دحلان خارج لعبة الرئاسة الفلسطينية.. فمن يكون بديل عباس؟

بعد أن كان النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني، والقيادي المفصول من حركة “فتح” محمد دحلان، يتصدر المشهد السياسي، ويتربع على توقعات الكثير من الساسة والمحللين بأنه خليفة الرئيس محمود عباس المحتمل، ووريثه لرئاسة السلطة الفلسطينية وحركة فتح معًا، جاءت الرياح هذه المرة عكس ما يشتهي دحلان وأنصاره.
فخلال الأيام الأخيرة، طُرحت أسماء بديلة عن دحلان لرئاسة السلطة الفلسطينية خلفًا لمحمود عباس، مما اعتبرها سياسيون بأنها ضربة قوية وجهت لدحلان، خاصة بعد أن حصل الأخير على كل الدعم العربي والدولي وحتى الموافقة الإسرائيلية لتوليه منصبه الجديد.
والغريب في الأمر أن أكثر الدول التي كانت تدعم دحلان للوصول إلى كرسي الرئاسة الفلسطينية ومنها مصر والأردن، يبدو أنها استغنت عنه في الوقت الراهن، وذهبت لترشح شخصية أخرى ليكون خليفة عباس المحتمل.
خليفة عباس.. والدعم العربي
ويومًا بعد يوم تقترب ساعة الصفر وإسدال الستار عن مشهد فلسطيني كبير، بتنحي الرئيس محمود عباس عن كرسي رئاسة السلطة الفلسطينية الذي صعد عليه منذ وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات “أبو عمار”، تاركًا خلفه إرثًا كبيرًا وثقيلًا من الخلافات الداخلية والأزمات المتفاقمة.
وشهدت الأسابيع الأخيرة ارتفاعًا كبيرًا في بورصة أسماء خليفة الرئيس عباس المحتملين، فشهدنا وضع اسم الدكتور صائب عريقات، ومحمد أشتيه، ومحمد دحلان، واللواء ماجد فرج، وكذلك جبريل الرجوب، لكن المفاجأة كانت حين كُشف النقاب أن الدول العربية تفضل في الوقت الراهن “ناصر القدوة” لخلافة عباس والاستغناء عن محمد دحلان.
وسائل إعلام عبرية كذلك دخلت على الخط، وكشفت أن بعض الدول العربية بدأت بالتحضير الفعلي لتعيين خليفة للرئيس الفلسطيني أبو مازن، مشيرةً إلى أن الأردن ومصر والسعودية والإمارات العربية باشرت بتهيئة تعيين ناصر القدوة لمنصب الرئاسة.
وأوضحت وسائل الإعلام العبرية، التي تناولت هذا الملف بإفراط كبير، أن هذه الدول أرسلت مبعوثين من طرفها للرئيس أبو مازن تحثه على اختيار خليفة له لتجنب الفوضى في السلطة الفلسطينية، وترى هذه الدول بأن ناصر القدوة الذي شغل منصب ممثل منظمة التحرير في الأمم المتحدة، الرئيس القادم للسلطة الفلسطينية، وقدم هؤلاء المبعوثون وعودًا للرئيس الفلسطيني تتعلق بحماية أبنائه بعد تعيين خليفة له.
وأضافت: “بأن المشاركين في هذا التوجه بتهيئة الأوضاع لتعيين ناصر القدوة ليكون خليفة الرئيس أبو مازن، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني عبد الله الثاني وحاكم أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد”.
وأشار الإعلام العبري، بأن حاكم أبو ظبي بالرغم من علاقته المتينة والجيدة مع محمد دحلان لكنه يدعم تعيين ناصر القدوة، لمعرفته بأن تعيين دحلان لن يجد قبولاً في هذه الفترة، ولكن سيكون لمحمد دحلان دورًا في القيادة تحت رئاسة ناصر القدوة.
القدوة للواجهة السياسية
وعلى ضوء تلك التطورات وخاصة الجهود العربية الأخيرة، عاد مجددًا اسم ناصر القدوة للظهور كخليفة محتمل للرئيس محمود عباس في حال مغادرته المشهد لأي سبب كان، وذلك بعد تعرض الرئيس البالغ من العمر 82 سنة قبل أيام، إلى وعكة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى.
ولا يمكن لنا أن نغفل طموح العديد من الشخصيات الفتحاوية المرموقة لتولي منصب رئاسة السلطة الفلسطينية، وأن يكون خليفة الرئيس عباس، لكن ذلك سيخضع لمعايير محلية وعربية ودولية، تضع بعين الاعتبار أولًا “من الذي يفضله الغرب وإسرائيل”؟
وهنا يقول القيادي في حركة حماس فتحي القرعاوي، إن: “الرئيس محمود عباس، في حال ترك منصب رئاسة السلطة الفلسطينية، سيخلف وراءه الكثير من الخلافات السياسية والأزمات الكبيرة على المستويين الداخلي والخارجي”.
