منذ بداية إدارة القاهرة لدولاب علاقاتها الإقليمية والدولية، فإنها تقف في ذات الموضع الذي تقف فيه الآن، وإنما كان كل ما على مستوى العلاقات المصرية السعودية، وفي إطار مناورات لتحقيق أهداف مرحلية كانت تتطلب ذلك.
فيما القاهرة تحت حكم عبد الفتاح السيسي، فهي تقف في ذات المكان الذي تقف فيه الآن فيما يخص الأزمة السورية والعلاقات مع روسيا، ضمن سلسلة مواقف مبدأية لم تتغير، فقط تم التمويه عليها لحاجة في نفس يعقوب قضاها!
يفسر البعض خروج التنسيق المصري الروسي إلى العلن، بأن مسار العلاقات المصرية الخليجية، والسعودية على وجه الخصوص، قد وصل في المرحلة الراهنة إلى مرحلة لن يمكن معها تحقيق أي تقدم
ولمزيد من الدقة، فإن الموقف يضم بعض الأطراف الإقليمية الأخرى، التي وظَّفت علاقاتها مع السعودية لأجل تمرير سياسات لا تتعلق بمصر فحسب، وإنما بدول الربيع العربي بالكامل، بما فيها ليبيا واليمن، وعلى رأس هذه الأطراف، الإمارات العربية المتحدة، التي تكاد تتفق مع القاهرة في حدود كل ما تم إلى الآن.
ولربما كنا نمر في الوقت الراهن بلحظة الحقيقة، التي ظهرت فيها حقيقة التحالفات والمواقف التي تبنتها القاهرة منذ انقلاب يوليو 2013م، والتي تستند إلى مصالح واعتبارات لا يمكن للنظام الحالي في مصر تجاوزها، وتُعتبر من صميم أمنه القومي، ويطرحها على الرأي العام باعتبار أنها صنو الأمن القومي المصري، وعلى رأسها كسر أية احتمالات لنجاح ما بدأ في 2010/2011م، باعتباره ثورات شعبية تطالب بحقوق من قاموا بها، ومنعه بأي حال من الأحوال من إسقاط الدولة الوطنية “National” وليس “Patriot” بأنظمتها الحالية، وتكوين بديل.
فهذا الأمر لو تحقق في أية دولة، فسوف يكون بمثابة تأثير “الدومينو” على باقي الدول العربية التي تحكمها الأنظمة الجمهورية العسكريتارية والأنظمة الملكية والوراثية التقليدية.
رؤية القاهرة للأزمة السورية
تُعتبر الأزمة السورية من أهم هذه النقاط المفصلية التي تُعبر عن تفكير القاهرة في السنوات الثلاث الماضية على النحو السابق، حيث إن انتصار المعارضة السورية، سوف يعني تفكيك كل ما سعت إليه القاهرة في هذا الاتجاه بالتعاون مع حلفائها “الحقيقيين” في المنطقة، وخارجها.
فلو سقط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، على النحو المطروح حاليًا من جانب المعارضة المسلحة، فإن ذلك سوف يعني قابلية النموذج للتكرار في دول أخرى، وعلى رأسها مصر بطبيعة حال الانقلاب الذي حكمها على حساب الشرعية التي أتت به صناديق الاقتراع، كما أنه سوف يعني وجود العدو الأكبر للنظام الحالي في مصر، وهو الإخوان المسلمين، ضمن نظام الحكم الجديد في سوريا.
ولا ينفصل هذا الحديث عن ظواهر عدة حصلت في الفترة الأخيرة، بل على العكس، هو يفسرها، الأولى التباعد الحاصل في المواقف والسياسات بين الإمارات والسعودية، وبدت أكثر ما بدت في اليمن، فيما سوف يتم رصده في موضعٍ تالٍ.
ربما يفكر النظام المصري أن الحفاظ على استقرار مصر وبناء تحالفات بديلة، سوف يجبر كل من الخليج والولايات المتحدة على الاستمرار في دعمه
كما يفسر ذلك الدور المتصاعد للقيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان، الذي يلعب أهم الأدوار في تنفيذ سياسات تحالف القاهرة/ أبو ظبي الحقيقية، والذي بدأ دوره يخرج إلى العلن، مع دعم القاهرة الذي بدا صريحًا في مؤتمر العين السخنة الذي عُقِد هذا الأسبوع، بعنوان: “إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية: (فتح نموذجًا)”، بتنظيم من المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، المقرب من المخابرات العامة المصرية، التي تعتبر المسؤول الأول عن الملف الفلسطيني في دوائر صناعة القرار المصرية.
