيون إلا أننا صرنا لا نرى العالم إلا بعيون فرنسية، لا نفكر إلا بالفرنسية ولا نحترم بعضنا إلا إذا كان أغلب حديثنا باللغة الفرنسية
وما يؤكد عدم استقلال تونس إلى الآن عدم نشر حوالي 90 صفحة من ملاحق اتفاقية الاستقلال الداخلي لتونس الموقعة في 3 يونيو 1955 وقليل من اطلع على فحواها، ويؤكّد خبراء أن اتفاقية الاستقلال الداخلي لم تشمل الاستقلال الاقتصادي والزراعي والعسكري بل نصت فقط على إقرار صلاحيات محدودة للحكومة التونسية وجعل تونس بلد تابع وسوق استهلاكية عاجز عن النهوض تنمويًا واقتصاديًا.
ذهب الجنود الفرنسيون إلا أننا صرنا لا نرى العالم إلا بعيون فرنسية، لا نفكر إلا بالفرنسية ولا نحترم بعضنا إلا إذا كان أغلب حديثنا باللغة الفرنسية، سياساتنا الداخلية تسطر في وزارتي الخارجية والداخلية الفرنسية، مغازاتنا وفضاتنا التجارية الكبرى كلها فرنسية، تعليمنا كله باللغة الفرنسية، المسرح والسينما والفن التشكيلي والتجريدي والسريالي في تونس كلهم بأفكار فرنسية.
نعم خرج الجنود ولكن بقينا تحت منطقة نفوذهم، سياستنا الداخلية والخارجية خاضعة لسياستهم، اقتصادنا خاضع لهم، فعن أي استقلال وجلاء عسكري نتحدث؟