من أكثر المزاعم شيوعاً عند الأردنيين عند سؤالهم عن الإنتخابات هي “نحن مجتمع عشائري، وستظل العشائر هي المهيمنة دائماً على الإنتخابات”.. و في الحقيقة أن منذ عام ١٩٨٩ نفس العشائر هي التي تهيمن على الإنتخابات، ولكن بالنسبة للإنتخابات التي جرت قبل إسبوعين، فقد خضعت اللوائح الإنتخابية لمجموعة من الإصلاحات في محاولة لتشجيع الأحزاب السياسية.
يبتعد النظام اخيراً عن نظام “الصوت الواحد” ، واتهم هذا القانون بأنه يخدم رجال الاعمال الأثرياء أو مرشحي العشائر الآقوياء الذين يمكنهم شراء أصوات الناخبين بطريقة مباشرة أو عن طريق الوعود الشخصية في حالة الفوز بالمقاعد البرلمانية.
وبموجب هذا القانون، كانت الاحزاب السياسية القوية والكتل التشريعية تقريباً غائبة تماماً عن البرلمان.
كان الملك عبدالله الثاني واضحا جدا حول أهدافه من أجل الاردن، وواحد من أهدافه هو انتخابات أحزاب سياسية على أساس برامجهم التشريعية، وبعد سلسة من الاجتماعات والنقاشات أشار إلى رغبته في أن يكون البرلمان حيوي ونشط يتكون من الكتل الحزبية التي تقوم بالتشريعات والنقاشات بناء على البرامج السياسية، ومع ذلك تظل مسألة انشاء نظام حزبي بعيدة المنال بالأردن.
بعد أكثر من عامين في ملاحظة أداء العمل الميداني القائم على السياسة البرلمانية في الأردن، أرى أن الأردن يواجه ثلاثة تحديات رئيسية قبل أن يبدأ أن يتوقع أداء برلماني قائم على أساس حزبي:
أولاً: النظام الانتخابي يحتاج الاستقرار- أو على الأقل ضمان أن أي تغييرات لاحقة سيتم اعتمادها والإعلان عنها قبل أعوام من الإنتخابات التالية.
ثانياً: على الأردن أن تنشىء مساراً واضحاً لكي تكون التشريعات بيد البرلمانين أنفسهم.
ثالثاً: حملة تعريفية مدنية لجميع شرائح المجتمع لشرح أهمية الأحزاب السياسية وكيف يعمل نظام التصويت.
تقريبا واجهت جميع الانتخابات البرلمانية بالأردن تغييرات تتعلق بقواعد التصويت والدوائر الانتخابية، وذلك عبر الانتخابات الثمانية ما بين عامي ١٩٨٩ و ٢٠١٦، وقد استخدم النظام أربع انواع مختلفة من النظم الانتخابية.
عدم وجود قواعد انتخابية ثابتة في الاردن يعزز الفوضى بين المرشحين والناخبين، مما يعيق قدرة الاحزاب السياسية على القيام بعمل جيد في الانتخابات.
والأكثر إثارة للقلق من عدم الاتساق في العملية الانتخابية بالأردن هو حقيقة عدم الإعلان عن التغييرات في القوانين إلا قبل فترة صغيرة جداً من الإنتخابات! هذا العام مثلاً لم يتم الإعلان عن موعد الانتخابات العامة نفسها إلا في نهاية شهر مايو، بينما تم الاعلان عن عدد من اللوائح الهامة المتعلقة بالتمويل الحكومي للاحزاب السياسية وعمليات التصويت في شهر اغسطس!
قد يقول البعض أنه بدلاً من أن تلجأ الحكومة الأردنية الى القوة المطلقة، فإنها تقوم بالتعامل مع المنافسين السياسيين عن طريق سياسة “الإرباك”.
