نستكمل سلسلة الصيرفة الإسلامية التي بدأناها بشرح آلية عمل المصارف الإسلامية وفلسفتها التي تميزها عن البنوك التقليدية، كما تطرقنا للفرق بين البنوك التقليدية والإسلامية، وبعدها انتقلنا للحديث عن عوائد رأس المال وكيف تربح البنوك الإسلامية، إذ تكلمنا في المقال السابق عن الأدوات والعقود التي يستخدمها نظام الصيرفة الإسلامية، ومن بين تلك العقود البيوع والشراكة والمضاربة، واليوم سنفصل في عقود السلم والإجارة والمزارعة والاستصناع والتورق.
عقد السلم
السلم في اللغة هو السلف، فيقال أسلف في الشيء أي سلّم، والسلف نوع من البيوع يتم فيه تعجيل الثمن بعد ضبط السلعة بالوصف إلى أجل معلوم، حيث يتم في هذا العقد دفع ثمن السلعة مقابل تأخير استلامها، لم توجد وقت التعاقد وغير مشاهدة من قبل المشتري، إلا أن وجودها ممكن في المستقبل في وقت محدد بين طرفي العقد، لذا يسمى هذا النوع من البيوع ببيع المفاليس وبيع المحاويج من جهة البائع الذي لا يملك المال.
كمزارع باع قمحًا بيعًا سلمًا قبل البدء بحصاده وجمعه للحصول على المال لشراء البذور أو الأسمدة، فيكون توقيع عقد السلم يعني التزامه بتسليم القمح بوزن معين وبمواصفات معينة في وقت محدد، وفي حال حدث طارئ للقمح بسب ظرف ما، على المزارع أن يقوم بتأمين كمية القمح للمشتري من أي مصدر كان وفقًا للمواصفات المحددة المتفق عليها في عقد البيع.
سوى أن الحديث الشريف عن النبي – عليه الصلاة والسلام – نهى عن بيع الإنسان ما لا يملك؛ لذا فإن عقد السلم له خصائص دقيقة، على الطرفين أن يلتزما بها كضرورة تحديد نوع المبيع وجنسه وصفته ووزنه وكيله مع تحديد زمن ومكان التسليم وكل ما يتعلق به لتلاشي أي خلاف بين الطرفين عند استلام السلعة في المستقبل، وفوق كل هذا على المشتري أن يدفع الثمن نقدًا في مجلس التعاقد.
فنظرًا لحاجة الناس لمثل هذا النوع من المعاملات رخّص الرسول هذا البيع، فينتفع البائع بتلقي المال لأن الناس في الماضي كانوا يحتاجون إلى الأموال مقابل تسديدها لاحقًا عندما يحصدون زراعاتهم ومحاصيلهم، وينتفع المشتري بالحصول على السلعة في الوقت المحدد عند استلامها.
عقد الاستصناع
عقد مع صانع على شراء ما سيقوم بصنعه من سلعة محددة المواصفات كالأبواب والشبابيك أو حتى العقارات والطائرات والسفن وأمور أخرى، ويعد هذا العقد واسع التداول والانتشار في الحياة اليومية، حيث يتم تسليم السلعة المصنعة في زمن بالمستقبل بناءً على اتفاق بين طرفي العقد مع دافع كامل الثمن أو بعضه وتأجيل بعضه إلى حين استلام السلعة المصنعة.
المزارعة والمساقاة
تقوم المزارعة بأن يقدم أحد الأشخاص أرضًا زراعية يملكها إلى شخص آخر سيعمل على زراعتها والعمل بها على أن يوزع ناتج الزرع بينهما وفق الاتفاق المبرم بينهما، أما المساقاة فهي قيام شخص بالعناية بأرض شخص آخر مزروعة بأشجار الفواكه أو النخيل مثلاً مقابل حصة من ثمارها كالنصف أو الربع حسب الاتفاق المبرم بينهما.
عقد الإجارة
يقوم هذا العقد في الصيرفة الإسلامية على بيع خدمة للانتفاع بها مقابل قيام مشتري تلك الخدمة بسداد قيمتها بالكامل أو على دفعات بحسب الاتفاق، إذ تسمح هذه الأداة التمويلية بحيازة المعدات والآلات عن طريق التأجير بدلًا من الشراء الفوري وهذا يخفف من الأعباء والتكاليف على رأس المال، ويحق للمستأجر في نهاية فترة الإجارة شراء الأصل المستأجرة ويسمى العقد عندها الإجارة المنتهية بالتميلك.
كتاجر يحتاج لمكتب أو مخزن في مكان ما، فيذهب للبنوك العاملة بالصيرفة الإسلامية التي تعمد إلى عقد صيغة تمويلية بينها وبين ذلك التاجر بحيث يبيع البنك منفعة ذلك المكان مقابل مبلغ معلوم ومتفق عليه.
وفي الواقع يعمد البنك لشراء حق الانتفاع للعديد من الخدمات الموجودة في مجتمع ما من قبيل شركات الطيران ووكالات السفر والسياحة والمدارس والجامعات والمشافي والمخازن وخدمات أخرى مقابل قيمة محددة نقدًا بينه وبين البائع، ومن ثم يعمد البنك إلى بيع تلك الحقوق لعملائه بعقود إجارة مقابل أجرة يتم دفعها إما بشكل مؤجل أو من خلال أقساط، مقابل الحصول على هامش ربح معين.
وبهذا يعمل البنك على توفير التمويل الإسلامي اللازم لتغطية مصاريف الدراسة والتعليم والسفر والسياحة الدينية والعلاج الطبي والعمليات الجراحية وعمليات الصيانة والنظافة والاشتراك بالنوادي الرياضية وغيرها بما يلبي حاجة الأفراد في المجتمع.
التورق
استورق الرجل أي طلب الورق أي الحصول على النقود، والمعلوم في اللغة أن الورِق (بكسر الراء) هو الدراهم لذا فالتورق يعني طلب الدراهم، ومعنى بيع التورق هو أن يشتري الرجل سلعة آجلة ثم يبيعها لغير بائعها الأول نقدًا بأقل مما اشتراها به بهدف الحصول على النقد، فإذا بيعت للطرف الأول فهو من البيوع الآجلة المحرمة وأما إذا بيعت للطرف الثالث فهو التورق.
يستخدم عقد التورق لقضاء حاجة ضرورية بشدة مثل قضاء دين أو علاج أو زواج
والحاجة لهذا النوع من العقود هو الحاجة الداعية إليه، مثل قضاء دين أو زواج أو علاج، لذا فالهدف منه منح التمويل وإدارة السيولة إلا أن الأمر الملزم لتطبيق هذا العقد هو أن يكون العميل بحاجة كبيرة للنقد ولا يستطيع الحصول عليه من أشكال العقود الأخرى أو من أي مصدر آخر وغير ذلك لا يجوز العمل بهذا العقد، حيث عمدت البنوك إلى استخدامه في أشكال عديدة تعارض الشريعة والمبادئ الأساسية للصيرفة الإسلامية، إذ يتشابه هذا العقد كثيرًا مع القروض البنكية التي تمنح بفائدة والتي ترفضها الصيرفة الإسلامية بالمطلق.
وبهذا نكون قد ختمنا الكلام عن العقود المعمول بها في الصيرفة الإسلامية وسنحاول في المقال القادم التطرق إلى مبدأ الزكاة كما هو معمول به في هذا النظام ونخوض في تفاصيل اقتصادية بهذا الخصوص.