كانوا في الماضي ربع مليون يهودي في المغرب، والآن تناقص العدد إلى ما يقرب الألفين بعد أن هاجر أكبر عدد من الجالية اليهودية إلى إسرائيل من بلد مسلم، إلا أن اليهود المغاربة ما زالوا يحتفظون بالهوية المغربية، وما زالوا يحلمون بالعودة إلى المغرب كمواطنين وليس سائحين.
بالعودة إلى قضية التأصيل التاريخي والجغرافي للعنصر اليهودي في بلاد المغرب الأقصى عامة، نجد أن الأدبيات التاريخية تؤكد بشكل لا شك فيه، أن الفئات اليهودية وطئت أرض المغرب منذ أمد بعيد يعود إلى ما قبل الميلاد بكثير، حيث قدم اليهود إلى المغرب الأقصى عبر بوابتين رئيستين: البوابة المشرقية والبوابة الأوربية، فإما أن يكونوا من أصول آيبيرية أندلسية، حيث ظلوا يتنقلون بين الأندلس والمغرب لفترات تاريخية طويلة، لكنهم اضطروا لمغادرة الأندلس في النهاية بعد سقوط غرناطة في يد المسيحيين في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي (التاسع الهجري) بعد ما تعرضوا – إلى جانب المسلمين – لكثير من المضايقات والاستفزازات من قبل العناصر الكاثوليكية المسيحية المتشددة، والمدعومة رسميًا من قبل الدوائر السياسية العليا في أرغون وقشتالة الإسبانيتين، مما أرغم اليهود على الهجرة نحو المغرب والاستقرار في العديد من مناطقه في الشمال والجنوب.
وإما أن يكونوا من أصول مشرقية قدمت إلى المغرب عبر فترات تاريخية متقطعة، وخاصة بعد الفتح العربي الإسلامي لبلاد الأمازيغ بشمال إفريقيا، إذ كانت الكثير من العناصر اليهودية ترافق الفاتحين العرب نظرًا لمعرفتها الدقيقة بمسالك وشعوب المنطقة.
ينقسم المغاربة اليهود إلى قسمين: المغوراشيم (ومعناها بالعبرية المطارد) وهم يهود الأندلس، والطشابيم الذين سكنوا المغرب قبل الفتح العربي الإسلامي، وترجع أصول الكثير من الطشابيم إلى الأمازيغ الذين تحولوا إلى اليهودية، أما المغوراشيم فهم اليهود الذين هربوا من إسبانيا (الأندلس) والبرتغال بعد طردهم من قبل الملكين فرديناند وإيزابيلا عام 1492.
من هنا مال اليهود المغاربة إلى الانعزالية في البداية، كان لهم معابدهم الخاصة، بل وأحياءهم الخاصة في المغرب، والتي عُرفت فيما بعد باسم أحياء الملاح، يطلق اسم “الملاح” على الحي الذي يقطنه اليهود في كل مدينة مغربية، حيث عاش اليهود المغاربة في انسجام كامل مع المسلمين، حيث توزع اليهود بين أكبر المدن التاريخية المغربية، كمراكش والصويرة بالإضافة إلى ميلهم لتعمير العديد من المدن الصغرى مثل صفرو (ضواحي فاس)، ودمنات (شرق مراكش)، ووزان، وتنغير (قرب الراشيدية)، كما تشير المراجع إلى أن اليهود في مدينة الصويرة شكلوا في وقت من الأوقات أكثر من نصف سكان المدينة في سابقة فريدة من نوعها، حيث كانوا موزعين بين الملاح القديم والملاح الجديد.
كانت مدينة وجدة استثناءً، حيث اختلط اليهود في نفس أحياء المسلمين، ولم يخصصوا ملاحًا خاصًا بهم، كما اشتهر الحي اليهودي بوسط المدينة القديمة بالدار البيضاء، وهي حارة كبيرة بها أكثر من 30 بيتًا، يعيش فيها العديد من المغاربة اليهود، وهو حي قديم محاط بالأسوار وله عدة منافذ، وكان مخصصًا لليهود قديمًا، قبل أن يهجروه.
كان لليهود في المغرب نشاطًا كبيرًا سواء في المجال الاقتصادي أو السياسي، فقد كان يشارك في السلطة المغربية عدد من اليهود نذكر منهم سيرج بيرديغو الذي كان وزيرًا للسياحة، وكان للملك الحسن الثاني مستشار لشؤون الاقتصادية يهودي يدعى أندريه أزولاي والذي ما زال يشغل نفس المنصب في فترة حكم الملك محمد السادس، وفي عام 1986 تم تعيين النائب اليهودي في البرلمان جو أوحنا في البرلمان المغربي عن منطقة الصويرة وأمينًا لصندوق رئاسة البرلمان.