المؤتمر حضره الأمين العام لجامعة الدول العربية ذاته، أحمد أبو الغيط، مما يدل على أهميته، وأثار أزمة كبرى في العلاقات بين حركة “فتح” وبين القاهرة، التي بدأت – وفق شواهد عديدة لا تخطئها العين – في التخلي عن حليفها القديم، رئيس السلطة الفلسطينية المنتهية ولايته محمد عباس، الذي يتزعم حركة “فتح” ومنظمة التحرير الفلسطينية، الذي ولَّت أيامه كما يبدو!
العلاقات مع روسيا والأزمة مع السعودية.. وجها العملة
الحديث السابق، كان هو الإطار العام للصورة، أم المحتوى، فيتعلق بتطورَيْن أساسيَّيْن مرت بهما السياسة الخارجية المصرية في الفترة الأخيرة، الأول هو التصاعد اللافت في العلاقات المصرية الروسية، والتي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة بالفعل كما سوف نرى، والثاني هو الأزمة الراهنة في العلاقات بين القاهرة والرياض، وكلاهما لا ينفصل عن الآخر.
التطور الأول، من الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه تضمن مواقف وتطورات هي الأولى في تاريخ العلاقات بين القاهرة وموسكو، وعلى رأس هذه التطورات المناورات التي جرت في المنطقة العسكرية الغربية في مصر، تحت اسم “حماية الصداقة 2016″، وكانت تحت عنوان كبير هو “مكافحة الإرهاب”.
المناورات شملت عمليات إنزال لآليات عسكرية وقوات مظلية روسية من الطائرات، وتُعتبر الأولى للجيش الروسي في مصر وإفريقيا، واستهدفت التدريب في المناخ الصحراوي المصري.
في إطار السوابق المصرية الروسية كذلك، أشارت تقارير إلى أن حاملة الطائرات الروسية “الأميرال كوزنيتسوف” التي تُعتبر الحاملة الروسية الوحيدة في مياه البحر المتوسط، سوف تزور السواحل المصرية بعد إنجاز مهمة لها في سوريا في فترة قريبة قادمة.
وتنضم إلى هذه الحزمة من التطورات، تصويت مصر في جلسة مجلس الأمن الدولي التي عقدت السبت 8 أكتوبر، على مشروع القرار الروسي بشأن سوريا، والذي كان إحدى محطات خروج الخلافات المصرية السعودية إلى حيز العلن.
وثمَّة نقطة هنا علقت عليها دوائر إعلامية ودبلوماسية سعودية، وهو أن القاهرة في مجلس الأمن لا تمثل نفسها، بخلاف مقعدها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث هي ممثل المجموعة العربية في الدورة الحالية للمجلس، وبالتالي، كان من المفترض أن تلتزم بالتنسيق مع باقي الأطراف العربية في مسألة التصويت قبل الجلسة.
هذه كلها تطورات جديدة لكنها لا تُعبر عن مستجد في العلاقات المصرية الروسية، حيث حصلت القاهرة في السنوات التي تلت انقلاب يوليو على حزمة أسلحة روسية متطورة في مجالات مختلفة، وليس في مجال الدفاع الجوي فحسب، مثل منظومات “بوك” و”تور. إم”.
كما تتفاوض القاهرة مع موسكو على صفقات سلاح أخرى، من بينها طائرات هليكوبتر مقاتلة من طراز كاموف، من نفس النوعية العاملة على حاملة الطائرات “الأميرال كوزنيتسوف”، لتغطية احتياجات حاملتي المروحيات من طراز “ميسترال” التي اشترتها القاهرة من فرنسا، وتسلمتهما هذا العام.
ويفسر البعض خروج التنسيق المصري الروسي إلى العلن، بأن مسار العلاقات المصرية الخليجية، والسعودية على وجه الخصوص، قد وصل في المرحلة الراهنة إلى مرحلة لن يمكن معها تحقيق أي تقدم.
