دائمًا ما تجسد السينما الأمريكية الحالة السياسية للبلاد وتستخدمها أمريكا بكفاءة عالية لتصدير صورة نمطية عن قواتها التي لا تقهر، أو ديمقراطيتها التي يحلم بها العالم، وتصورها وكأنها جنة الله على الأرض، وعلمائها وجنودها هم حماة البشرية ضد أي هجوم يهدد العالم، كما صورتها أفلام حرب الكواكب ويوم الاستقلال وما بعد 2012 وغيرها.
وباقتراب الانتخابات الرئاسية التي ستحسم هوية ساكن البيت الأبيض الجديد بين الجمهوريين والديمقراطيين في الثامن من نوفمبر المقبل، يرصد لكم “نون بوست” جانب من تناول هوليود للانتخابات الأمريكية، والمؤامرات والألعاب الخفية التي تجري خلفها من جانب المرشحين وتابعيهم، والتي بدأت مع العام 2003 بفيلم “Head of State” للمخرج Chris Rock والكاتبين Chris Rock, Ali LeRoi وبطولة Chris Rock, Bernie Mac, Lynn Whitfield وعدد من النجوم الآخرين.
الرئيس الأسود
تدور أحداث الفيلم حول مايز جيليام، وهو عضو بالمجلس المحلي في واشنطن، ويوشك على فقدان عمله، لكن موت المرشح المحتمل للحزب في حادث مفاجئ، يدفع بالحزب إلى اختيار مايلز بدلاً منه للترشح لمنصب رئاسة الولايات المتحدة.
يحيط مايز نفسه بمجموعة مختلفة من البشر لمساعدته في موقفه الجديد، من بينهم شقيقه الأكبر ميتش، وحبيبته السابقة التي ظهرت مرة أخرى في حياته على أمل أن تصبح السيدة الأولى، بالإضافة إلى مدير حملته الانتخابية مارتن، وامرأة أخرى تعمل في فريق الحملة، والتي تؤمن تمامًا بقدرات مايز على الفوز بالسباق الرئاسي.
نبوءة أوباما
الفيلم قدم فكرة جديدة على السينما الأمريكية وقتها، اعتبرها النقاد نوعًا من “الشطحات” غير الممكنة، كونه عرض لفكرة إمكانية أن يأتي رئيس أمريكي ملون البشرة، كي يحكم المكتب البيضاوي في واشنطن، في تجربة يمكن القول من خلالها أنها كانت بمثابة جس نبض، أو استطلاع للرأي العام الأمريكي أن يحكمهم رجل ذو بشرة سمراء، حيث إن الفيلم عرض الفكرة عام 2003 قبل 6 أعوام من تولي الرئيس باراك أوباما مقاليد الحكم في 2009.
غسيل الأدمغة والبطولة الوهمية
بعد عام واحد من “نبوءة أوباما” عرضت هوليود فيلمًا بعنوان “The Manchurian Candidate“، للمخرج “Jonathan Demme” والكاتب “Richard Condon” عن قصة الأديب “George Axelrod” وبطولة “Denzel Washington, Liev Schreiber, Meryl Streep” وعدد من النجوم.
تدور أحداث الفيلم عقب عودة الجنود الأمريكيين من حرب الخليج، حيث يتولى ماركو مهمة إلقاء المحاضرات عن الدور الذي لعبته وحدته في الحرب، وكيف تم الإيقاع بها في شرك صحراء الكويت، وينسب للضابط شو فضلاً لم يقم به.
بناء على تلك البطولة الوهمية يحصل شو على ميدالية الشرف، ويصبح مرشحًا لتولي منصب نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، فلا يستطيع ماركو النوم بسبب الكوابيس التي تذكره بحقيقة ما جرى في الصحراء، ويتيقن أن شو ليس بطلاً، وربما يكون وراء مصرع اثنين من الجنود في الصحراء، وحينما يبدأ ماركو تحرياته، تتكشف خيوط القصة إلى الحد الذي يجعله يتشكك فيما إذا كانت تلك القصة قد حدثت بالفعل.
الفيلم ركز على تيمة “الفانتازيا السياسية” القائمة على بعض الأحداث الواقعية في أساليب الدعاية الانتخابية، حيث يتناول مجموعة من الضباط في الجيش الأمريكي الذين يعانون من بعض الآثار الجانبية بعد الحروب التي خاضوها خارج الحدود.
