ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
ينتقد العالم السياسي الشهير القراءة الدينية والسياسية لظاهرة الإرهاب التي نُسبت إلى الإسلام. وقد أجرت صحيفة “لوتون” حورا معه ناقشت فيه النقاط المحورية والمواضيع الأساسية التي تناولها في كتابه الجديد “الجهاد والموت”.
- لقد واجهت القراءة الدينية والسياسية لظاهرة أسلمة الراديكالية، ألا تشعر بالخطر من ذلك؟
إن الإسلام المتطرف والسلفية ظاهرتان متواجدتان ومنتشرتان بين الشباب في أوروبا والشرق الأوسط. ولكنني أرفض الفكرة التي تفيد أن السلفية هي بوابة الدخول إلى الإرهاب. مما لا شكّ فيه أن البعض من السلفيين أصبحوا إرهابيين. في المقابل، هناك العديد من الشبكات في المملكة المتحدة، وبلجيكا، التي لا تضمّ سلفيين، بل جهاديين. كما إنه من المعروف أن تنظيم الدولة يتشارك مع السلفية في العديد من المبادئ الأساسية مثل؛ الشريعة، وكراهية الشيعة، واليهود والنصارى ونهاية العالم. لكنهما يختلفان حول موضوع الانتحار الذي تعارضه السلفية بشدة. في المقابل، يعزز تنظيم الدولة العنف ويمجد الاغتصاب ويدعو النساء لإتباع طريق الجهاد. ولذلك، فإن اتهام السلفية بالجهادية لن يسمح لنا بفهم جذور التطرف. وعلى عكس الإرهاب، تطرح السلفية مشاكل حقيقية تتعلق بكيفية التعايش المشترك والتكامل.
- وما رأيك حول تصريحات الأحزاب الجمهورية التي تقول إن السلفية تمهد الطريق أمام الإرهابيين للانجراف نحو الإرهاب؟
هذا غير صحيح وخير دليل على ذلك الإخوة عبد السلام، اللذان كانا بعيدان كل البعد عن السلفية، حيث كانا يشربان الكحول ويتعاطيان المخدرات.
- كيف يمكن تفسير الارتفاع المفاجئ في نسبة النساء، في صفوف تنظيم الدولة؟
إن السلفية تعارض ذلك، وترى أنه يجب على النساء البقاء في المنزل.
- وهل تشكك أيضا في أن الأعمال الإرهابية التي شنها تنظيم الدولة يمكن أن تكون جزءا من إستراتيجيته لتقسيم المجتمعات الأوروبية، بين المسلمين وغير المسلمين، وذلك استعدادا لإقامة خلافة إسلامية عالمية؟
هذا لا ينطبق في هذا السياق، فهجمات تنظيم الدولة تستهدف المسلمين أكثر من غيرهم، كما أن ثلث ضحايا هجوم نيس هم من المسلمين. وتجدر الإشارة إلى أنه في نهاية المطاف يتمّ استهداف الجميع دون استثناء، سواء من المسلمين أو اليهود أو المسيحيين. وكذلك يمكن القول إن شباب تنظيم الدولة مصاب بجنون العظمة حيث أنهم لا ينفكون عن الحديث عن الأمة العالمية، وجرائم الصليبية. وبالنسبة لهم، إن جميع أولئك الذين يرفضون الجهاد والشهادة، هم من المسلمين السيئين وكذلك هم لا يتعاطفون أبدا مع مسلمي أوروبا. كما يريدون أن يظهروا أنفسهم على أنهم قادة الأمة الإسلامية.
- أنت تقول أن هدف الإرهابيين لا يتمثل في بناء مدينة فاضلة، بل في السعي إلى الموت. لكن ألا ترى أيضا أنه ليس من قبيل المصادفة أن معظم الهجمات التي جدت في السنوات الأخيرة يقوم بها أشخاص يدعون انتماءهم إلى الإسلام؟
تجدر الإشارة إلى أن هناك العديد من الهجمات التي جدت في العالم ولم يتحمل مسؤوليتها المسلمون، وهناك الكثير من الأمثلة حول هذا النوع من السلوك الانتحاري؛ مثل حادثة الطيار الألماني الذي قتل قرابة 200 شخصا أثناء تفجير انتحاري، وحادثة الخمسين طفلا التي حدثت سنة 1990، الذين عادوا إلى مدارسهم مسلحين بهدف ارتكاب مجازر. بينما هناك فئة أخرى تدعي أنها تنتسب لتنظيم الدولة، وهؤلاء ينجرفون للتطرف بغية الدخول إلى الجنة ولا يهتمون بفكرة إنشاء مجتمع إسلامي. وكخلاصة، يمكن القول أن مشروع الموت هو بالنسبة لهم جسر عبور إلى الجنة لا غير.
- هل كان هناك إرهاب من قبل؟
نعم كان هناك إرهاب قبل سنة 1995، ولنتذكر ذلك يجب أن نعود بذاكرتنا لسنوات الرصاص والتفجيرات الجماعية التي شهدتها إيطاليا.
- ولكن لماذا يتعمد الجهاديون ارتكاب تفجيرات انتحارية منذ حادثة خالد كلكال التي جدت سنة 1995 وصولا إلى تفجيرات نيس الأخيرة؟
لأن الموت يعدّ جزءا من مشروعهم؛ فهم بمثابة المقاتلين الذين يسعون إلى الوصول إلى أهدافهم بكافة الطرق. ولكن لا يمكن القول إن الناشطين الفلسطيينين هم من الانتحاريين، لأنهم يدافعون عن قضية حقيقية تتعلق باستقلالهم الوطني.
