ترجمة حفصة جودة
تشهد المناطق الكردية شمال سوريا تشكل نموذج جديد من التنظيم الاجتماعي. المنطقة التي تُعرف باسم “روجافا”، تضم ثلاث مقاطعات في الجزء الغربي مما يعتبره الأكراد وطنا تاريخيا، المنقسم الآن بين إيران وسوريا والعراق وتركيا، وفيما يتعلق بالمساواة الاجتماعية والتعددية العرقية ومناهضة الطائفية، يحتل الإقليم موقع الصدارة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالنهوض بالمرأة.
بدأ اهتمام الرأي العام الغربي في التحول نحو “روجافا” في عامي 2014 و2015، وذلك عندما لعبت ميلشيات الإقليم – وحدات حماية الشعب (YPG) ووحدات حماية المرأة (YPJ) – دورًا رئيسيًا في الإطاحة بداعش في مدينة كوباني شمال سوريا، وقد علّق المراقبون على سمتين رئيسيين للتنظيم: أولًا: النجاح في صد داعش، عندما فشلت قوات الأمن العراقية وقوات المعارضة السورية المدعومين من أمريكا في هزيمتها، وثانيًا: الدور البارز للمقاتلات الإناث في صفوفه.
منذ الحرب العالمية الثانية، أصبح وجود مقاتلات من الإناث جزءًا من الصراعات المسلحة في جميع أنحاء العالم، لكن معظم الجماعات المسلحة اهتمت بتجنيد الإناث لحاجتها إلى جنود وليس لرغبتها في تمكين المرأة، والقليل منهم يعطون الأولية لتحقيق المساواة للمرأة مثل أكراد سوريا وتركيا.
ومع ذلك، فلا يقتصر تركيز الأكراد في روجافا على دور المرأة في القتال فقط، بل إنه يحدد رؤية مجتمعية أوسع لأكراد سوريا، فحوالي 40% من أي هيئة حكومية أو مجتمع مدني، يجب أن تكون من الإناث، وبالمثل، فجميع الأجهزة الإدارية والمشاريع الاقتصادية ومنظمات المجتمع المدني يشارك في رئاستها الذكور والإناث، وبالرغم من أن حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD) هو المهيمن في إقليم روجافا ويشكل الأكراد غالبية أعضائه، إلا أن الورجافا تعتبر موطنًا للعديد من الأحزاب والأعراق السياسية الأخرى، فهي المجتمع الوحيد في المنطقة الذي يعتمد على قوة سكانه بالكامل، فكيف تمكنت النساء من الحصول على هذا القدر من السلطة في قلب حرب البقاء؟
استثناء إقليمي
بدأت القصة في تركيا عام 1978، عندما تم تأسيس حزب العمال الكردستاني (PKK) للنضال من أجل إقامة دولة كردية مستقلة، وفي سنوات التمرد الأولى ضد الحكومة التركية، كان معظم مقاتلي الحزب من الذكور، لكن الأمر تغير في التسعينات عندما ظهرت مقاومة مدنية كردية واسعة في المدن التركية، وبدأ النشطاء الأكراد في الضغط من أجل التمثيل البرلماني من خلال حزب العمل الشعبي (HEP)، وفي جميع المساعي، لعبت النساء دورًا قياديًا، فما زالت ليلى زانا عضو سابق في حزب العمل الشعبي، تخدم في البرلمان التركي.
بحلول عام 1993، ووفقًا للصحفية أليزا ماركوس، أصبح ثلث أعضاء حزب العمال الكردستاني من النساء، وتم تجنيد العديد منهن عن طريق “سكينة جانسيز” أحد الأعضاء المؤسسين للحزب، وفي عام 1995؛ قام حزب العمال بتشكيل جيش نسائي والذي يُسمى الآن (YJA-Star) وكان واضحًا أن هذا الجيش سيكون بمثابة نموذج لجميع المنظمات النسائية الأخرى في الاقتصاد والمؤسسات الاجتماعية وحتى المجالات الثقافية، وكان هذا الجيش قد جاء تحطيمًا لواقع المرأة خاصة في المناطق الريفية، حيث كان خضوع المرأة – من خلال الممارسات الكارهة للنساء فيما يُسمى بجرائم الشرف والإكراه على العزلة وزواج الأطفال – هو الوضع السائد لفترة طويلة، فبالنسبة للعديد من النساء الكرديات، ترك الأسرة والانضمام لجماعة متمردة يعد تحطيمًا للتقاليد الأبوية، وهكذا قامت النساء المقاتلات بقيادة حركة تحرير المرأة في المجتمع الكردي كله.
