هل تقبل مصر التنازل عن جزء من أرض سيناء مقابل انتشالها من المأزق الاقتصادي الراهن؟ وماذا إن كان الطالب هو الكيان الصهيوني؟ بالأمس القريب كان طرح مثل هذه الأسئلة ضربًا من الخيال والجنون، وكانت شعارات الكرامة والعزة والقومية والمروءة هي الجواب الشافي الكافي الجامع المانع ردًا على هذه الأسئلة الخيالية، لكن ماذا لو أضحت هذه الأسئلة بالفعل على مائدة الدراسة والنقاش من الجانب المصري؟ فهل يقبل الشعب حينها ما يمكن أن يتمخض عنه هذا النقاش؟ هذا ما يسعى “نون بوست” في هذه الجولة أن يجيب عليه في محاولة لفك طلاسم المشهد السيناوي في الفترة الأخيرة وكيف أن هذه البقعة الغالية على قلب كل مصري أصبحت مهددة مثلها مثل تيران وصنافير، حلايب وشلاتين، وبعض مناطق شرم الشيخ.
مشروع إيجور إيلاند
حلم الكيان الصهيوني في شراء جزء من أرض سيناء لم تكن رغبة جديدة كما يظن البعض، بل هي أمنية طالما داعبت أخيلة وأذهان القابعين هناك في تل أبيب، سواء في مقر رئاسة الوزراء أو الموساد أو حتى داخل الكنيست، كونها الحل الأمثل من وجهة نظرهم للانتهاء من الصداع المزمن الذي تسببه المقاومة الفلسطينية ما بين الحين والآخر عبر حركة حماس وأذرعها المختلفة في غزة.
الحلم الصهيوني في سيناء تم بلورته في صورة خطة أطلق عليها مشروع (إيجور إيلاند) نسبة إلى مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، اللواء متقاعد إيجورا إيلاند، والذي يقضي بإقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة، على أن يضم إليها أراضٍ من مدن رفح والعريش والشيخ زويد، لتوطين اللاجئين الفلسطينيين، وتسوية القضية الفلسطينية بشكل نهائي، على حساب حق الفلسطينيين في القدس الشريف كعاصمة للدولة الفلسطينية، والتخلي عن حق العودة للاجئين، واستبدال حماس بالسلطة الفلسطينية.
كان هذا الكلام حينها ضربًا من الخيال، وعزفًا على أحلام كاذبة، ووعود مزيفة لا مكان لها إلا في مخيلة المحتل الغاشم، لكن سياق الأحداث في سيناء في الآونة الأخيرة، فضلاً عن بعض التطورات السياسية الأخرى والتي فرضت ملامح جديدة لخارطة التحالفات في المنطقة في ظل الأزمات الاقتصادية الطاحنة التي تعتصر دول العالم، ما دفع بعضها للتنازل عن جزء من أرضها في مقابل الخروج من مأزقها المعيشي، كما فعلت اليونان وقبرص، وكما فعلت القاهرة أيضًا كما سيتم ذكره لاحقًا.
الرئيس الفلسطيني أبو مازن ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري
سيناء.. السعودية والبحرين
كما قلنا سابقًا كان الحديث عن التنازل عن شبر واحد من أرض سيناء كفيل بأن يُذهب صاحبه إلى جولة بغير عودة خلف الشمس كما يصف المصريون، لذا حين روّج الإعلام المضاد للثورة إبان فترة الرئيس المعزول محمد مرسي عن تنازله لجزء من الأراضي السيناوية لحركة المقاومة الفلسطينية (حماس)، قامت الدنيا ولم تقعد، وانتفض الشارع المصري عن بكرة أبيه ضد شائعة كاذبة سربتها أجهزة الثورة المضادة لتشويه صورة مرسي حينها، وبالفعل حققت هذه الشائعة الهدف منها بصورة كبيرة، وتمت الإطاحة بمرسي ليأتي خلفًا له عبد الفتاح السيسي، والذي قدم نفسه وقتها أنها حامي الحمى، والمدافع الأول عن الكرامة المصرية وشرف العسكرية.
وفي أبريل الماضي استيقظ المصريون على فضيحة مدوية، حين تنازل السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير القريبتين من منطقة شرم الشيخ بسيناء، لصالح السعودية، ردا على ما قدمته لمصر من دعم ومساعدات بلغت قرابة 10مليار دولار خلال السنوات الثلاثة الماضية، عن طريق اتفاقية إعادة ترسيم الحدود بين البلدين، وعلى عكس ما كان يرفعه الإعلام وأبواقه من شعارات الكرامة والقومية أيام مرسي، بات العزف على وتر سعودة الجزيرتين نغمة متداولة في شتى وسائل الإعلام، بل إن الحديث عن مصريتهما أضحت جريمة يؤخذ صاحبها بالنواصي والأقدام وهو ما تم بالفعل، حيث تم اعتقال العشرات بتهمة الادعاء بمصرية الجزيرتين في فضيحة باتت حديث العالم حينها.