أهمية الفيلم – الذي أحيا قصة فيلم كلاسيكي قديم لهوليود “ذيل الكلب”، الذي تم تقديمه في عام 1962وبنفس أسماء شخصيات الفيلم، وبطولة فرانك سيناترا في نفس دور دينزل واشنطن -، تبرز في توقيته الذي جاء بعد 3 سنوات فقط من حرب الخليج الأولى لتحرير الكويت، خصوصًا وأن تلك الفترة شهدت انتشار جدلية الخوف والحرية بكثرة في كافة نشرات الأخبار العالمية، مركزة على المؤامرات المتعلقة بالحرب، ودور الرؤساء الأمريكيين فيها، والأسرار الموجعة التي لا يعلم عنها سوى صانعي القرار السياسي، في تلك النزاعات الدولية.
مخرج الفيلم جوناثان ديمي قام باختيار الممثلة الإفريقية ثاندي نيوتن، لتحل محل الممثلة الأصلية البيضاء أودري هيبرن، والممثل دينزل واشنطن الأسود ليكون محل الأبيض فرانك سيناترا، في لفتة ذكية لانتقاد القيادة الأمريكية، ليبرز الصورة التي يكون عليها الجندي الأمريكي قبل وأثناء الحرب، والجندي الذي يصبح عليه، أو كما تريده المخابرات الأمريكية بعد قيامه بواجبه، والتستر على أي شائبة قد تثير جدلاً ، أو قد تسجل علامة سوداء في مستقبل رجل قد يكون في منصب الرئاسة يومًا ما.
طرق الأبواب
في العام 2005 جاء فيلم “Street Fight“، للمخرج “Marshall Curry” والكاتب “Marshall Curry” وبطولة “Jen Bluestein, Cory Booker, Bill Bradley” وعدد من النجوم، واستعرض الظروف المعيشية لبوكر “بطل الفيلم” ويناقش العنصرية والعرق والدين والجنس والانتماءات السياسية، وسلَّط الضوء على قضايا الأقليات في نيوارك، وكيف فشلت حكومة المدينة في التعامل مع هذه القضايا، كاشفًا عن أساليب جديدة ومختلفة بعيدة عن وسائل الإعلام المستخدمة في الدعاية الانتخابية، حيث يركز على أسلوب طرق الأبواب الذي اتبعه المرشح الشاب كوري بوكر في عام 2002، ضد شارب جيمس عمدة نيوارك بولاية نيوجيرسي، وهو أسلوب – بحسب صناع الفيلم – من شأنه أن يعزز علاقة الناخب بالمرشح، من خلال عرض النتائج المذهلة التي ضمنت لبوكر مقعد عمدة نيوارك.
فضيحة الفرز الآلي
في العام 2008 برز فيلم “Recount” للمخرج “Jay Roach” والمؤلف “Danny Strong” ومن بطولة “Kevin Spacey, Bob Balaban, Denis Leary” وكتيبة من النجوم، ويتناول عملية إعادة فرز الأصوات في عام 2000 بين جورج دبليو بوش وآل جور، حيث بدأت الانتخابات في 7 نوفمبر، وانتهت بتسوية المحكمة العليا الجدل القانوني حول إعادة فرز الأصوات في انتخابات ولاية فلوريدا عبر الحكم بـ 4-5 لصالح بوش، دون اللجوء للفرز اليدوي، وخاصة في ضوء الإحصاءات القاتلة التي كشفت عنها عملية الفرز الآلي، وتقوم وسائل الإعلام والأحزاب السياسية والجماهير بالتركيز على إعادة عملية فرز الأصوات يدويًا، فيصدر المتحدث الرسمي لمحكمة فلوريدا العليا قرارًا بمد الموعد النهائي للنتيجة، لإجراء إعادة الفرز، لكن المحكمة العليا للولايات المتحدة ترفض القرار، وتتخذ موقفًا عدائيًا من محكمة فلوريدا.
تألق في الفيلم النجوم كيفين سبيسي وجين أتكينسون وديريك سيسيل، وهو ما أدى إلى تفكير شبكة Netflix في تنفيذ عمل فني مختص بكيفية عمل البيت الأبيض، فكان العمل هو House of Cards، وتم اختيار الثلاثي المشار إليهم سالفًا على رأس قائمة طاقم العمل.
فساد السلطة
في العام 2011 طرح جورج كلوني فيلمًا سياسيًا بعنوان “The Ides of March“، من تأليف “Grant Heslov”، واختار لبطولته كل من “Paul Giamatti, George Clooney, Philip Seymour Hoffman” .
تدور أحداث الفيلم حول الانتخابات الرئاسية الأمريكية التى تقوم على الخداع، حيث يلقى العمل نظرة محددة على السياسات الحزبية الأمريكية، من خلال المأثورات القديمة حول الفساد المتعلق بالسلطة، كما يكشف لنا الفيلم تحقيقًا هامًا حول متاعب الحياة الأمريكية العامة.
