ترجمة وتحرير نون بوست
مهما حصل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية يوم 8 تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2016 ومهما كانت النتيجة، فإن ظاهرة دونالد ترامب يجب أن تشغل فكر المحللين من زاويتين: ما السبب الذي أدى لنشأة هذه الظاهرة؟ وماذا يمكن أن يحدث إن وصل ترامب أو أي شخص شبيه له إلى السلطة في أمريكا؟. لقد أثبتت وسائل الإعلام الرئيسية عدم أهليتها في الإجابة عن هذين السؤالين، خاصة الأخير.
دعونا نلقي نظرة سريعة على الأسباب التي أدت إلى ولادة ظاهرة ترامب.
السبب المعتاد والمقترح حتى الآن لنجاحه هو الغضب والاستياء الذي تشعر به طبقة كبيرة من الناخبين من البيض، والذكور، والطبقة الوسطى، والطبقة العاملة والمحرومة من العمال الكادحين في الولايات المتحدة الأمريكية، من الذين يشعرون بشكل مستمر أنهم يعيشون الحرمان والتهميش من قبل كلا الحزبين –الديمقراطي بسبب سياسته المتبعة بحق العرق، والجنس، والحماية ضد اقتصاد العولمة، والجمهوري بسبب اهتمامه الشديد والواسع خاصة بالأثرياء (على سبيل المثال ترشيحه لمت رومني الذي تبين أنه لا يدفع سوى 14 بالمائة من قيمة الضريبة).
من المنطقي، أن نعتقد أن التركيز الكبير للناخبين لدونالد ترامب سيأتي من حزام “بالت راست” أو من “الجنوب” عوض أن يأتي من كلا الساحلين.
من جانب آخر، فهذا يعني أن الناخبين يقدمون أصواتهم إلى عدوهم الراقي، إلى الرجل الذي يمثل عقلية “البارون السارق” الخارج عن السيطرة، كما يفعل البعض من الذين تتمركز ثروتهم في أماكن مثيرة للشبهات مثل المضاربة في العقارات. ولكن يمكننا أن نشير إلى ظاهرة مثيرة توجد بين أنصار دونالد ترامب يمكن اعتبارها المشكلة الثالثة.
من الأكيد أن المرشح الجمهوري لرئاسة أمريكا لا ديني، وربما لا يحمل إيمانا بأي شيء، وهو أمر ملحوظ جدا بالنسبة للتيار الحالي في كلا الحزبين، وخاصة الحزب الجمهوري. وعلى الرغم من أن ناخبيه غير مبالين بهذا الموضوع، معتبرين أن قاعدة كارل روف (شق الطريق بأصوات الإنجيليين) لا تعمل دائما.
على سبيل المثال بدا أن تاد كروز عاجز عن إحراز أي تقدم أمام دونالد ترامب بالاعتماد على هذه النقطة. وفي مقابل السيد ترامب كان هناك أكثر من ثلثي مرشحي الحزب الجمهوري من الذين يمكن تسميتهم بالمسيحيين الأصوليين (على غرار ما أشار له إليوت واينبرغ في “لندن ريفيو أوف بوكس”)
يبدو هذا إلى حد ما سبب تاريخي، ولكن قبل كل شيء فإن السيد ترامب يعدّ من الانتهازيين الذين غيروا مواقفهم حديثا وليس من الداعمين الدائمين للحزب الجمهوري. وعلى الرغم من ذلك، فقد نظر إلى هذه النقطة على أنها دليل على واقعيته وليس على انتهازيته.
