احتجاجات الطلاب في جنوب إفريقيا.. هل تقود لثورة جديدة ضد النظام؟
موجة جديدة من الاحتجاجات الطلابية تجتاح الشارع السياسي بجنوب إفريقيا تضع معها عددًا من السيناريوهات المتوقعة حال استمرارها على هذه الصورة، والتي انتقلت من مجرد شعارات ومطالب سلمية إلى اللجوء للعنف كخيار أخير، ردًا على عدم استجابة الحكومة للمطالب المرفوعة.
تصريح خرج على لسان المتحدث باسم الرئاسة بشأن احتمالية رفع الرسوم الدراسية للجامعات أثار غضب الطلاب بصورة غير مسبوقة، لا سيما وأن ما يزيد عن 75% من عدد الطلاب بالجامعات الجنوب إفريقية من الفقراء، ما يجعل من هذه الزيادات عبئًا إضافيًا على كاهل المواطن في ظل الأزمة الاقتصادية التي يحياها منذ سنوات عدة.
الاحتجاجات تشعل 26 جامعة
على مدار الأسبوعين الماضيين وفور الإعلان عن زيادة رسوم الجامعات بما قيمته 8% اشتعلت ما يقرب من 26 جامعة بالتظاهرات الاحتجاجية التي خرجت للتنديد بهذه الزيادة، لا سيما بعد تعهد الحكومة بتكفلها بأي زيادة تطرأ على مصروفات الجامعة، وهو ما اعتبره الطلاب أمرًا غير مقبول في ظل الأزمة التي يواجهها المجتمع الجنوب إفريقي مؤخرًا.
رفع الطلاب المشاركون في التظاهرات لافتات تطالب بمجانية التعليم للجميع، في ظل دولة لا تزال تعاني عدم المساواة والانقسامات العرقية، إضافة إلى عدد من الأسباب والمطالب الأخرى تتعلق بقيادات الجامعة وأولياء الأمور وقادة الكنيسة، محملين الحكومة مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع، حيث إن أوضاع جنوب إفريقيا الاقتصادية مؤخرًا تدنت للغاية بالنسبة لمكانتها، وكذلك نظام الفصل العنصري الذي لم ينتهِ إلا اسمًا فقط كان له دور كبير في تأجيج العنف.
ما يقرب من 26 جامعة تشتعل بالتظاهرات الاحتجاجية تنديدًا بزيادة الرسوم الدراسية بنسبة قدرها 8% وسط تخوف من اللجوء للعنف
ولم تكن الاحتجاجات الطلابية هي الوحيدة التي فرضت نفسها على الشارع السياسي الجنوب إفريقي، إذ سبقها عدد من الاحتجاجات البرلمانية مؤخرًا بشأن انتقاد سياسات جاكوب زوما وحكومته، فضلاً عن إضراب مئات العمال تضامنا مع الطلاب، وتنديدًا بما وصلت إليه الأوضاع المعيشية.
وبحسب موقع “فيس أوف أمريكا” فإن استمرار الاحتجاجات بهذه الطريقة سيقود إلى مزيد من العنف، معلقًا على ما حدث فيقول: إذا نظرنا إلى الاحتجاجات، فسنجد من المثير للاهتمام أنه لا يقودها الطلاب بالجامعات، بل هناك جهات أخرى تدخلت فيها، فأصبحت هناك مطالب أكثر راديكالية وتطرفًا، حيث لم تتخذ الاحتجاجات الوجه العنيف إلَّا بعد تدخل نشطاء العدالة الاجتماعية، الذين أسسوا الحركة الطلابية الجديدة، فكانت تلك المرحلة الأولى لبداية العنف، كما ساعد على تأجيج العنف تنظيم اتحاد نقابات عمال جنوب إفريقيا “كوساتو” مسيرة حاشدة تضامنًا مع الاحتجاجات الطلابية التي تشهدها الجامعات.
الأمر لم يتوقف عند الاحتجاج داخل الجامعات أو محيط حرمها فحسب، بل وجه رئيس اتحاد الجامعات الجنوب إفريقية نداءً عاجلاً لكل النقابات العمالية الحرة في كل دول العالم، من أجل الإعلان عن تضامنهم مع الطلاب في مسيرتهم الاحتجاجية من خلال المشاركة في اجتماع حاشد بمدينة ديربان بجنوب إفريقيا.
العمال يتضامنون مع احتجاجات الطلاب في جنوب إفريقيا
الرصاص في مواجهة الشعارات
كعادة النظم الأمنية الديكتاتورية القمعية فقد آثرت الحكومة الجنوب إفريقية اختيار القنابل المسيلة للدموع والرصاص الحي كلغة خطاب في مواجهة الاحتجاجات الطلابية، فضلاً عن حملة الاعتقالات الواسعة التي شنها الجهاز الأمني للعديد من الطلاب المشاركين في هذه الفعاليات التظاهرية، وهو ما ساهم في استفزاز الطلاب؛ ما دفعهم للخروج في مظاهرات أخرى دفاعًا عن زملائهم من المعتقلين، كما حدث في جامعة ويتس بجوهانسبرج، حيث تظاهر الطلاب احتجاجًا على اعتقال مجموعة من زملائهم شاركوا في اعتصام سلمي للاحتجاج على زيادة الرسوم الدراسية بنسبة 8%.
