جاء الاستقبال المصري لوفد جبهة “البوليساريو” بقيادة خطري إدوه رئيس البرلمان الصحراوي للمشاركة في المؤتمر البرلماني العربي الإفريقي، الذي عقد في شرم الشيخ بمناسبة الاحتفال بمرور 150 سنة على أول برلمان مصري بمشاركة وفود برلمانية تمثل 47 دولة عربية وإفريقية، ليزيد سماء العلاقات المصرية المغربية تلبدًا، لا سيما بعد الحفاوة التي تم بها استقبال الوفد حسبما أشارت الأوساط المغربية.
لم يكن استقبال الوفد الصحراوي وحده هو المعضلة التي أصابت العلاقات بين القاهرة والرباط بشرخ كبير، لكن اللقاءات التي عقدت على هامش المؤتمر وبعدها مع بعض أعضاء البرلمان المصري، فضلاً عن عدد من المسؤولين والدبلوماسيين أثارت حفيظة القيادة المغربية، وهو ما اعتبرته مواصلة القاهرة لنهجها المعهود في “استفزاز” المملكة المغربية.
العديد من التساؤلات فرضت نفسها حول دلالات هذه الزيارة وما تحمله من مؤشرات بشأن مستقبل العلاقات المصرية المغربية من جانب، والعلاقات مع الجزائر من جانب آخر، فضلاً عن البعد الخليجي في هذا الشأن، ودوره في هذه المعادلة الجدلية حسبما ألمحت بعض المصادر المغربية.
توتر سياسي وتراشق إعلامي
شهدت العلاقات المصرية المغربية موجات من المد والجذر، والشد والجذب، ما بين الحين والآخر، كان أبرزها ما حدث العام الماضي، حيث قام وفد مصري بزيارة للعاصمة الجزائرية من أجل حضور مؤتمر دولي داعم لجبهة “البوليساريو”؛ ما تسبب في غضب الشارع المغربي.
كما زادت حدة التوتر أكثر حين قدم المغرب طلبًا رسميًا للعودة إلى منظمة الاتحاد الإفريقي، بعد انسحابه عام 1984، بسبب انضمام البوليساريو للمنظمة، وهو ما دفع 28 دولة إفريقية من الدول المقربة من المغرب للتوقيع على وثيقة تطالب تعليق مشاركة البوليساريو في جميع هياكل الاتحاد الإفريقي، لكن المفاجأة أن مصر لم تكن ضمن هذه الدول الموقعة، ما يعني موافقتها على استمرار الجبهة في المنظمة، وهو ما اعتبرته الرباط إخلالاً بتعهدات القاهرة السابقة بدعم الموقف المغربي.
وبالرغم من تبرير السفير المصري في المغرب لعدم توقيع بلاده على هذه الوثيقة، مؤكدًا رغبة مصر في رؤية المغرب مستعيدًا دوره ضمن الأسرة الإفريقية في أقرب الآجال، مشيرًا إلى وجود تنسيق دائم بين المغرب ومصر حول هذا الموضوع وغيره من الأمور التي تهم البلدين والشعبين الشقيقين، إلا أن الإعلام المصري كان له رأي آخر، حيث شنّ عدد من الحملات ضد المغرب قيادةً وشعبًا، فضلاً عما تم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال مقطع فيديو لأحد الضباط المصريين برتبة رائد مع مجموعة من جماعة البوليساريو وهو يحرضهم ضد دولة المغرب.
زادت حدة التوتر بين البلدين حين رفضت القاهرة التوقيع على وثيقة تطالب تعليق مشاركة البوليساريو في جميع هياكل الاتحاد الإفريقي
الفيديو المتداول للضابط المصري أثار ضجة إعلامية وسياسية غير مسبوقة في المغرب، حيث جاء في نص حديث الضابط لأعضاء البوليساريو: “بتاعتهم ومحدش هياخدها منهم، لازم تستغل كل مميزات قبل العيوب زي ما حصل عندنا في مصر، إيه اللي هينفعك وإيه اللي هيضرك، يعني لازم هذا الموقف يستغل كويس جدًا،، الأرض دي أرضكم والأرض دي محدش ياخدها منكم، وجاتلك الفرصة إنك تقول كده فمضيعهاش منك، المينورسو إذا لم يتم إنشاءها في الصحراء الغربية معنى ذلك أنه لا يوجد حق للبوليساريو”.
