قبل عدة أشهر، قامت منظمة إغاثية مقرها سنغافورة بإطلاق حملة عنوانها “الإعجاب لا يفيد” تستهدف مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي الذين يعبرون عن دعمهم لقضية ما عبر إعجابهم على صفحات فيسبوك أو متابعة حسابات تويتر التي تناقش هذه القضية.
الحملة التي قصدت أن خيار “أعجبني” أو like على موقع فيسبوك لن يساعد إنسانا في أزمة، نشرت عدة صور دعائية تعبر عن الحملة، وتهدف لدعم المشاركة الإيجابية في الأزمات التي تواجه العالم، لاسيما وأن الملايين يكتفون بالمشاركة والتعاطف من خلال مواقع التواصل الاجتماعي فقط.
وخلال الفترة الماضية قامت منظمة اليونيسيف في فرعها في السويد بعمل عدد من الإعلانات التي جالت حول نفس الفكرة التي تؤكد أن عدد المعجبين على صفحات فيسبوك لن يطعمون شخصا جائعا أو ينقذون حياة أو يساعدون أهل مدينة دمرتها الفيضانات.
اليونيسيف في واحد من إعلاناتها قالت “اضغط “أعجبني” على صفحتنا على فيسبوك ولن نطعّم أي طفل ضد مرض شلل الأطفال”
العديد من الحملات التي تناولت نفس الفكرة اهتمت كثيرا بتوضيح أن المؤسسات الإغاثية “لا تكره الإعجاب على شبكات التواصل الاجتماعي، لكنه لن يكون سوى خطوة أولى للفعل الحقيقي، ولا يمكن للفرد أن يشعر بالرضا لمجرد ضغطته على زر الإعجاب في صفحة ما على الإنترنت”
واحدة من أكبر مشاكل شبكات التواصل هو ما يمكن تسميته “الفردانية”، أو تمركز الشخص حول ذاته، الإنترنت يجعل الفعل خارج إطار التاريخ، لكنه يضفي على الشخص إحساسا بالرضا الذاتي لأنه قد فعل شيئا ما .. رغم أنه في الحقيقة لم يفعل أي شيء!
هذا الأمر قد ينطبق على أفعال مثل مشاركة شيء ما جيد، أو الإعجاب بصفحة على فيسبوك، أو متابعة حساب ما على تويتر، أو تغيير صورة الحساب لصورة معبرة عن شيء ما!
في كتاب أمريكي نُشر في ٢٠١٣، بعنوان “لإنقاذ كل شيء، إضغط هنا!” يخشى المؤلف الأمريكي من أصل روسي إفينجي موروزوف من “الانسحاق أمام التكنولوجيا”، حيث يقتصر الفعل الإنساني على التعامل مع التكنولوجيا غير المصممة بالأساس لحل مشكلات البشر.
إن نشر القضايا المهمة على الإنترنت أصبح نوعا آخر من النشاط السياسي، إلى الحد الذي جعل قاموس أوكسفورد يضيف كلمة Clicktivism إلى قائمة الكلمات الإنجليزية الجديدة، وهي كلمة لا مرادف لها بالعربية إلا أنها تعني “استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وبقية الوسائط على الشبكة لترويج قضية ما”
لقد استطاع “الناشطون الإلكترونيون” أن يؤثروا بشدة في توعية المواطنين وفي الحشد لتحركات كبيرة في أكثر من مكان، إلا أن النشاط على الإنترنت كان دوما بداية لشيء ما. لولا الإنترنت لما تجمع الملايين في ميادين مصر المختلفة في أكبر تحرك شعبي شهدته البلاد في تاريخها، البداية كانت فقط زر الإعجاب على صفحة على فيسبوك!
الأمر نفسه بالنسبة للعديد من القضايا في كل أنحاء العالم، بل إن الClicktivism دوما ما يُعتبر مقدمة لشيء ما. العديد من المحللين يرون في السعودية بداية تحرك شعبي، والسبب الرئيسي في ذلك هو ارتفاع نبرة المعارضة على الإنترنت. الأمر قد يكون صحيحا بالفعل وقد يكون عدد الأشخاص المؤثرين من السعودين على تويتر بداية لشيء ما ضخم! لكن لا يمكننا تجاهل احتمالية أن يكون الإنترنت في هذه الحالة مجرد تنفيس عن الغضب وإشعار للذات بالرضا لفعل شيء ما رغم أنه ليس مؤثرا على الأرض إطلاقا!
حملة “كوني ٢٠١٢” Kony 2012 والتي شاهد فيلمها الدعائي على الإنترنت ١٠٠ مليون شخص في أول ستة أيام من إضافته على يوتيوب لم تستطع أن تغير شيئا رغم دعم مئات الملايين لها، وتهدف حملة “كوني 2012” لاعتقال جوزيف كوني زعيم جيش الرب منذ 1987م، والذي تسبب بنزوح ما يزيد على مليوني شخص، وتجنيد ما يزيد على 30 ألف طفل. وقتل عشرات الألوف وتشويههم واغتصاب الصغيرات أو إجبارهن على البغاء. كل هذا لمجده الشخصي ولبناء قوته الذاتية، دون أن يكون طامحا لشيء ما. وهو يتنقل في المناطق الإفريقية بين شمال أوغندا إلى جنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية الشعبية.
المنظمة السنغافورية التي أطلقت حملة “الإعجاب لا يفيد” تقول إنه على الرغم من أن الإعجاب على صفحات التواصل الاجتماعي لن يفيد، لكن تطوعك سيفيد، اليونيسيف تقول إن عدد المعجبين لن ينقذ طفلا، لكن المال سيفعل!