وعلى الرغم من أن الفيلم مستوحى من أحداث الانتخابات التمهيدية لعام 2004، لكنه لم يركز عليها فحسب، بل تم التطرق إلى الحسابات الشخصية والمكاسب التي يمكن لأي شخص الحصول عليها، إذا كانت لديه ورقة الضغط الملائمة للعب بها في الوقت المناسب.
الفيلم يحكي عن ستيفن مايرز “رايان غوسلينج” مدير حملة حاكم ولاية بنسلفانيا، والمرشح الديمقراطي للرئاسة مايك موريس “جورج كلوني” ضد السيناتور تيد أركنساس في الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الديمقراطي.
وفقاً للفيلم، لم يتم اختيار الرئيس في الانتخابات التمهيدية بسبب الكاريزما أو قوته، وإنما عن طريق معركة طويلة شرسة بين المستشارين وحسابات من الاتفاقيات السياسية.
الجمال قبل البرنامج
في فيلم “Game Change“، للمخرج “Jay Roach” والمؤلفين “Danny Strong, Mark Halperin” والنجوم “Ed Harris, Julianne Moore, Woody Harrelson”، الذي استهدف الجمهور الأمريكي في المقام الأول، من ناحيتين، حيث يحكي تجربة سياسية قريبة وحاضرة في وجدان الأمريكيين، خصوصًا مع اقتراب نهاية الولاية الأولى للرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي فاز في انتخابات 2008م عن الحزب الديمقراطي، كما أنه يسلط الضوء على شخصية سياسية كانت مثار جدل كبير في أهليتها “سارة بالين”، وكيف وصلت إلى هذا المرتفع السياسي، وهو فيلم مقتبس من الكتاب الذي حقق مبيعات هائلة لداني سترونغ.
الرئيس أوباما
استند صناع الفيلم إلى الألاعيب التي يتقنها صناع السياسة، وإمكانية الاستعانة بمرشحين بلا كفاءة بسبب الضرورة، وهو مأخوذ عن أحداث حقيقية وقعت خلال الحملة الانتخابية الرئاسية للمرشح الجمهوري جون ماكين في انتخابات 2008، حين كان يريد أن يكون جو ليبرمان نائبًا له خلال السباق الانتخابي، إلا أن المكتب الاستشاري للحزب الجمهوري رأى أن ليبرمان لن يكون مفيدًا في الصراع أمام السيناتور الديمقراطي باراك أوباما، واختار سارة بالين ملكة الجمال السابقة بدلاً عنه؛ لتوفير بعض الحظ للمرشح الجمهوري الكبير في السن، وبالفعل استطاعت أن تؤجل حسم الانتخابات الأمريكية للحظات الأخيرة.
واكب الفيلم ترشح أوباما للفترة الرئاسية الثانية، وتطرق للصراعات التي تنشأ بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في سبيل السباق للسيطرة على المكتب البيضاوي.
نحن من نصنع الرئيس
الفيلم الأخير في سلسلة الأفلام السياسية لهوليود هو “Our Brand Is Crisis” الذي نزل للأسواق في العام الماضي 2015، للمخرج “David Gordon Green” والمؤلف “Peter Straughan” عن وثائقي “Rachel Boynton” للأبطال “Sandra Bullock, Billy Bob Thornton, Anthony Mackie”.
تدور أحداث الفيلم خلال الانتخابات الرئاسية البوليفية التي جرت في عام 2002، حيث يستقدم أحد المرشحين “بيدرو كاستيلو”، مستشارة حملات انتخابية أمريكية “جين بودين”، بهدف مساعدته على الفوز أمام المرشح المنافس، وتتعرض المستشارة الأمريكية للعديد من العقبات والعوائق التي تصل لحد التهديدات لها منعًا لها من مساعدة هذا المرشح.
المغزى من الفيلم الذي أنتجه جورج كلوني وجرانت هيسلوف، هو إظهار أن لعبة الانتخابات وفن إدارتها صناعة أمريكية، كنوع من تصدير القوة والهيمنة على القارة الجنوبية.
الفيلم استوحى أحداثه من وقائع حقيقية، للمحامي عضو الحزب الديمقراطي الأمريكي “جيمس كارفيل” ومساعد الرئيس السابق بيل كلينتون “جيريمي روزنر”، وغيرهما من السياسيين عندما ذهبوا إلى بوليفيا لإدارة حملة إعادة انتخاب الرئيس “غونزالو سانشير دي لوسادا” عام 2002.