وأمام هذا الخطاب التحريضي حسبما أشار نشطاء، ما كان أمام الإعلام المغربي إلا أن يشنّ هو الآخر حملة مماثلة ضد القاهرة، وعلى الفور بثت القناة الأولى المغربية الرسمية تقريرًا عما أسمته “الآثار السياسية للانقلاب العسكري في مصر”، وقال مقدم النشرة: “عاشت مصر منذ الانقلاب العسكري الذي نفّذه المشير عبد الفتاح السيسي، عام 2013م، على وقع الفوضى والانفلات الأمني، حيث اعتمد هذا الانقلاب على عدد من القوى والمؤسسات لفرضه على أرض الواقع وتثبيت أركانه”، أما القناة المغربية الثانية فبثت تقريرًا عن الوضع الاقتصادي في مصر بعد وصول السيسي إلى الحكم، مشيرة إلى أنه أصبح على رأس السلطة عبر انقلاب وتولي عدد من وسائل الإعلام المصرية اهتمامًا بالنزاع الصحراوي متبنية مقاربة جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر.
صيد في الماء العكر
” يعتبر ما قامت به مصر سلوكًا معاديًا للوحدة الترابية للمملكة المغربية، وصيدًا في المياه العكرة ورجوعًا عن تعهدات عدم دعم الجماعة الانفصالية كما فعلت سابقًا”، بهذه الكلمات علّق عبد الفتاح الفاتحي، المحلل السياسي والخبير في شؤون الصحراء والقضايا الإفريقية، على استقبال القاهرة لوفد البوليساريو، مبديًا انزعاجه مما يمكن أن تصل إليه الأمور بين البلدين جرّاء مثل هذه الخطوات غير المحسومة على حد تعبيره.
الفاتحي تعجّب من عدم تعليق الجهات الرسمية المغربية على هذا الحدث حتى الآن، مطالبًا بضرورة الرد عليه فورًا، من خلال القنوات الدبلوماسية عبر سفارة المغرب في القاهرة أو من خلال سفارة مصر بالرباط، مؤكدًا أن جبهة البوليساريو نجحت في تحقيق مكسب سياسي خلال اختراقها لأرض الكنانة على حد وصفه.
يعتبر ما قامت به مصر سلوكًا معاديًا للوحدة الترابية للمملكة المغربية، وصيدًا في المياه العكرة ورجوعًا عن تعهدات عدم دعم الجماعة الانفصالية كما فعلت سابقًا
وأضاف المحلل المغربي أن استكمال وفد الجبهة عمله الطبيعي داخل مصر إلى حين صدور البيان الختامي عن البرلمان العربي الإفريقي يعني أنها قد استطاعت أن تفرض حضورها عربيًا لأول مرة في التاريخ، مختتمًا حديثه بـ: “إن الجميع يحاول رصد معالم عقيدة السياسة الخارجية المصرية الجديدة، خاصة بعد تصويتها في مجلس الأمن الدولي على مشروع القرار الروسي لوقف إطلاق النار في سوريا”.
وفي السياق نفسه، أكد المحلل السياسي المغربي منار السليمي، أن هذا الاستقبال الحافل لجبهة البوليساريو يعني عودة القاهرة من جديد للعزف على هذا الوتر الحساس في علاقتها بالمغرب، لا سيما بعد رد الفعل المغربي حيال زيارة الوفد المصري العام الماضي لمخيمات تندوف بالجزائر لدعم الجبهة.
