ترجمة وتحرير نون بوست
كان من المقرر أن يجمع الحوار الوطني الموريتاني الذي سيُختتم يوم 18 أكتوبر/ تشرين الأول أعضاء من المعارضة والحزب الحاكم معا لمناقشة الإصلاحات الدستورية. لكن بعض المجموعات قد اتهمت الرئيس محمد ولد عبد العزيز بأنه يستغل الاجتماعات من أجل إطلاق “انقلاب دستوري”. وقد زعموا أن الرئيس عازم على تمديد فترة الحكم الرئاسي. والجدير بالذكر أن عبد العزيز لا تزال أمامه ثلاث سنوات في فترة ولايته الثانية، وإن الخطوة المثيرة للجدل التي اختار القيام بها قد تؤثر على إستقرار الدول الواقعة في غرب أفريقيا والمناطق المحيطة بها.
وتعتبر موريتانيا دولة ضعيفة حتى وهي في أفضل الظروف خاصة وأنها تقع على الساحل الغربي لإفريقيا ولا يتجاوز عدد سكانها 4 مليون نسمة، ويعيش معظمهم في فقر مدقع. كما أن موارد الدولة قد أعطت موريتانيا دورا هامشيا في السياسة الإقليمية التي يعود تاريخها إلى ما قبل بداية الحكم الاستعماري الفرنسي في بداية القرن العشرين. وقد فهم الإستراتيجيون الفرنسيون في ذلك الوقت موقف موريتانيا التي اعتبروها “نقطة الوصل” بين أعمال باريس في المغرب العربي (من بينهم تونس والمغرب والجزائر) وبين ممتلكاتهم جنوب الصحراء الكبرى. وبطريقة أو بأخرى، فإن صورة موريتانيا لم تتغير؛ حتى اليوم هي تعتبر محيط أفريقيا من الناحية السياسية ومن الناحية الجغرافية.
ورغم ذلك يمكن لموريتانيا أن تكون دولة مهمة خلال السنوات القادمة.
كما يمكن اعتبار حوار أكتوبر/تشرين الأول البوابة التي لطالما بحث عنها عبد العزيز من أجل إطلاق مجموعة من الإصلاحات المثير للجدل. نذكر من بين التغييرات المزعومة إنشاء منصب نائب الرئيس وإلغاء مجلس الشيوخ، والذي سيعوض بمجالس إقليمية منتخبة. وربما الأفكار التي تم طرحها إلى الآن هي الأكثر أهمية من تلك التي يعتقد كثيرون أنها لم تطرح بعد. كما قامت المعارضة في البلاد باتهام الرئيس باستخدام النقاشات حول الإصلاحات التي يقترحها لطرح إمكانية تعديل قرار الدستور بشأن فترة الحكم الرئاسي ليسمح له بالبقاء في منصبه إلى أجل غير مسمى. وإذا ما كانت ادعاءات المعارضة صحيحة، فإن طموحات الرئيس ستشعل الصراع بين حزب الحاكم والمعارضة في بلد يكافح للتغلب على ماضيه المضطرب.
العقيد يتمسك بالسلطة
وبموجب القانون الموريتاني، يسمح لكل رئيس الخدمة لفترتين وتمتد كل منهما إلى 5 سنوات. بعد أن تزعم العقيد الانقلاب سنة 2008، انتخب عبد العزيز رئيسا سنة 2009، كما أعيد انتخابه في وقت لاحق إلى فترة ثانية لمدة 5 سنوات والتي سوف تنتهي سنة 2019. كما ومنذ مطلع العام الماضي، أقرت عديد الشخصيات من داخل حكومته أنه يستحق أن ينتخب إلى فترة رئاسية ثانية، إلا أن عبد العزيز قد أعرب عن اعتراضه الشديد. خلال الأسابيع القليلة الماضية، ظهرت تقارير سرية تم انعقاد العديد من الاجتماعات بين أعضاء الحزب الحاكم حول تمديد أو رفع القيود على فترات الحكم الرئاسي.
وتجدر الإشارة إلى أن فكرة رئيس يمدد في فترة حكمه ليست جديدة على موريتانيا. في الواقع هي تتماشى مع توجهات القادة الأفارقة الذين يرفضون التنحي عن مناصبهم خلال السنوات القليلة الماضية في أنحاء القارة.
بالإضافة إلى أن تغيير الدساتير، التي كثيرا ما كانت مكتوبة بعد نهاية الحرب الباردة في وقت التشجيع على الديمقراطية الأفريقية، هي وسيلة شائعة للحفاظ على المكانة السياسية.
والجدير بالذكر، أنه تم إنشاء الدستور الموريتاني في سنة 1991، وذلك بعد أن أجبرتها فرنسا على الانتقال إلى ديمقراطية متعددة الأحزاب، ويبدو أنه لم يكن لديها أي خيار.