وبالرغم من رفض القضاء لهذه الاتفاقية والإقرار بمصرية الجزيرتين، إلا أن الحكومة المصرية تقدمت بطعن على هذا الحكم، ليتم قبول الطعن، في صدمة أصابت المصريين بالذهول.
الخبراء أرجعوا أن تنازل مصر عن أجزاء من أراضيها دفع الكيان الصهيوني ليجدد دعوته من جديد للقيادة المصرية لأن تتعامل معه بنفس طريقة البحرين والسعودية
وفي الوقت الذي لا زال يعاني الجسد المصري الدامي من آثار التنازل عن الجزيرتين، إذ بالسيسي يصدر القرار رقم 432 لسنة 2016، بالموافقة على معاملة الملك حمد بن عيسي آل خليفة، عاهل مملكة البحرين، المعاملة المقررة للمصريين طبقًا لأحكام القانون رقم 14 لسنة 2012، بشأن التنمية المتكاملة في شبه جزيرة سيناء، والمعدل بالقانون رقم 95 لسنة 2015 ولائحته التنفيذية، ويتعلق القرار بتملك أراضٍ ومبانٍ وفيلات بخليج نعمة بمدينة شرم الشيخ في محافظة جنوب سيناء بغرض الإقامة، كما يتم نشر القرار في الجريدة الرسمية.
الخبراء أرجعوا أن تنازل مصر عن أجزاء من أراضيها إما بالبيع أو التنازل أو التأجير لجهات أجنبية، يعود إلى الأزمة الطاحنة التي تواجهها البلاد، ما يدفع السلطة إلى محاولة البحث عن أي وسيلة لسد العجز الراهن، والخروج من عنق الزجاجة، ولو على حساب تراب الوطن، وهو ما دفع الكيان الصهيوني ليجدد دعوته من جديد للقيادة المصرية لأن تتعامل معه بنفس طريقة البحرين والسعودية.
نص قرار تملك عاهل البحرين بعض الأراضي في شرم الشيخ
الضغط على الألم الاقتصادي
بدأ العزف الإسرائيلي على الوجع الاقتصادي الذي تحياه مصر في السنوات الأخيرة بصورة مركزة خلال العامين الماضي والحالي بصورة غير مسبوقة، في محاولة للحصول على موافقة مبدأيه لفكرة تخصيص جزء من أراضي سيناء لصالح الفلسطينيين، أيًا كان المقابل.
ففي مقال نشرته صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية لمحللها السياسي ستيفن جبريل روزنبرج الباحث بمعهد أولبرايت الإسرائيلي للبحوث الأثرية، طرحت من خلاله حلاً رأت أنه ينهي النزاع العربي الإسرائيلي على أساس إقامة دولة فلسطينية غرب قطاع غزة ليكون ثلثها غرب قطاع غزة وثلثها الأخير شرق سيناء بمصر.
الباحث الإسرائيلي أشار إلى أن مقومات هذا العرض متوفرة، حيث المال والمساحة، فقط ما ينقصها هو بذل جهود دبلوماسية من عدة أطراف دولية، منها، وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، ومبعوث اللجنة الرباعية الدولية للسلام في الشرق الأوسط توني بلير، إضافة إلى ما أسماه النوايا الحسنة من المصريين والعرب والإسرائيليين.
كما تطرق المقال إلى أسباب فشل جهود بلير السابقة في حل النزاع العربي الإسرائيلي إلى تعامله مع الأزمة بطريقة خاطئة، لا سيما مسألة حل الدولتين، مرجعًا سبب عدم ملائمة هذا الحل إلى أن عملية إيواء العرب الإسرائيليين، إضافة إلى ضم قطاع غزة مع الضفة الغربية يحتاج أموالاً طائلة لأن هذا الضم يحتاج إنشاء ممر يصل طوله 30 ميلاً عبر إسرائيل، لكن فكرة إنشاء هذا الطريق مرفوضة من كلا الطرفين لأن مثل هذا الممر الطويل لن يكون عمليًا، ولن يُقيم اتصالًا حقيقيًا، كما أنه تشييده سيكون مكلفًا للغاية، إضافة إلى جدلية القدس كعاصمة للدولتين، كما أن إسرائيل ستطلب أن تنشأ منطقة منزوعة السلاح وهذا الأمر لن يقبله العرب، كما أن ما حل بغزة من تدمير وخراب لا يمكن إعادته مرة أخرى في الوقت الراهن، لأنه يحتاج إلى إزالة ثم بناء، وهذا يتطلب من أهل غزة الانتقال إلى العيش في مكان آخر حتى تنتهي أعمال الإعمار، وبذلك سكان غزة ليس لديهم أي خيارات أخرى سوى الانتقال إلى سيناء المصرية.