السليمي ألمح إلى أن ورقة البوليساريو هي الأخيرة بيد القاهرة التي من الممكن أن تلعب بها، خاصة بعد التقارب المغربي الخليجي، معتبرًا أن هذا الأمر خطير جدًا، وأن هذه الخطوة تعد رسالة واضحة لكل من المغرب ودول الخليج بعد إعلان التكتل الخليجي المغربي، محذرًا من اشتعال التوتر بين الجانبين خاصة وأن الصحافة المصرية خرجت مرة أخرى لمهاجمة المغرب بطريقة غير مباشرة، على حد تعبيره.
وأضاف أستاذ العلوم السياسية أن مصر بهذه الطريقة تقدم وجهين إلى المغرب، خاصة وأن السفير المصري أشاد قبل أيام بالعلاقات المغربية المصرية، لكن هذا النوع من الممارسات يبين رسالة أخرى لمصر، ملفتًا إلى أن البوليساريو في هذه المرحلة تبحث عن كل النوافذ وتطرق كل الأبواب بعد عودة المغرب للاتحاد الإفريقي، وأن المملكة تراقب ما يجري ومتوقع أن يكون لها رد بأسلوب دبلوماسي.
وفي المقابل اعتبر صبري لحو، الخبير الدولي في القانون الدولي والهجرة ونزاع الصحراء، أن مصر لا يمكنها منع وفد البوليساريو من الحضور والمشاركة في المؤتمر على اعتبار أن “البوليساريو عضو في الاتحاد الإفريقي، وهذا الاتحاد له أجهزة متعددة ومن بينها البرلمان الإفريقي”، مضيفًا أن استقبال مصر وفد جبهة البوليساريو يأتي لكونها “لا تملك اختصاصُا ولا تنعقد لها الولاية من أجل رفض مكوّن من مكونات البرلمان الإفريقي للحضور الذي تعتبر الجبهة عضوًا به”.
خطري إدوه رئيس الوفد البرلماني الصحراوي المشارك في مؤتمر شرم الشيخ
مغازلة الجزائر
شهدت العلاقات المصرية الجزائرية في السنوات الأخيرة محطات هبوط وصعود متباينة، بدءًا بتوتر العلاقات عقب ثورة 25 يناير، وكيف أن القيادة السياسية الجزائرية كانت تنظر لهذه التحركات الثورية كونها مخططًا فوضويًا بالرغم من التصريحات الرسمية التي كانت تغازل الثوار حينها، ثم تكشف الوجه الحقيقي للجزائر عقب الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في 2013، حيث أعلنت مبكرًا بجانب بعض دول الخليج دعمها ومباركتها لتحركات المجلس العسكري، فضلاً عن كونها المحطة الأولى للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بعد تنصيبه مباشرة.
واستمرت العلاقات بين البلدين على مستوى القوة والمتانة، إلى أن شابها بعض التوتر جراء التراشق الإعلامي هنا وهناك، فضلاً عن تباين وجهتي النظر حيال بعض الملفات أبرزها الملف الليبي، وهو ما أدى إلى قرب نهاية شهر العسل بين القاهرة والجزائر حسبما أشار بعض المحللين من الجانبين.
ثم تأتي هذه الخطوة والتي استقبلت فيها مصر وفد البرلمان الصحراوي الممثل لجبهة البوليساريو بما يفتح الباب مجددًا أمام العلاقات الجزائرية المصرية لتعود إلى ما كانت عليه، لكن يبقى السؤال: هل بالفعل جاءت هذه الخطوة المصرية مغازلة للجزائر أم نكاية في المغرب؟
استقبال البوليساريو يعد خطوة في الطريق الصحيح نحو فتح صفحة جديدة في تاريخ علاقات البلدين
العديد من الأصوات المعتدلة في الجانبين، أشارت إلى أن العلاقات المصرية الجزائرية علاقات تاريخية قوية، وأن موجات المد والجزر التي تتعرض لها ما بين الحين والآخر، أحداث عابرة مؤقتة، تزول بزوال المسألة الجدلية بينهما، وأن الأزمة الليبية حال التوصل لحل سياسي لها في القريب العاجل ستعود العلاقات إلى ما كانت عليه وأقوى، لا سيما وأن هناك نافذة أخرى للتلاقي فيما بينهما تتمثل في تطابق الرؤى حيال الملف السوري.