“رمزي داي” رئيس المعهد الدولي الجمهوري بعمان، ورئيس لجنة دولية لمراقبة الانتخابات أوضح أن سياسة الحكومة الأردنية المغيرة دائماً بشأن الانتخابات تؤثر سلباً على قدرة الأحزاب في التركيز على حكم أنفسها داخلياً، لأنها تقضي وقتاً طويلاً جداً في محاولة استنتاج ماذا سيحدث مستقبلا بدلاً من وضع خطط استراتيجية عن كيفية القيام بأفضل عمل في الانتخابات.
كانت الآحزاب السياسية محظورة بالاردن وتم تفعيلها قانونياً مرة اخرى عام ١٩٩٢، وإن كانت الاحزاب السياسية القوية – هدف الملك المعلن- ستظهر يوماً للنور، فإنها يجب أن تعلم عن قواعد الانتخابات قبل فترة طويلة من الانتخابات التي تقام بالفعل!
“ديمة طهبوب” – مرشحة على قائمة انتخابية اسلامية تعتبر الذراع السياسي لجماعة الاخوان المسلمين، صرحت قبل الانتخابات قائلة: “من حق الأحزاب السياسية أن تعرف عدد سنوات الدورة الانتخابية في وقت مبكر، لكي نستطيع أن نقوم بإعداد حملات انتخابية من شأنها أن تقنع الناخبين المتشككين بعدم أهمية دعم نظام حزبي بالأردن، لقد اعتدنا على النظام الواحد، ولكن كل شيء يتغير.. نحن نريد حالة من الاستقرار ولا داعي للمزيد من القوانين المؤقتة”.
في النظم الحزبية المتطورة، تتعلم الأحزاب من أخطائها، وتعمل أكثر على نقاط القوة من دورة انتخابية إلى اخرى، وبما أن قواعد اللعبة تتغير باستمرار، فإن الاحزاب لن تستطيع أن تبني معرفة مؤسسية كاملة للإستفادة منها في الحملات المستقبلية.
يستند النظام الجديد على نظام التمثيل الجزئي أو القائمة المفتوحة، ولقد انتج هذا النظام الجديد بعض الجوانب الايجابية مثل إنشاء تحالفات متنوعة، تم دمج ال ٤٥ منطقة انتخابية التي كانت معتمدة عام ٢٠١٣ لتصبح ٢٣ منطقة فقط.
وكما قال “عامر بني عامر” مدير مركز الحياة لتنمية المجتمع المدني، في مقابلة له هذا الشهر أن المناطق الأكبر تشجع المرشحين على تلبية مجموعات أكبر وأكثر تنوعا من الناخبين.
وبالفعل، فقد شكل حزب جبهة العمل الإسلامي القوائم التي شملت المرشحين الإسلاميين والخلفيات القبلية وكذلك المسيحيين والشركس والشيشان والنساء، وفاز في التحالف الوطني للإصلاح 15 من أصل ما يقارب 130 مقعدا.
وقد حصلت النساء على 20 مقعدا، بينهم خمسة من خارج الكوتا، ولكي تحصل المرأة على مقعد (غير الكوتا) في انتخابات عام 2013 لم تكن تحتاج أكثر من 5000 صوتا، في حين أن هذا العام المقعد المتوسط يساوي حوالي 9700 صوتا.
وبعيدا عن جبهة العمل الاسلامي – والذي طالما اعتبر التحالف السياسي الاكثر تنظيما ووحدة بالبلاد- فإن القانون الحالي قد فشل في تحفيز المرشحين على قوائم حزبية ذات ايدولوجية، كما فشل في تشجيع الناخبين على الاصطفاف حول القوائم، ١٨٪ فقط من المرشحين كانوا تابعين لأحزاب!
ونتيجة لذلك فإن أغلبية المقاعد قد فاز بها مرشحين مستقلين، ويعتقد المحللون السياسيون المحليون أن جزءا من ذلك يرجع إلى عدم وصول أصوات الناخبين للحد الادنى من التصويت المطلوب للفوز بالمقاعد، وهو الأمر الذي طالب به المتحدثين عن الأحزاب السياسية تحديداأ اثناء مناقشة اللوائح الجديدة ولكن تم تجاهلهم.