- هل تظن أن الإرهابيين الذي يعملون تحت راية الإسلام، يملكون في الحقيقة مشروعا سياسيا؟
من الخطأ الادعاء أن الهجمات التي يشنها تنظيم الدولة تمثل انتصارا للإسلام السياسي. ويمكن القول إن تنظيم الدولة لا يعتمد على منطق سياسي؛ حيث أن هجماته لا ترتكز على منطقة معينة سواء في الشرق الأوسط أو في أوروبا. كما أن الموت يعدّ المشروع الذي يسعى إلى تحقيقه كل الشباب المنضمين إلى تنظيم الدولة، على عكس مشروع طالبان الذي يسعى إلى إنشاء دولة إسلامية في أفغانستان أو الإخوان المسلمين الذين يريدون بناء دولة إسلامية في بلد معين، لكن تنظيم الدولة أعلن أنه يطمح إلى تركيز خلافة تمتد من المغرب إلى إندونيسيا. كما يمكن القول إن مشروع تنظيم الدولة هو الحرب وليس إقامة دولة، فهو يتصرف كجيش احتلال يريد افتكاك الأراضي فقط.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد دولة سنية واحدة في المنطقة باستثناء الأردن. ففي سوريا يهيمن النظام العلوي الدكتاتوري على الأغلبية السنية، أما في العراق، فيتم استبدال دولة السنية بدولة شيعية وهو ما دفع بالعديد من الشعوب السنية إلى الترحيب بقدوم تنظيم الدولة.
- من خلال نفيك لوجود أي مشروع سياسي لتنظيم الدولة، أنت تنفي إذا مخاوف أوروبا المتعلقة بخطر استيلاء المسلمين على السلطة؟
أعلن تنظيم الدولة أنه يريد غزو العالم، لكن لا أحد يعرف القاعدة الاجتماعية التي يستند عليها، فالبعض يعتقد أن موجة اللاجئين التي اجتاحت أوروبا تمثل قاعدة جماهيرية مهمة لتنظيم الدولة في مهمة غزوه للعالم، لكن ذلك غير صحيح. فإذا نظرنا إلى التيارات الفكرية الأخرى التي كانت لها نزعات كونية عنيفة، مثل الشيوعية، فهي كانت تحظى بقاعدة اجتماعية مهمة مثل النقابات العمالية، والحركات النسائية والجمعيات والمثقفين.
لكن تنظيم الدولة لا يقوم بأي تحركات اجتماعية ويقوم فقط باستقطاب الشباب نحو التطرف عن طريق استخدام مجموعات صغيرة من المساجين. وتجدر الإشارة إلى أن هجمات تنظيم الدولة هي هجمات اعتباطية وليس لها العديد من المدلولات الضمنية، على عكس تنظيم القاعدة، الذي يعمل على سن هجمات تكون لها دلالات رمزية.
- هل يريد تنظيم الدولة زعزعة استقرار المجتمعات أم ارتكاب جرائم قتل؟
يريد تنظيم الدولة زعزعة استقرار المجتمع الأوروبي، لأنه يعتقد أنه مجتمع فاسد وهش ولكنه لا يطمح إلى التحريض على حرب أهلية مثلما أشار الكاتب الفرنسي، ميشال ويلبك في إحدى كتاباته، فهو لا يخطط إلى حشد المسلمين لإثارة حرب أهلية هناك.
- إذا كنت تتحدى فكرة تجذّر الإسلام كعامل نحو التطرف، فأنت إذن لا تعتقد بوجود برامج لاجتثاث التطرف؟
يمكن القول أن هناك برامج ناجعة لاجتثاث التطرف وذك بهدف طمأنة أولياء الأمور فقط، لكن الحقيقة هي عكس ذلك. لا يمكن التنبؤ بأن يقوم شخص مسلم يؤدي فرائضه الدينية، بوضع قنبلة. فالتطرف هو اختيار يمكن أن يتبناه أي شخص يريد الانضمام إلى تنظيم الدولة من أجل ممارسة العنف. ولذلك يمكن القول إن برامج اجتثاث التطرف هي محض هراء.
- إذا ما يجب علينا أن نفعل؟
يجب أن نعلم أنه لا يمكن معالجة الإرهاب، ولا يجب التسامح ولا التعاطف معه، ولا التفاوض من أجله، بل يجب فقط معاقبته.
- وماذا يمكن أن نفعل مع شخص لم يقم بأي عمل إرهابي لكنه في طريقه نحو التطرف؟
يجب أن نستطيع التفريق بين الشخص المتدين المتطرف والمؤمن المعتدل، نحن لم نعد نفهم المنطلق الديني للأشخاص، فارتداء بعض النساء للباس البوركيني وهي على شواطئ البحر لا يعني أنها في مرحلة الانتقال نحو التطرف. كما أنه لو كانت هذه النسوة تنتمين إلى تيار السلفية لما كانت على البحر وهي ترتدي ثيابا تكاد تكن فيها شبه عاريات. ولكن يمكن القول إن مجتمعاتنا أصبحت ترفض أن ترى أي شكل من أشكال التدين في الشوارع.
- ما هي الطرق التي يجب إتباعها لمزيد فهم الإسلام؟
لا يجب مقارنة الإسلام بالإرهاب، بل يجب فهمه من خلال النظر إلى الغالبية العظمى من المسلمين. ويمكنني القول إن الإسلام سيكتسي طابعا أوروبيا وغربيا مع مرور الوقت، حيث أن الكنيسة الكاثوليكية استغرقت قرابة قرن حتى تتمكن من التكيف مع حداثة عصرنا وهذا ما سيحدث مع الإسلام.
المصدر: لوتون