والجدير بالذكر أن العديد من القادة الأفارقة قد نجحوا في إدخال تعديلات على الدستور من شأنها أن تلائم احتياجاتهم. نجح رئيس جمهورية الكونغو دينيس ساسو نغيسو في أن يقضي أطول فترة حكم عن طريق الخداع، ولكن في بوركينا فاسو، الرئيس بليز كومباوري قد اضطر إلى الفرار إلى ساحل العاج بعد محاولة فاشلة للقضاء على حدود فترة الحكم. كما وشهد العديد آخرون نتائج متباينة؛ فاستطاع الرئيس السنغالي عبد الله واد ترشح لولاية ثالثة مثيرة للجدل ولكنه قد خسر الانتخابات.
إن تاريخ موريتانيا معروف بعدم الاستقرار السياسي، ويبدو أن التاريخ سيعيد نفسه على إثر قرار عبد العزيز تمديد فترة حكمه لمدة أطول. وشهدت البلاد، منذ استقلال موريتانيا عن فرنسا، 10 محاولات انقلاب، اثنان منها كان عبد العزيز نفسه هو اللاعب الأساسي فيها. كما أن ملف عبد العزيز ودوره في إسقاط حكومتين، يؤكد مكانته كشخصية حاسمة في السياسة الموريتانية، كما أن ذلك قد يخول له الاعتقاد بأنه أقوى بكثير من أي خصم وقادر على الحفاظ على أطول فترة حكم في أعلى منصب في البلاد. وعلاوة على ذلك، قد يشعر هو وحاشيته أنهم مجبرون على البقاء في السلطة خوفا من أن يصبحوا هم أنفسهم، في وقت لاحق، أهدافا سهلة.
وفي كلتا الحالتين، يمكن أن يبشر ذلك بالخير بالنسبة لموريتانيا خاصة إذا استمر الاقتصاد في التراجع،عبرانخفاض أسعار السلع الأساسية.
مظاهر الاضطرابات
يجب على عبد العزيز أن يواصل الضغط من أجل البقاء لفترة أطول في السلطة، خاصة وأن تصرفاته من الممكن أن تؤثر على أمن واستقرار موريتانيا. وتجدر الإشارة إلى أن عدة جماعات إسلامية متشددة تعمل في منطقة الساحل، أثبتت استعدادها لاستغلال أي فراغ قد يظهر في السلطة. ولكن ما إذا كان سيحدث انهيار سياسي في موريتانيا، فذلك يعتمد على عدة أمور. أولها؛ حاجة المعارضة السياسية في البلاد إلى تشكيل جبهة قوية متحدة ضد جهود عبد العزيز وذلك بهدف تمديد فترة ولايته. وفي نهاية الأمر لم يلق رؤساء الدول الإفريقية معارضة شديدة في تطلعاتهم لوقت إضافي في مناصبهم، بينما أجبر آخرون على التخلي عن مناصبهم بسبب الاضطرابات الاجتماعية. وفي حال تنامى الاحتقان عبر تنفيذ الاحتجاجات سواء السلمية أو العنيفة، فإنه سيكون بإمكان عبد العزيز السيطرة على الأوضاع.
وستحتاج جماعات المعارضة أيضا إلى الاستفادة من مصادر أخرى من من هذا الاحتقان الشعبي وذلك لخلق قاعدة جماهيرية كبيرة بإمكانها التصدي لتحركات عبد العزيز. واعتبارا من الآن، فقد شاركت بعض بعض المجموعات في حوار مع الحزب الحاكم، في حين أن البعض الآخر قد اختار مقاطعة مثل هذه المحادثات.
كما يمكن أن تساهم الجماعات المنشقة عن الجيش في الإطاحة بالرئيس، وهذا من شأنه أن يكون السيناريو المرجح. وبالإضافة إلى أن عبد العزيز يحظى بشعبية بين الوحدات العسكرية والأمنية، إلا أن قراره المتعلق بالترشح لولاية ثالثة يمكن أن يولد استياء في صفوفهم، خاصة إذا ما تواصل تقهقر الاقتصاد فضلا عن تراجع أموال صناديق الرعاية.
يجوز للرئيس اختيار التنحي وتكليف أحد المقربين منه بتولي إدارة البلاد خاصة إذا ما فشل في قرار تمديد فترة الحكم. وبالتالي، فإن اقتراح عبد العزيز إنشاء منصب نائب الرئيس يهدف فقط إلى جعله مشاركا في الحكم خلف “الكواليس”. ولكن على الرغم من ذلك، فإن فرصة تحقيق ذلك تبقى ضئيلة إلى حد ما.
والجدير بالذكر أن عبد العزيز قد تقلد منصب الرئيس حينما استغلّ منصبه كمستشار الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله، ثم انقلب عليه بعد تدهور العلاقة بينهما. لذلك، فإن عبد العزيز حريص على أن لا يكون مصيره مثل مصير من سبقه.