وما وراء اللوائح الانتخابية، يجب مكافآة السياسيين من أجل بناء تحالف مع السلطة الحقيقية، وكما هو الوضع الآن فإن البرلمان لا يزال هو سلاح الملك الذي يهيمن عليه ويسيطر سيطرة كاملة فهو من يعين المجلس الأعلى بأكمله (الأعيان)، وكذلك مجلس الوزراء ومعه حق النقض على أي تشريع ويحتفظ بصلاحية حل البرلمان كذلك!
دستوريا، يتم تعيين مجلس النواب الأردني مع صلاحيات إنشاء وتعديل وإصدار التشريعات ورصد نشاط الوزراء والأنشطة الوزارية، والإشراف على الميزانيات الحكومية.
وبقدر ما يحاولون، يقر أعضاء البرلمان أن أي تشريع جديد يعد تحديا صعب جداً مع النظام، تقتصر مهام مجلس النواب اليوم على التعديل فقط على ما يتم ارساله إليهم من تشريعات، ولا يمكنهم توسيع التحقيق خارج الاطار المرسل لهم.
وإذا أبدى المجلس رغبته في رفض أي قانون أو تشريع مرسل له من الحكومة، فإن ذلك يتطلب عقد جلسة مشتركة للمجلسين، ولا بد من تصويت ثلثي أعضاء المجلسين ضد القانون، وذلك لن يتفق مع رغبات الحكومة، و قد حدث ذلك مرات قليلة جداً بتاريخ البرلمان الأردني.
وبمجرد انتخابهم، يواجه المشرعين معركة شاقة لتشريع أي قانون في الواقع الفعلي.
من حيث الصلاحيات الدستورية فإن أي مجموعة من عشرة أعضاء لهم الحق في اقتراح التشريعات، ثم يصعد هذا الاقتراح إلى لجنة للمراجعة من قبل رئيس الوزراء، ولكن ليس هناك أي قاعدة تحدد الزمن المتاح للبت في التشريع من قبل اللجان الحكومية من بعد أن يتم تسليم البرلمانين له.
النائب في البرلمان السابق السيدة “رولا الحروب” قالت أنها قد قدمت أثناء فترة وجودها بالبرلمان منذ ٣ سنوات ٥٤ مشروع قانون موقعين من أكثر من ١٠ نواب – واحد منهم يحمل ٣٦ توقيع- و لم يصل أي منهم حتى الآن إلى مرحلة النقاش أو التفعيل!
لا تتكون اللجان الوزارية من البرلمانين، وما يحدث هو محاولة لتعجيز الكتل النيابية في تغيير أي قوانين قد سنت من الأعلى، ويجب التصدي لهذا النقص الخطير لسلطات النواب وتحفيز إنشاء احزاب سياسية ذات ظهير شعبي واسع.
وبعيدا عن عجز البرلمان، فإن على الناخبين أن يفهموا دور البرلمان في ظل نظام ملكي دستوري، إن الاوراق البيضاء والمنشورات لا تعد سببا كافياً لتحفيز المواطن على التصويت للأحزاب بدلاً من علاقاته الشخصية.
يحتاج الناخبون أن يفهموا أهمية الانحياز للأحزاب والائتلافات السياسية وليس لأفراد، وأهمية ذلك على العملية التشريعية.
وفي محادثة مع “مؤمن الحديدي” المرشح التابع لقائمة “زمزم”، قال أنه لا أحد يتوقع فوز أي قائمة بآكثر من مقعد واحد، وإن نظام القائمة المفتوحة المطبق حاليا يجعل من المرشحين على نفس القائمة منافسين لبعضهم البعض، وكل مرشح يحث المصوتين على عدم التصويت للمرشحين الآخرين على نفس قائمته!
إن ما يحتاجه الاردن هو برنامج تعليمي وطني عن إنشاء النظام الإنتخابي، وكيف يعمل حتى يتسنى للناخبين فهم ما يجب عليهم القيام به في مراكز الإقتراع قبل الإنتخابات القادمة بسنوات.
المصدر: واشنطون بوست ، ترجمة: أردن الإخبارية