كما أشاروا إلى أن كل دولة تنظر بعين مصالحها الخاصة، مطالبين بعقد لقاءات بين مصر والجزائر وممثلين عن حكومتي ليبيا، للوصول إلى رؤية مشتركة للخروج من الأزمة، مرجحين ذوبان جليد العلاقات بينهما في القريب العاجل، وأن استقبال البوليساريو خطوة في الطريق الصحيح نحو فتح صفحة جديدة في تاريخ علاقات البلدين.
الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقه وبشار الأسد
وماذا عن الدور الخليجي؟
نجحت المملكة المغربية مؤخرًا في تدشين حلف خليجي مغربي داعم لتوجهاتها الخارجية لا سيما فيما يتعلق بقضية الصحراء، وهو ما نظرت إليه القاهرة والجزائر بعين القلق والترقب.
الملك محمد السادس يعلم جيدًا حجم الدعم الخليجي لقضيته الأساسية، لذا بادر بتقديم ما يثبت حسن النوايا، حيث بعث جيشه للقتال مع السعودية في اليمن ضمن قوات عربية أخرى شاركت في عاصفة الحزم، وبعد هذا أعلن انضمامه إلى الحلف السني الذي تقوده السعودية ضد داعش وإيران، وبعد هذا شارك في المناورات العسكرية المسماة رعد الشمال، وقبل هذا بعث قواته العسكرية والأمنية إلى الإمارات لتعزيز أمنها، كما أن ساعة علاقته بإيران مضبوطة على توقيت خليجي، لذا كان على دول الخليج أن ترد الجميل، وهو ما كان بالفعل، حيث الإعلان عن تكتل خليجي مغربي لدعم القضية الصحراوية المغربية.
التقارب المغربي الخليجي أثار حفيظة القاهرة بلا شك، لا سيما في ظل تباين الموقف المصري والمغربي حيال القضايا الحيوية الإقليمية وفي مقدمتها الملف السوري، حيث تتبنى الرباط الموقف الخليجي المطالب برحيل بشار الأسد بأي حل – سياسي أو عسكري -، بينما تعزف القاهرة على وتر الخروج بحل سياسي مع الإبقاء على بشار استجابة للقرار الروسي.
التباين في الرؤى والمواقف، فضلاً عن التراشق الإعلامي المتبادل هنا وهناك، إضافة إلى فوز حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي في الانتخابات الأخيرة وما يحمله من دلالات سياسية، دفع القاهرة إلى السعي لمعاقبة المغرب، إما لتوجهاتها الحالية وتبنيها لخطاب مناهض لنظام السيسي، وإما لقربها من السعودية بصورة خاصة في الوقت الذي تمر فيه العلاقات بين القاهرة والرياض بتوتر غير مسبوق ما يهدد بسحب الرباط بساط متانة العلاقات مع الرياض لصالحها، ما يضع القاهرة في ورطة حقيقية خاصة في ظل هذه الأزمة التي تحتاج إلى تضافر كافة الدول المجاورة لمساعدتها لانتشالها من المأزق الراهن.
وفي النهاية، وبصرف النظر عن النوايا الحقيقية وراء استقبال القاهرة لوفد البرلمان الصحراوي البوليساري، إلا أن العلاقات المصرية المغربية قد دخلت نفقًا مظلمًا جديدًا، فهل تستغل الجزائر هذا المأزق لتفتح الباب نحو تحسين الأجواء مع القاهرة أم تكتفي بدور المشاهد، لا سيما وهي على علم أن هذه الخطوة لم تكن لمغازلة قصر المرادية وسط العاصمة الجزائرية قدر ما هو نكاية في المغرب؟