مقومات هذا العرض متوفرة، حيث المال والمساحة، فقط ما ينقصها هو بذل جهود دبلوماسية من عدة أطراف دولية، منها، وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، ومبعوث اللجنة الرباعية الدولية للسلام في الشرق الأوسط توني بلير
الكاتب الإسرائيلي أشار في نهاية مقاله إلى أن ما تمر به مصر من أزمة مالية يدفعها إلى البحث عن موارد جديدة لعلاج هذه الأزمة، وليس أمامها في الوقت الراهن سوى التنازل عن جزء بسيط من سيناء، لأنها – أي سيناء – هي آخر الموارد البرية غير المستغلة في مصر.
احتجاجات شعبية تنديدًا بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية
60 كم داخل سيناء.. ما المقابل؟
بعد يوم واحد فقط من تصديق السيسي على قرار معاملة عاهل البحرين كالمصريين في تملك الأراضي بخليج نعمة بسيناء، كشف محمد السيد، الصحفي المقرب من دوائر صنع القرار في وزارة الخارجية عن تلقي الأخير طلبًا على لسان السفير الإسرائيلي بمصر ديفيد جوفرين بشأن شراء الكيان الصهيوني جزءًا من أرض سيناء تقدر مساحتها بحوالي 60 كم على الشريط الحدودي الملاصق لرفح الفلسطينية إلى العمق من الجانب المصري، من أجل ترحيل الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة وبعض العرب المقيمين في إسرائيل للعيش بها.
الطلب الإسرائيلي تطرق أيضًا إلى استعداد الكيان الصهيوني إلى تقديم أي مبالغ مالية تحتاجها مصر مقابل إتمام هذه الصفقة، كما تعهدت أيضا بتحمل كافة نفقات بناء المدينة الجديدة في سيناء، من بنية تحتية ومعمارية، فضلاً عن بناء بعض المشروعات الخدمية والاقتصادية بها لاستيعاب الأعداد المقرر الانتقال للعيش بها.
السفير الإسرائيلي بمصر ديفيد جوفرين طلب شراء جزء من أرض سيناء تقدر مساحتها بحوالي 60 كم على الشريط الحدودي الملاصق لرفح الفلسطينية إلى العمق من الجانب المصري
الطلب الذي لم يتم التعليق عليه من الجانب المصري حتى الآن تم تدعيمه بورقة مختصرة عن الامتيازات التي من الممكن أن تحققها مصر حال الموافقة علي هذا العرض، والذي وصفه السفير الإسرائيلي بـ “المغري”.
أول امتيازات العرض تضمن حل فوري لأزمة سد النهضة الإثيوبي، والتعهد أمام المجتمع الدولي بالحفاظ على حصة مصر من مياه النيل بل وزيادتها إن أرادت مصر، كما ستكون القاهرة طرفًا أساسيًا في الإشراف على السد بعد الانتهاء منه وبدء تشغيله.
ثاني الامتيازات التي تضمنتها الورقة الصهيونية تتعلق بتسليح الجيش المصري بأحدث أنظمة الدفاع الجوي الصاروخي، فضلاً عن بعض الغواصات البحرية المتطورة، من خلال التوسط لدى أمريكا وزيادة الدعم المخصص للقاهرة.
ثالث الامتيازات يتعلق بإعادة الدور المحوري المصري في المنطقة، بحيث تستعيد القاهرة ريادتها الدبلوماسية من جديد من خلال إقحامها كطرف أساسي في مختلف الملفات الإقليمية وفي مقدمتها الملف السوري واليمني.
أما الامتياز الرابع فيتضمن فتح صفحات جديدة مع الدول التي تختلف معها مصر سياسيًا في المنطقة وفي مقدمتها قطر وتركيا، حيث تتدخل إسرائيل وأمريكا لدى حكومة الدولتين لتحسين علاقتها بالقاهرة من خلال فتح قنوات دبلوماسية جديدة، ووقف كل وسائل الإعلام المعادية لنظام السيسي والتي تبث من هناك.
الامتياز الخامس يتطرق إلى التعاون المعلوماتي الاستخباراتي والأمني في محاربة الإرهاب وتطويقه في سيناء أو عبر الحدود الليبية أو الجنوبية.