الوول ستريت جورنال الأمريكية، فسَّرت التقارب المصري الروسي الأخير، أو ظهوره إلى العلن، أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي “ضاق ذرعًا بالانتقادات الغربية لسجل نظامه في مجال حقوق الإنسان، مما يدفعه للاقتراب أكثر وأكثر نحو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين”.
ونقلت عن أندرينك مايجرنيان، الأستاذ بمعهد موسكو أستيت للعلاقات الدولية، قوله إن جميع دول المنطقة أصبحت تفضل البحث عن داعمين وحلفاء بعيدًا عن الولايات المتحدة خوفًا من وضع أنفسهم تحت رحمة الهيمنة الأمريكية، وأشار إلى تخلي واشنطن عن حليفها السابق، الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك.
أما الكاتب الروسي يورسلوف تريفيموف، فقد ذكر أن مصر تعول على التقارب مع روسيا، في استعادة التدفق السياحي الروسي إلى البلاد، لدعم العملة المحلية المنهارة.
وهذه الرسالة وصلت حتى للمعارضة المصرية في الخارج، حيث قالت مها عزام، رئيسة المجلس الثوري المصري، إن تحسين العلاقات المصرية الروسية “يرسل رسالة إلى دول الخليج بعدم حاجة السيسي للاعتماد عليها بشكل كامل”.
وربما يفكر النظام المصري أن الحفاظ على استقرار مصر وبناء تحالفات بديلة، سوف يجبر كل من الخليج والولايات المتحدة على الاستمرار في دعمه.
سياسات الرياض غير المجدية!
لربما يعود ذلك إلى سياسات الرياض بالفعل، والتي تحركت بعصبية بالغة، أفقدتها أهم حلفائها الإقليميين، فيما الحلفاء الآخرين المحتملين، مثل تركيا وقطر، لا يمكن التعويل عليهم في ظل طبيعة إدارة هذه الأطراف لسياساتها وفق منظور يختلف تمامًا عن مطالب الرياض.
بدايةً، أخطأت الرياض في تقدير الموقف مع القاهرة عندما اعتبرت أن الدعم المالي يمكنه أن يحقق كل شيء، وهو أمرٌ قد يصلح في بعض الأمور ولكن ليس في كلها كما سوف نرى، ومع تمسك الرياض بمواقفها الجامدة، ووضعها الموضوع الإيراني على رأس أولويات تعاملها مع كل ملفات الإقليم، واعتبار العلاقات مع إيران أو الموقف منها بمعنى أدق، هو معيار التقييم الوحيد لها، لهذه الدولة أو ذاك، وإصرارها على خيارات عسكرية غير حاسمة، فشلت سياسات الرياض، وأدت إلى عزلتها الراهنة إقليميًّا.
وكان ذلك واضحًا منذ البداية، عندما نأت الدول الإسلامية الكبرى مثل إندونيسيا وماليزيا وباكستان – التي تعتبر الرياض الممول والداعم الأكبر لها ولجيشها – عن صراعات الرياض الطائفية الطابع، لأن هذه الدول بها أقليات وظروف سياسية أخرى يجب أن تراعيها حفظًا للاستقرار الداخلي لديها، ورفضت بالتالي المشاركة في التحالف العربي الذي يحارب في اليمن.
ثم جاء الانسحاب المغربي الرسمي والتراجع الإماراتي والمصري والأردني عن المشاركة في العمليات الجوية والبرية، والاكتفاء بعمليات تأمين مدينة عدن ومناطق الجنوب التي تم انتزاع السيطرة عليها من الحوثيين وأنصار الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، ومياه بحر العرب وخليج باب المندب.
في حالة الإمارات ومصر، مست سياسات الرياض مصالح أمن قومي حقيقية، وخصوصًا في ظل حالة من عدم الرشادة والتذبذب التي تميز في الغالب العصبية السياسية التي تتحرك بها الرياض.
وبقطع النظر عن مواقفنا القيمية أو انتماءاتنا السياسية، فإن الرياض عملت على بناء علاقات تنسيق مع بعض الأطراف من الإخوان المسلمين، وتوجهت إلى تأسيس شراكة سياسية وأمنية مع تركيا، وهي بينها ما بينها من أزمات صفرية مع القاهرة، بينما قضية الإخوان المسلمين بالنسبة لأبوظبي، بمثابة خطيئة لا يمكن غفرانها، حيث بقاء نظامها بالمعنى الحرفي للكلمة، مرتبط بعدم وجود الإخوان.