وهذا يعزز فكرة أنه خلال العقود القادمة سيواجه الحزبين خطر كبير قد يسبب انهيارهما أو إعادة تنظيمهما بشكل كامل وجذري. وتتلخص في تموقعهما في أربعة مواضع وهي؛ جناح اليمين المسيحي الأصولي وحزب النشوء والخلق، وهو الذي يدعم في الوقت نفسه تخفيض الضرائب والسوق الحرة؛ والموقع الثاني هو جناح اليمين الشعبي والحزب القومي الذي يركز جهوده في حماية البلاد ومقاومة الهجرة؛ أما الموقع الثالث فهو الحزب الوسطي مع إضعاف موقع المترفين ولكن بدعم واسع للعولمة؛ وأخيرا الموقع الرابع وهو جناح اليسار، المدافع عن الحماية والحزب القوي جدا في دعم سياسة التدخل في شؤون الغير بالإضافة إلى الخطوط التي تبناها سنة 2016 من خلال دعمه للمرشح الديمقراطي بيرني ساندرز.
وتجدر الإشارة إلى أن مواقف ترامب خاصة فيما يتعلق بالمسائل الاجتماعية والثقافية غير مستقرة وغير تقليدية عندما نقارنه بغيره من الجمهوريين على غرار كروز وماركو روبيو (يتضمن هذا مسائل مثل حقوق المثليين وكذلك “حق الاختيار”).
أما فيما يتعلق بالاقتصاد، فهو يتخذ الطريق الأسلم ومعارض للعولمة، وهي مواقف شبيهة بالنغمة التي يعزفها حزب الجبهة الوطنية في فرنسا أو حزب “استقلال المملكة المتحدة” في بريطانيا. وتتمثل الخلاصة في أن السيد ترامب يمثل صنفا خاصا، من التطرف الثقافي الأمريكي والاقتصاد القومي الذي يتأقلم جيدا مع القاعدة الاجتماعية التي ذكرناها في سابقا.
النتيجة العكسية لركوب فرس الشهرة
ولكن يوجد تناقض هنا، فالسيد ترامب بكامله نتاج ظاهرة هو يستهجنها ظاهريا. ربما أن نجاح السيد ترامب يكمن في تسليم نفسه غالبا وبشكل كامل لوضعه بصفته “غني” وشخصيته “المشهورة” بعد أن روج أنه مؤلف كتاب مساعدة الذات “فن التعامل (1987)”، ثم أصبح مشهورا على شاشات التلفاز في برنامج “المتدرب”. باختصار، هو مشهور إلى حد كبير. ولقد استثمر، في الحقيقة، جهودا جبارة من أجل أن يصنع من نفسه، مع مرور الوقت، سمعة سيئة.
في غياب تطور الثقافة العالية التي من شأنها أن تدفع به إلى سحر المشاهير، فإن مرشح مثله لم يكن لتكون لديه فرصة في النجاح أبدا. على كل حال، فإن وضع الشهرة التي يتمتع به هو من قاد الإعلام والهاجس العام لترشحه. كما حماه من التدقيق المعتاد الذي يتعرض له أي سياسي عادي في بعض هذه المسائل مثل الذكاء، والمعرفة بالشأن الحالي، والأمانة الشخصية، والانسجام في المواقف، وغيرها.
من خلال كل هذا يمكننا أن نستنتج–مهما حصل في هذا العام- صيغة يمكن أن تظهر الآن في السياسات الأمريكية حول صناعة “الكاريزميا” و”الديماغوجيا” الشعبية، باستخدام قنوات الشهرة الإعلامية. وبعد أن تمكن أرنولد شوارزنيغر من القيام بهذا إلى حد متواضع في كاليفورنيا مستندا على نجاحاته الهوليودية، تبين أنه يتمتع في الحقيقة بالدهاء والحس الجيد أكثر مما أبداه السيد ترامب.