ويؤكد القرعاوي، أن هناك حالة احتقان كبيرة داخل الضفة الغربية على وجه الخصوص، بسبب ممارسات حركة فتح والسلطة الفلسطينية، وغياب عباس عن المشهد السياسي، سيكون لها ردات فعل من قبل الفلسطينيين لا يمكن لأحد أن يتوقعها.
ويضيف القيادي في حركة حماس: “مرحلة ما بعد عباس الكثير ينتظرها، ولكن السؤال الأكبر والأهم هنا من هو خليفة عباس، وما الذي سيقدمه من تنازلات جديدة لصالح الاحتلال والدول الغربية للقبول به كرئيس للفلسطينيين”؟
وشكك القرعاوي في مصداقية التحركات العربية التي تبحث عن رئيس جديد للفلسطينيين خلفًا للرئيس عباس، وأكد أن الدول العربية ما تبحث عنه في الرئيس القادم هو من يتنازل أكثر ويطبع أسرع مع الاحتلال الإسرائيلي.
ورغم أن القانون الفلسطيني يتيح لرئيس المجلس التشريعي والقيادي في حركة حماس عزيز دويك تولي منصب الرئاسة خلفًا لعباس، إلا أن القرعاوي استبعد هذه الخطوة وعدم توافق فتح وبعض الأطراف العربية على أن يتولى دويك الرئاسة الفلسطينية.
وتعرض الرئيس عباس 82 عامًا قبل أيام لانتكاسة صحية إثر مشاكل مزمنة يعاني منها في القلب استلزمت دخوله للمستشفى، وسط غموض في الأنباء عن حالته الصحية، ليخرج بعدها بساعات ويعلن أمام جمع من الصحفيين وقيادات السلطة أنها أزمة بسيطة وانتهت بعملية قسطرة قلبية.
ويعيش النظام السياسي الفلسطيني أزمة عميقة منذ الانقسام أواسط عام 2007، والذي سيطرت بموجبه حركة حماس على قطاع غزة فيما بقيت فتح تدير السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وينص القانون الأساسي للسلطة الفلسطينية على تولي رئيس المجلس التشريعي رئاسة السلطة في حال شغور منصب الرئيس لأي سبب كان، وذلك لمدة شهرين يصار بعدها لإجراء انتخابات لاختيار رئيس جديد، وهو الأمر الذي لن تسمح به حركة فتح.
في ذات السياق، قال مسؤول فلسطيني إن: “المشكلة الكبرى في تحديد خليفة الرئيس عباس ليست الانقسام، وإنما عدم وجود نائب للرئيس، وعدم وجود رجل ثان في السلطة والمنظمة وفتح”.
وكشف عضو في اللجنة المركزية لحركة فتح، أن الرئيس محمود عباس سيصدر قرارًا رسميًا في المؤتمر السابع للحركة، المقرر عقده قبل نهاية العام الجاري بتعيين نائب له.
وأكد القيادي الفتحاوي، أن هناك توجه شبه رسمي لدى الرئيس عباس بضرورة استحداث منصب النائب، لقطع الطريق أمام أي شخصية أخرى تحظى بدعم عربي وإقليمي، في إشارة للنائب في المجلس التشريعي والمفصول من حركة فتح محمد دحلان.
وأوضح، أنه في حال تم اختيار منصب نائب الرئيس واختيار الشخصية لذلك المنصب، فسيكون الرئيس عباس وجه ضربة قوية للنائب دحلان، وأفشل كل جهود عودته للحركة من جديد، في مرحلة ما بعد الرئيس عباس.
ولفت القيادي الفتحاوي، أن الرئيس عباس يعلم جيدًا أن دحلان بات قويًا ويملك نفوذًا كبيرًا داخل فتح وخاصة في قطاع غزة ويحظى بدعم عربي كبير، وضرورة اختيار منصب النائب سيكون بمثابة ضربة لكل طموح وتحركات دحلان ليكون خليفة عباس في رئاسة الحركة.
وهنا تبقى حالة الصراع والخلافات الكبيرة والدائمة في حركة فتح، ستعيق بشكل كبير اختيار شخصية لرئاسة الحركة بعد الرئيس عباس، الأمر الذي يضع عقبات جديدة في المشهد السياسي الفلسطيني الداخلي ويزيده تعقيدًا.