وفي موضوع الحرب على اليمن على وجه الخصوص، كان الهم المصري أساسًا هو أمن باب المندب، وليس الأمر دعم السعودية في حد ذاته، إلا أن السياسات السعودية في اليمن، قادت إلى العكس في موضوع باب المندب، ووصل حلفاء إيران هناك إلى درجة مكنتهم من تهديد البحرية الأمريكية نفسها هناك، حيث تم إلى الآن رصد ثلاث حالات إطلاق صواريخ على بوارج حربية أمريكية خلال أسبوعين فحسب، ودمرت سفينة إماراتية بالفعل.
وبالنسبة لمصر، فإن أهمية باب المندب ليست في ضمان أمن الملاحة في قناة السويس فحسب، بالرغم من أن ذلك الأمر هو في حد ذاته مصلحة أمن قومي مصرية، حيث باتت القناة هي أهم مصادر النقد الأجنبي بالنسبة لمصر، في ظل أزمة قطاع السياحة وعدم وجود استثمارات أجنبية ترفد الاقتصاد المصري بالنقد الأجنبي.
ولكن أهمية باب المندب وأمنه بالنسبة لمصر أيضًا، في أنه لو تهددت الملاحة في قناة السويس، فلن تقبل أية دولة المشاركة في “محور تنمية قناة السويس”، وهو في صلب خطط النظام لتأمين الحالة الاقتصادية والمالية العامة، وكل ذلك لا يعوضه المال السعودي، خصوصًا وأن النظام الانقلابي في مصر، متهم بأنه أضاع استقلال القرار الوطني بالمال الخليجي، وبأنه فرط في مصالح أمن قومي مصرية لمصالحه الخاصة بعلاقاته مع الخليج.
إلا أن العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، أو بمعنى أدق، نجله وزير الدفاع محمد بن سلمان، ولي ولي العهد، والمسؤول الأساسي عن توجيه السياسات السعودية في الوقت الراهن، في الداخل وفي الإقليم، ظن أنه، وبمنطق “بفلوسي” يمكنه أن يرقص على كل الحبال، وما على الآخرين سوى الاستجابة!
الطريف أن ابن سلمان حاول ذلك مع الولايات المتحدة، فكان الرد الأمريكي المعتبر، في إقرار قانون “جاستا”، ولم يجدِ المال السعودي أي نفع في الحالتين، المصرية والأمريكية.
ومما يقول إن الافتراق المصري السعودي بدأ من فترة، هو أن ترتيب الحوادث يبرز أن قرار شركة “أرامكو” السعودية بوقف صادرات المشتقات النفطية إلى مصر عن شهر أكتوبر، بموجب اتفاق موقع مع الهيئة المصرية العامة للبترول، في ربيع العام الجاري – تغطي 40% من احتياجات مصر من المشتقات النفطية – قد سبق التصويت المصري على القرار الروسي في مجلس الأمن، وليس العكس.
فوكالة “رويترز” نشرت الخبر المقتضب الخاص بطرح مصر لمناقصات جديدة لاستيراد مشتقات نفطية بديلة، بعد ساعات من التصويت، مما لا يسمح بالقول بأنه قد تم إبلاغ “أرامكو” للهيئة المصرية العامة للبترول، بقرارها، ثم طرح القاهرة لمناقصات بديلة، لا سيما وأن القاهرة أعلنت تعويض كميات “أرامكو” في اليوم التالي، وهو ما لا يمكن إلا لو كانت القاهرة قد طرحت هذه المناقصات منذ بداية أكتوبر عندما تم إبلاغها من “أرامكو” بهذا القرار، وهو ليس بالقرار السهل الذي يؤخذ في يوم أو اثنين.
ومن خلال الخطاب السياسي والإعلامي المصري الرسمي، حتى على مستوى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فإن القاهرة هي التي تملك زمام الأزمة، وتشهرها في وجه الرياض وليس العكس.