وفي أول رد فعل على هذه التظاهرات، أمطرت الشرطة المتظاهرين بوابل من القنابل الصوتية والرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع؛ ما أدى إلى سقوط عدد من المصابين، فضلاً عن اعتقال البعض الآخر، وهو ما ألقى بظلاله القاتمة على المشهد بصورة عامة.
المسؤولة في اتحاد طلبة جامعة هيتس فصيحة حسن، تقول في تصريحات صحفية لها: “كانت مسيرتنا سلمية، لكنا فوجئنا بالشرطة تفتح النار والقنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع، لقد كنا في مسيرة طلابية، حاصرونا في مساحة صغيرة”، وتابعت: ألقت المظاهرات بشأن مصاريف التعليم الجامعي – المحظور على الطلبة السود – الضوء على مدى الإحباط بشأن الاستمرار في عدم المساواة داخل أكبر دولة صناعية في إفريقيا بعد مرور أكثر من عقدين على انتهاء حقبة التمييز العنصري في البلاد.
وفي المقابل قالت شيرونا باتل المتحدثة باسم الجامعة: “بعد التحرش بموظفينا لم يكن أمامنا خيار سوى نشر (قوات) للشرطة حول الحرم الجامعي”، وأضافت أن الجامعة التي كانت أغلقت خلال آخر موجة احتجاجات فتحت أبوابها مجددًا، لكن بعض من الطلبة طردوا بعض الأساتذة من مكاتبهم.
كانت مسيرتنا سلمية، لكنا فوجئنا بالشرطة تفتح النار والقنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع، لقد كنا في مسيرة طلابية، حاصرونا في مساحة صغيرة
وبحسب طلاب بالجامعة فإن الهدف من هذا الهجوم العنيف هو وأد الحركة في المهد، والحيلولة دون انتشارها إلى خارج أسوار الجامعة، خاصة أن جنوب إفريقيا تمتلك طبقة عاملة قوية ومنظمة، وهي بلد ذو تقاليد ثورية عظيمة جدًا، فمن السهل بمكان أن تفتح موجة الاحتجاجات الطلابية الباب لانطلاق حركة احتجاجية تنضم إليها باقي الفئات المقهورة والمضطهدة، لأن ما يناضل عليه الطلبة هي مطالب تنعكس على جميع الفئات المضطهدة، وبالتالي فهي مطالب حقيقية ويمكنها بسهولة أن تجد لها صدى بين صفوف عموم الجماهير الكادحة المكتوية بدورها من نار الغلاء.
الأمن يحاصر تظاهرات الطلاب في جنوب إفريقيا
إرهاصات ثورة قادمة
لم يكن الرئيس جاكوب زوما الرئيس الأمثل لإدارة شؤون البلاد من وجهة نظر الكثير من شعب جنوب إفريقيا، إذ اقترنت العديد من جرائم الفساد والرشوة بالرجل حتى قبل توليه زمام الأمور في 2009، ومنذ ذلك الوقت بدأ زوما يمارس ما يحلو له دون أي اعتبار لا لدستور أو قانون، وهو ما تجسد فيما قضت به أعلى محكمة في البلاد بأن زوما انتهك الدستور برفضه تسديد الملايين التي أنفقتها حكومته فقط لإعادة ترميم منزله الريفي.
البيض في مواجهة السود، الأغنياء في مواجهة الفقراء، حزب المؤتمر الوطني في مواجهة الأحزاب الفقيرة الأخرى.. هذا ملخص المشهد العام الآن في جنوب إفريقيا
ومن قبل ذلك، كانت هناك تقارير تفيد بأن إحدى العائلات القوية القريبة للرئيس زوما وهي عائلة “غوبتا”، وعدت بعض السياسيين القريبين إليها بمناصب وزارية؛ مما جعل الأمين العام لـ “حزب المؤتمر الوطني الإفريقي” الحاكم يحذّر من أن جنوب إفريقيا تتحول إلى “دولة مافيا”.
جاكوب زوما رئيس جنوب إفريقيا المثير للجدل
هذا فضلاً عن إحياء نظام العنصرية وعدم المساواة بين المواطنين، وهو ما أثار ضغينة ما يقرب من 75% من الشعب ممن تعرضوا لأبشع صور الظلم والانتهاكات في مقابل الترف والنعيم والنفوذ للحفنة المتبقية القريبة من القصر والحزب الحاكم.
البيض في مواجهة السود، الأغنياء في مواجهة الفقراء، حزب المؤتمر الوطني في مواجهة الأحزاب الفقيرة الأخرى.. هذا ملخص المشهد العام الآن في جنوب إفريقيا، لتأتي الاحتجاجات الطلابية بدورها لتلقي بظلالها القاتمة على المشهد لتعيد رسم خارطة الحراك الثوري بصورة أكثر عمقًا وأوسع نطاقًا.
وبعد دعوات رئيس اتحاد طلاب جامعات جنوب إفريقيا لمختلف النقابات العمالية حول العالم، فضلاً عن تضامن برلماني وعمالي مع هذه الحركات الاحتجاجية، إضافة إلى الإعلان عن العديد من ملفات الفساد السرية الخاصة بزوما وأسرته، فضلاً عن تورط أعضاء حكومته في قضايا مماثلة، هل آن الأوان أن نقول إن نجم الرئيس الجنوب إفريقي والذي استمر بزوغه قرابة 7 أعوام بدأ مرحلة الأفول؟ أم ستنجح لغة الرصاص والغاز المسيل للدموع في إسكات الحناجر المشتعلة والمقهورة من الظلم وعدم المساواة وغياب العدالة؟