أقر مجلس الوزراء التونسي أمس الجمعة 14 أكتوبر/تشرين الأول مشروع الموازنة العامة في البلاد للعام المالي المقبل 2017 حيث بلغ حجم الموازنة نحو 14.8 مليار دولار مع توقعات باقتراض 2.78 مليار دولار من الخارج، وبانتظار عرض المشروع على مجلس النواب التونسي لمناقشته ومصادقته ليدخل بعد ذلك حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني المقبل.
ويتوقع مشروع الموازنة نموًا في حدود 2.3% بينما ذكر يوسف الشاهد رئيس الحكومة أن النمو سيبلغ نسبة 3% في العام 2017 مع استعداد حكومته لفرض ضرائب استثنائية كما أقر المشروع تجميد الزيادة في الأجور في العام المقبل على أن يتم التراجع عن هذا القرار إذا بلغت نسبة النمو ما لا يقل عن 2.5%.
أما نسبة العجز في الموازنة فمن المتوقع أن تبلغ نحو 5.5% مقابل 3.9% حاليًا وهو ما يفسر لجوء الحكومة لفرض المزيد من الضرائب والاقتراض من الخارج لتغطية العجز.
تونس تقر موازنة مالية بنحو 14.8 مليار دولار للعام المقبل 2017
سيناقش مجلس النواب التونسي مشروع الموازنة العامة لتصديقها
إصلاح النظام الضريبي
تعلن أي حكومة جديدة بعد استلامها السلطة عن خططها لإصلاح النظام الضريبي بهدف إرساء العدالة الاجتماعية بين طبقات المجتمع المختلفة، إلا أن تلك الإصلاحات قد لا تعجب الجميع فكل طرف يقرأها بالأثر الذي ستعود عليه سلبًا أو إيجابًا.
ففي دولة لا تملك ثروات طبيعية كالنفط والغاز ولا مدخرات تمكنها من الصرف على الميزانية العامة فإنها تلجأ لفرض ضرائب مختلفة لرفد الميزانية العامة بالأموال، كضريبة الدخل والمبيعات والاستهلاك والنظافة والقيمة المضافة وأنواع أخرى كثيرة من الضرائب.
على أن الدولة التي تسعى إلى تحقيق العدالة تأخذ من مواطنيها بشكل متوازن بمعنى أنها تراعي التفاوت بين الطبقات فالتعامل مع الفقير يختلف عنه مع الغني أو مع الطبقة المتوسطة والتعامل مع المستثمر الأجنبي يختلف عن المستثمر المحلي وهكذا، ثم إن الدولة تأخذ الضريبة لتعيدها للشعب على شكل خدمات ومشاريع ووظائف بغية خلق الثروة والعمل.
ارتفعت مساهمة الموظفين في تونس بالضرائب المباشرة بنحو 20% في السنوات الأربع الماضية لتزيد من 49% إلى 64%
أما إذا أخذت الدولة الضرائب ولم تعود على المواطنين بالفائدة المرجوة من قبيل إقامة المشاريع وخلق الوظائف بهدف تقليص معدلات البطالة والفقر ورفع معدلات النمو وتحسين التشغيل العام، فإن الفساد وعدم الترشيد والفوضى في السياسات المالية للحكومة هي العناوين العريضة في هذا المشهد، وهو ما كان يحصل في تونس أيام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، وما تسعى الحكومات الحالية المتعاقبة بعد الثورة التخلص منه وتعمل على إصلاحه.
تونس “جنة ضريبية” للأثرياء
يشتكي مواطنون من فصول في قانون الموازنة العامة للسنة المالية المقبلة 2017 التي أقرتها الحكومة في مشروع القانون حيث أعلنت الحكومة عن رغبتها في إصلاح النظام الضريبي في البلاد لإرساء العدالة الجبائية، سوى أن تلك الإصلاحات ترى جهات معنية بالضريبة كاتحادات العمال والنقابات أن تلك الإصلاحات لن ترسي العدالة الضريبية التي تنشدها الحكومة بقدر ما ستحمّل الموظفين أعباءًا ضريبية أخرى لتمويل الموازنة العامة.
وبالتالي استكمال السياسة التي دأب عليها بن علي سابقًا؛ بإثقال كاهل الفقراء بالرسوم والضرائب المختلفة أما الأثرياء فيحظون بالامتيازات الضريبية والتسهيلات المتنوعة، لذا يشير خبراء أن البقاء في هذه السياسة جدير بتحويل تونس لـ”جنة ضريبية” للأثرياء يودعون بها أموالهم للاستفادة من التخفيضات الضريبية، في حين لا تنعم طبقة العمل والفقراء بأي مزايا تفضيلية تحقق لهم العدالة الاجتماعية، وهذا ما اعتبره بعض التونسيين انحياز واضح للأثرياء وأن هذا لا يخدم الاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي في البلاد على المدى المنظور.
ويشير خبراء أن طبقة الموظفين والعمال في تونس تساهم بنسبة كبيرة من الوعاء الضريبي في الخزينة العامة عبر اقتطاع مساهمات شهرية تقدر بنحو 55 دولارًا شهريًا في المتوسط لكل عامل في حين لا تتجاوز مساهمة غير الموظفين من المهن الحرة على غرار الأطباء والمحامين 250 دولارًا سنويًا.
وبحسب البيانات التي أدلى بها رئيس مركز الخبراء الجبائيين في تونس ذكر أن الموظفون والعمال يساهمون بنسبة 16.1% في إيرادات الضرائب في شكل ضريبة على الدخل وبنحو 13.9% رسوم وخدمات المحليات فضلًا عن الضرائب على الاستهلاك والقيمة المضافة المفروضة على جميع أنواع السلع والمواد الاستهلاكية.
وحسب مراقبين فإن العدالة الضريبية التي تتكلم عنها الحكومة التونسية لا أساس لها من الصحة فمساهمة الموظفين في الضرائب المباشرة ارتفعت بنحو 20% في السنوات الأربع الماضية لتزيد من 49% إلى 64%. أما لضريبة على الأجور فتمثل نحو 83% من الضرائب المباشرة وهو ما يمثل نحو 1.1 مليار دولار من جملة 1.6 مليار دولار تجنيها الدولة من الضرائب.
رئيس تونس المخلوع زين العابدين بن علي
ومن المقرر بحسب تسريبات عن الموازنة فرض ضريبة استنائية على رؤوس الأموال تصل نسبتها 7.5%، وباستثناء الضريبة الاستثنائية تخطط الحكومة فرض ضرائب جديدة على المواطنين كزيادة رسوم ترخيص المرور على الطرق واستهلاك العديد من الخدمات الحيوية ومنها الكهرباء والغاز والماء والنظافة وإخضاع الأدوية لأداء الضريبة على نظام القيمة المضافة، كما شملت الضرائب الجديدة زيادة في رسوم مرور السيارات على الطرق ذات المحركات التي تعمل بالبنزين بجميع أصنافها بنسبة 25%.
علمًا أن هذه الإجراءات أثارت حفيظة التونسيين الذين يعتبرون أن حكومة الشاهد تسلك مسلك الحكومات السابقة في طريقة تحصيل الضرائب على حساب العمال والفقراء، وهذا سيرتب آثار اجتماعية سيئة على الوضع التونسي العام، فالنظام الضريبي التونسي يعاني من خلل هيكلي يحتم على الحكومة إعادة هيكلته بحيث لا ينحاز للأثرياء على حساب الفقراء وطبقة العمال والموظفون ويتصدى لحالة التهرب الضريبي في المهن الحرة وغيرها.