الكناري في منجم الفحم
تعاني موريتانيا من عدة مشاكل مما يجعلها عرضة للاستغلال من قبل الجماعات الإرهابي، من بينهم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. كما أن الحكومة في نواكشوط تواجه صعوبة في فرض سلطتها على مساحات شاسعة من الأراضي وخاصة في المناطق الداخلية، خاصة أنه وفي كثير من الأحيان لا يتمّ اللجوء إلى التفاوض مع القبائل المحلية بهدف الحصول على ولائهم. وتجدر الإشارة إلى هذه المناطق النائية يمكن تكون في خدمة مصالح الجماعات الإرهابية الذين يستخدمون المناطق التي لا تسيطر عليها الحكومة لنقل البضائع غير المشروعة، وذلك بهدف الاختباء من قوات مكافحة الإرهاب الفرنسية المتمركزة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر والتشاد. وعلى الرغم من تعاون كل من القوات الفرنسية والأمريكية في بعض الأحيان مع الجيش الموريتاني، إلا أن الاهتمام الدولي بالدول الإفريقية يكاد لا يُذكر، وهذا عامل رئيسي جعل البلاد أكثر استقطابا للجماعات الإرهابية في منطقة الساحل.
وعلى الرغم من أن موريتانيا نفسها لم تتعرض إلى العديد من الهجمات الإرهابية، إلا أنها على وعي تام بتحركات الجماعة الإرهابية عبر الحدود. كما كشفت حكومة الولايات المتحدة في شهر مايو /أيار عن عدة وثائق تحصلت عليها على إثر الغارة التي استهدفت مخبأ أسامة بن لادن في أبوت أباد، في باكستان في سنة 2010 والتي تضمنت صفقة بين التنظيم والحكومة الموريتانية. وقد احتوت الوثائق على وعود قطعها تنظيم القاعدة للحكومة تتضمن عدم القيام بأي أنشطة مسلحة في البلاد، في مقابل تعهد نواكشوط بتمويل ذلك، والإفراج عن عدد من المساجين المنتمين إلى تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي ووقف جميع الهجمات ضد الجماعة (ومن غير الواضح ما إذا دخل الاتفاق حيز التنفيذ). وبما أن أجهزة الأمن الموريتانية اعتقلت متشددين إسلاميين، تبين أن من بينهم 20 شخصا ينتمون إلى التنظيم، فإن ذلك يبرهن قدرة الدولة واستعدادها التام على مجابهة المجموعة الإرهابية المنتشرة على الحدود.
كما أن الاختراق الأمني في نواكشوط ليس بالقضية الوحيدة التي يجب التعامل معها، وأن نمو الناتج الداخلي الخام في موريتانيا قد شهد تراجعا منذ سنة 2012 خاصة مع استمرار انخفاض على مستوى أسعار الفحم الخام الذي يعد إحدى الصادرات الرئيسية في البلاد.
ومن المرجح أن يظل الطلب العالمي على مادة الحديد الخام ضئيل في السنوات المقبلة. وفي نفس الوقت مازال الجفاف يشكل خطرا لا مفر منه، وهو ما سيكلف الدولة أموالا طائلة. كما أنه مع ازدياد تغلغل هذه المشاكل، قد تواجه نواكشوط صعوبة في صيانة الشبكة التي تضمن الولاء في صفوف القبائل النائية في البلاد.
كما أن هذه الحكومة الهشة في موريتانيا برهنت في يوم من الأيام أنها الحلقة الأضعف فيما يتعلّق بالمجهودات الدولية لمجابهة المخاطر الكبيرة التي تهدد أمن الساحل، والتي كانت جارية منذ أن حاول متشددون إسلاميون الاستيلاء على شمال مالي سنة 2012 . ومنذ سنوات عدة، كانت الموقف التي يتخذها عبد العزيز علنا ضد الإرهاب مجرد واجهة تهدف إلى إخفاء بنية سياسته الواهية وذلك بهدف التمسك بالسلطة لأطول وقت ممكن وأنه سيفعل ما يتطلبه الأمر ليمنع انهيارها.
قد تكون موريتانيا موجودة على هامش المنطقة والقارة، ولكن هذا هو بالتحديد السبب الكامن وراء أهميتها. فالجغرافيا، إضافة إلى أوجه القصور الهيكلية، يجعل منها وجيرانها سهلة الاستغلال. كما أن عدم الاستقرار في موريتانيا لن يبقى مقتصرا داخل حدودها بل سيطال البلدان المحيطة بها. وعلى الرغم من أن الوقت مبكر على معرفة ما إذا كانت طموحات الرئيس ستهز استقرار بلاده، فإن فرصة حدوث ذلك ليست مستبعدة.
المصدر: ستراتفور