وسادسًا، تعهد الجانب الإسرائيلي ببذل قصارى جهده لتحريك المياه الراكدة في مسيرة عملية السلام مع الجانب الفلسطيني، وبناء علاقات قوية بين البلدين تعتمد على الشراكة والاحترام المتبادل.
مصادر أخرى مقربة من الرئيس الفلسطيني عباس أبو مازن، أكدت لـ “نون بوست” أن لقاءً قصيرًا جمع وزير الخارجية المصري سامح شكري ورئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتيناهو مع الرئيس الفلسطيني على هامش المشاركة في عزاء الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، تطرق إلى مناقشة هذه المسألة وسط ترحيب فلسطيني إسرائيلي بالصفقة، إلا أن وزير الخارجية المصري طلب تأجيل النقاش في هذه القضية لحين تشاوره مع القيادة المصرية بالقاهرة، إضافة إلى عدة لقاءات سابقة التقى فيها دبلوماسيون مصريون مع القيادة الفلسطينية وتم طرح هذا المقترح.
خالد جميل، المقرب من المستشار الإعلامي للرئيس الفلسطيني أكد أن هذه الفكرة لاقت قبولاً واستحسانًا عند بعض قادة حركة فتح، إضافة إلى بعض المهتمين بالقضية الفلسطينية وفي مقدمتهم توني بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق، والذي تعهد بالسعي لإقناع القاهرة بهذه الصفقة، لا سيما وأنها ستخلصهم من صداع حركة حماس، على حد وصفه، مشيرًا أنه في حال إتمام هذه البيعة يمكن للاجئين الفلسطينيين في شتى ربوع العالم العودة إلى بلادهم بطمأنينة وهدوء دون القلق من أي تطورات سلبية، إذ إن العلاقات مع الجانب الإسرائيلي ستدخل منعطفًا جديدًا من التعاون.
الفكرة لاقت قبولاً واستحسانًا عند بعض قادة حركة فتح، إضافة إلى بعض المهتمين بالقضية الفلسطينية وفي مقدمتهم توني بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق، والذي تعهد بالسعي لإقناع القاهرة بهذه الصفقة
جميل أشار أيضًا أن حركة حماس هي المعرقل الأول والأخير لأي مفاوضات سياسية مع الجانب الصهيوني، معربًا عن عدم تفاؤله حيال موافقة حركة المقاومة على هذه الصفقة، لا سيما وهي المدعومة من قطر وتركيا، المعروفتين بعدائهما للنظام المصري، ومن ثم عرقلة أي مشروع يخدم الصالح المصري، حسبما قال.
وفي سياق متصل يلاحظ أن طريقة تعامل السلطة المصرية مع سكان سيناء لا سيما في منطقة الشيخ زويد ورفح مؤخرًا باتت مثيرة للجدل والريبة، حيث الإصرار على ترحيلهم من منازلهم بحجة محاربة الإرهاب، واستخدامه لهذه المنازل لحفر الخنادق تحتها، وبالفعل تم تخلية المكان بالكامل، ثم قصفت المنازل، وأصبحت الأرض خاوية من البيوت وأهلها، وبالرغم من تعهد الجيش حينها بأن الأمر لا يتعدى ثلاثة أشهر إلا أن الفترة الآن تجاوزت عام ونصف ومع ذلك لم يعد الأهالي إلى بيوتهم، ولم تبن المنازل التي هدمت ما يضع العديد من علامات الاستفهام.
لا شك أن مسألة تنازل مصر عن جزء من سيناء لصالح الكيان الصهيوني، حتى وإن كان للأشقاء الفلسطينيين، قضية ترتقي لدرجة المحال لدى المصريين، لا سيما وأنهم قدموا الآلاف من الشهداء والمصابين دفاعًا عنها وعن كل حبة رمل بها، إلا أن السحب السوداء التي علقت في سماء الكرامة والاستقلالية المصرية مؤخرًا تنذر بالقلق، فبعد التنازل عن تيران وصنافير للسعودية، واستماتة أجهزة الدولة لإثبات عدم مصريتهما، فضلاً عن قرار عاهل البحرين، بات النقاش في بحث قضية التنازل عن بعض سيناء أمرًا واردا، وهو ما يفرض تساؤلا مخيفا: ماذا لو؟ وهل يقبل المصريون هذه الصفقة تحت أي مبرر وأمام أي مقابل؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة.
* الأسماء الواردة في هذا المقال مستعارة نظرًا لطلب المصادر عدم ذكر أسمائهم الحقيقية.