فاستخدام مشاهير الاتفاقين الجمهوري والديمقراطي في البيانات الأساسية والدعم الشعبي لم يكن طالع خير. وعلى ما يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تتخذ سُبل غيرها في العالم، خاصة في جنوب آسيا حيث يستفيد المشاهير بشكل منتظم من “رصيدهم الثقافي” لتحقيق نجاحات سياسية (على غرار تركى نانداموري راما راو، وجايالاليثا)
معالم رئاسة ترامب
ماذا سيحدث بعد استخدام الشهرة والديماغوجيا الشعبية للوصول إلى السلطة؟
إن دخل ترامب البيت الأبيض في تشرين الثاني/ نوفمبر، فإن لدينا بعض الملامح التي تشير إلى كيفية حكمه والسياسة التي ينتهجها (بعيدا عن بعض الإيماءات حول دعم النزعة الحمائية، ووضع حدود لموضوع المهاجرين، والتعامل بشكل ودي مع فلايدمير بوتين). قد يبدو في الوقت الراهن، أن عددا قليلا من التيار الجمهوري –على غرار حاكم نيوجيرسي كريس كريستي- على استعداد لمساندته ولعب دور حقيقي في فريقه. وربما يلتحق المتحدث باسم مجلس النواب الأمريكي، بول ريان، بهم.
من الحقائق المفزعة أن عددا من المواقع تم إعطاؤها للعائلة المصغرة، والتي ستبقى تحت سيطرته، ويلعب فيها صهره دورا بارزا. ولكن بالنسبة للبقية، فإن هناك العديد من الأسماء الظاهرة في حملته على غرار الشخصية الشريرة الجذابة بول مانافورت (الذي أدار المسيرة السياسية للرئيس السابق لأوكرانيا فيكتور يانوكوفيتش) ولكن أيضا روجر ستون وميشال غلاسنر.
أما فيما يتعلق بالشؤون الخارجية، فقد ذكرت أسماء من المتقاعدين مثل الجنرال جوزيف كيلوغ وكارتر بايج؛ كلاهما معروفان بضيق وجهات النظر الداعمة بشكل كبير لروسيا والمعادية للمسلمين والمهاجرين. وعلى الرغم من أن هذين الرجلين يعدّان من اللوبيات السابقة وممثلان للمصالح الخاصة.
على الجبهة الاقتصادية، وفق شائعات الأشهر القليلة الماضية التي أشارت للدور البارز لستيف مور من مركز فكر المحافظين “مؤسسة التراث”، ولورانس كودلو، المستشار والضيف في “سي أن بي سي”. فكلا الرجلان أقل ما يمكن أن يقال عنهما أنهما بوزن الريشة في دولة من المؤكد أنها لا تفتقر إلى المواهب الاحترافية في مجال الاقتصاد، حتى من النوع المحافظ جدا. أما السيد كودلو، فمن جهته يروج للملياردير ويلبر روس لمنصب وزير المالية –شهرة وثروة هذا الرجل متأتية من نشاطاته في “استثمار الأصول المتعثرة” والتي استحوذ عليها من خلال الاستدانة.
إن كان كما يبدو الآن أن السيد ترامب عاجز عن الاستعانة بغالبية مواهب التيار الجمهوري لملأ حكومته، فسيجبر على الاعتماد على ثلاث أنواع أخرى: مشاهير الدهاء الإعلامي من جناح اليمين، وأعضاء من عائلته الممتدة، وجماعات المصالح الخاصة المتنوعة. وحتى نكون على يقين، فإن النوع الأخير قد يوجد في العديد من الإدارات الأمريكية ولكنه قد يكون موضع اهتمام أجزاء مختلفة متداخلة.
لهذا يجب أن لا نفكر في ترامب على أنه شخص طبيعي، يتمتّع بكاريزما وفاشي (كما هو موجود اليوم في أوروبا) بل يجب أن ينظر له من هذه الزاوية: ليس لديه إطار أو مجموعة تنظمه ويعود إليها. هذا الفراغ يعني أن الأشهر الممتدة من تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2016 ويناير/ كانون الثاني سنة 2017، قد تشهد بحثا حثيثا حول “أرغفة وأسماك” للمناصب من أولئك الذين ليست لديهم سوابق في الذاكرة الحديثة للشعب الأمريكي.
ماذا سينتج بعد هذا الصراع والتدافع؟ في النهاية ستبدو الولايات المتحدة أكبر جمهورية للموز على الكرة الأرضية.
المصدر: ذا هيندو