فبالتأمل في تصريحات السيسي خلال احتفالية الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة بذكرى حرب رمضان/ أكتوبر 1973م، كان خطابه شديد الجفاء، وتعمد التأكيد على قدرة مصر على توفير بدائل للنفط السعودي، مشيرًا إلى أن مصر حريصة على استقلال قرارها الوطني، مع إشارة هامشية حول “متانة” العلاقات مع السعودية والخليج.
ولربما كان السماح للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بالظهور علنًا على قناة “روتانا خليجية” المقربة من النظام السعودي باعتبار أن مالكها هو الأمير الوليد بن طلال وباعتبار أن الإعلام السعودي موجه بشكل عام، وسماح الإعلامي جمال خاشقجي، الذي استضافه، والمعروف عنه أنه مؤيد للإخوان، لأردوغان بالهجوم المباشر على النظام المصري، من خلف شاشة إعلامية سعودية معتبرة، له دور في الأزمة.
المهم، أنه ومما يدل على أن الأمر أبعد من النقطة الزمنية الراهنة، نقف أمام حدث مهم هنا، وهو سيطرة قوات خليفة حفتر في بنغازي، على الهلال النفطي الليبي الذي يضم موانئ ومصادر النفط الليبية بالكامل، مع إعلان حلفاء النظام المصري في ليبيا صراحة عن استعدادهم لتلبية احتياجات مصر النفطية، وكان هذا الكلام قبل قرار “أرامكو”، أو بمعنى أدق، قبل الإعلان عن قرار “أرامكو”.
وحتى الحلفاء الخليجيين الآخرين، مدركين تمامًا لأهمية الدور المصري، فبقوا على وضعهم في علاقاتهم مع مصر، ولم يستجيبوا لأية ضغوط من الرياض في هذا الشأن، وخصوصًا الكويت، التي تشير تقارير إلى أنها على استعداد لمنح مصر تسهيلات في أسعار النفط.
في المقابل، تكون الرياض مخطئة لو ظنت أن الأتراك سوف يعوضوها ذلك، فالمحرك الأساسي للحكومة التركية الآن، هو أمن تركيا القومي، خصوصًا وأن الانتقادات الداخلية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حتى داخل حزبه، متصاعدة بسبب سياساته في السنوات الماضية، وهو مجبر على تصحيح ذلك، حتى ولو تحالف مع الشيطان الإسرائيلي والشيطان الروسي والشيطان الإيراني – وهذا حصل فعلاً – ولذلك فلن تعطي تركيا السعودية أي موقف على أساس الصداقة بين البلدَيْن فقط.
وبالفعل، فإن الإعلام السعودي بدأ في الحديث عن أزمة أو على الأقل خلافات في وجهات النظر مع كل من قطر وتركيا فيما يتعلق بالملف الإيراني، ولذلك خفتت حماسة الإعلام السعودي في الحديث عن تنسيق ما مع تركيا، بعد صعود كبير في وتيرة الآمال المعلقة على التحالف مع تركيا، على خلفية معركة الموصل وملف السُّنَّة هناك، خلال وعقب زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف، إلى تركيا قبل أسبوعين.
وفي نهاية هذا العرض، يبقى ملمح مهم، وهو أن القاهرة في الفترة المقبلة سوف تكون معرضة لاختبارات ملغومة بالفعل، فلو أقرت الرياض بأن حاجتها إلى مصر أمرٌ استراتيجي، ولا يمكن التفريط في علاقاتها مع القاهرة التي تضمن أمن نظام آل سعود، فإن الأزمة الفرنسية الروسية، والتي وصلت إلى درجة القطيعة، بعد إلغاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لزيارة كانت مقررة له هذا الشهر إلى فرنسا، قد تفرض على القاهرة الكثير من الاحتمالات غير المبهجة.
فإما أن تنجح القاهرة في ترتيب سياساتها على نحو أكثر حذرًا باعتبار أن فرنسا من أهم حلفائها في الغرب الآن، أو ألا تنجح في ذلك، فتقع في مشكلات قد لا تجدي معها أية اعتبارات للموازنة إذا ما وصلت العلاقة بين روسيا والاتحاد الأوروبي على خلفية الأزمة السورية والأزمة الأوكرانية إلى درجة المواجهة الشاملة، لا سيما وأن فرنسا طرف مهم في العقوبات الأوروبية على موسكو على خلفية دعم موسكو للانفصاليين الأوكرانيين.