روى المغاربة في فيلم للجزيرة الوثائقية بعنوان “طقوس وعادات اليهود المغاربة وحلمهم الأكبر بالعودة للمغرب” عن حياتهم مع اليهود المغاربة قبل هجرتهم إلى إسرائيل، فيقولون بأنه لم يكن هناك أبدًا أي فرق بينهم، فعلى الرغم من تصنيف المغاربة في ذلك الوقت ما بين يهودي ومسلم، إلا أنه بحسب وصفهم لتلك الحقبة الزمنية في المغرب، فلم تكن تلك التصنيفات لتمثل مشكلة ضخمة بينهم، فكانوا يتاجرون سويًا، ويعملون سويًا، بل ويسكنون أحيانًا معًا في نفس الدار، ولم يختلف اليهود المغاربة في الطبقات المجتمعية عن المسلمين، بل تعايشوا مع نفس الأوضاع الاقتصادية الصعبة نتيجة تحكم الاستعمار الفرنسي في ذلك الوقت.
بلغ عدد اليهود في المغرب 250 ألف يهودي في عام 1940، إلا أنه وفي الخمسينات، نشط عمل الموساد “جهاز الاستخبارات الإسرائيلي” في المغرب أثناء فترة الاستعمار الفرنسي والإسباني، بالإضافة إلى نشاط عمل الوكالة اليهودية “الجهاز التنفيذي للحركة الصيهونية” وذلك من أجل تهجير يهود المغرب إلى إسرائيل، حيث هاجر 100 ألف يهودي إلى إسرائيل ما بين عام 1948 وعام 1961، حيث تتابع “فاني مرعي” إحدي اليهوديات العائدات إلى المغرب من إسرائيل في الفيلم الوثائقي السابق بأنه لم يكن هناك أية أسباب تدعو اليهود المغاربة للرحيل، إلا أن الدعاية الصهيونية كانت ضخمة، حيث ركز الصهاينة في تلك الدعاية على الشباب، بإقامتهم نوادٍ للشباب في الأحياء اليهودية، ليتعلموا فيها الثقافة الإسرائيلية من الأغاني والرقصات والمسرحيات.
استطاعت إسرائيل في النهاية تصوير أرض الميعاد في عيون اليهود المغاربة بأنها الجنة على الأرض، وأخذت الحافلات تصطف تنتظر نقل عائلات بأسرها إلى ما يسموه بالوطن القومي لليهود، لتبدأ شوارع “الملاح” في أن تفرغ شهرًا بعد شهر وسنة بعد سنة.
اليهود المغاربة في إسرائيل
يبلغ عدد اليهود المغاربة الآن في إسرائيل ما يقرب المليون يهودي، وهو العدد الذي يضم أغلب يهود المغرب العربي من المغرب والجزائر وتونس وليبيا، إلا أن النسبة الأكبر تعود إلى اليهود من المغرب، يرغب العديد من اليهود المغاربة في العودة للحياة في المغرب وجعله النموذج الأوحد في العالم العربي للتعايش المسالم بين المسلمين واليهود، كما يرغبون من الحكومة المغربية في النظر إلى قضيتهم وتحقيق رغبتهم في الحصول على جواز سفر مغربي، ليعودوا لبلدهم كمواطنين وليس كسائحين.
فيلم “من طنجة إلى القدس.. أصداء الملاح”
أثار فيلم “تنغير أصداء الملاح” الجدل في المغرب، واتهم البعض مخرجه كمال هاشكار بـالتطبيع مع إسرائيل بسبب تصوير مشاهد كثيرة منه هناك، إلا أنه في المقابل نال إقبالاً واستحسانًا ودعمًا من اليهود المغاربة التواقين لربط جسور التواصل بين إسرائيل والمغرب.
رابط الفيلم
لا تبدو هناك نهاية واضحة للحد من الجدل المستمر بين دفاع أهل المغرب عن القضية الفلسطينية، ومحافظتهم على الرابطة الوطنية بينهم وبين اليهود المغاربة، ولكن التعايش في سلام ليس حلمًا مستحيًلا، فقد تحقق من قبل بين اليهود والمسلمين على أرض المغرب، وما زال مستمر مع من تبقى من اليهود المغاربة هناك، كما أنه ما زال يعود اليهود المغاربة إلى وطنهم الأم من أجل الحج إلى مدافن أوليائهم الصالحين، في رحلة سنوية تزيد من حنينهم إلى المغرب.