كان بعض قادة روجافا مثل صالح مسلم، أعضاءً في حزب العمال الكردستاني ومن أصول سورية، وكانت المبادئ التي تم تنفيذها في الإقليم قد تم اختبارها أولاً في تركيا، ومنذ تأسيس حزب الاتحاد الديموقراطي عام 2003، كان تحرير المرأة جزءًا رئيسيًا من برنامج الحزب، وقام الحزب عام 2005 بإنشاء “Yekitiya Star” (الجيش النسائي)، وفي عام 2012 بعد أن قام الرئيس السوري بشار الأسد بسحب قواته من جزء كبير من شمال سوريا، أصبحت أقاليم روجافا أكثر استقلالاً وفاعلية، وبدأ أعضاء الحزب من الإناث في العمل بنشاط أكبر، وجعلوا الدفاع عن المرأة جزءًا لا يتجزأ من حربهم ضد داعش، وسرعان ما بدأ التنظيم في تجنيد أعضاء جدد من مجموعات عرقية أخرى مثل: الآشوريين والعرب واليزيديين.
وكان التنظيم النسائي – الذي غير اسمه إلى “Kongreya-Star” في وقت مبكر من هذا العام – قد وصف نفسه بأنه المظلة التنظيمية لحركة نساء روجافا، وعلى الصعيد المحلي يضم التنظيم العديد من المنظمات مثل: بلديات المرأة والتي يعمل بالتوزاي مع بلديات مختلطة من الجنسين، وتدير أمورًا مثل توزيع الطاقة واستخدام المجال العام، وتركز بلديات المرأة على العنف المنزلي والزواج القسري والبرامج الصحية والاقتصادية للمرأة، وفي بعض القضايا الأخرى قد تتفوق بلديات المرأة على نظائرها من البلديات مختلطة الجنس.
أما اللجان العليا في التنظيم فتقوم بإدارة خمسة مجالات: التعليم – خاصة تعليم الكبار وفصول محو الأمية -، والصحة العامة – بما في ذلك عيادات خاصة للنساء -، والاقتصاد – بما في ذلك إدارة التعاونيات -، وحل النزاعات المجتمعية – والتي تشمل الوساطة وإدارة مراكز إيواء ضحايا العنف المنزلي -، والدفاع عن المواطن – وهو الأمر المحوري في برنامج الحزب خاصة التنظيم النسائي -.
هناك ثلاث قوى دفاع نسائية في روجافا: “YPJ” والتي تقاتل الأعداء الخارجيين مثل داعش، وقوات الأمن المحلية، وقوات الدفاع المدنية المرتبطة بالبلديات والتي تتعامل مع أمن الأحياء السكنية بما في ذلك حالات العنف ضد المرأة.
الاستقلال والديموقراطية
يعتبر تصاعد النفوذ النسائي في كردستان السورية، جزءًا أساسيًا من عملية تحول واسعة في السياسات الكردية في سوريا وتركيا، وعلى عكس أكراد العراق، ابتعد أكراد سوريا وتركيا عن القومية، ويسعون بدلاً من ذلك نحو حكم ذاتي محلي في ظل نظام فيدرالي، وفكرتهم على المدى البعيد هي تأمين دستور ديموقراطي لا مركزي ينص على حكم ذاتي محلي واسع النطاق ويحمي حقوق الإنسان، هذا التحول يتم بالتوازي مع التطور الأيدولوجي لزعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبدالله أوجلان، وهو مقاتل سابق ويدافع الآن عما أسماه نظام كونفدرالي ديموقراطي.
وفي ضوء الإضرابات الحالية في المنطقة، تبدو رؤية روجافا لمجتمع ديموقراطي نسوي أمرًا غير واقعي، فبعد فشل مفاوضات إنهاء الحرب الأهلية في سوريا، ظهرت محدودية القدرة الدبلوماسية على إنهاء الصراعات التي أججتها أطراف غير حكومية وتم تمويلها عن طريق قوى خارجية، وفي العقود الأخيرة كان هناك القليل من النماذج السياسية في المناطق الكردستانية والتي تقدم وعودًا بالسلام والمساواة تحت ما يسميه الأكراد الحكم الذاتي الديموقراطي.
وحتى الآن تتعامل الولايات المتحدة مع أكراد سوريا كحليف قصير المدى، ورغم دعمها العسكري إلا أنها لم تقدم لهم دعمًا اقتصاديًا أو سياسيًا في العلن، فلم تصرّ واشنطن على مشاركتهم في محادثات جنيف لإنهاء الحرب في سوريا، ويعد ذلك نهجًا خاطئًا، فمنذ التسعينات، أظهرت الولايات المتحدة نفسها كمدافع عن حقوق النساء والأقليات الجنسية، وبينما يمارس الأكراد السوريون شكلاً من أشكال الديموقراطية التي تعني بالمساواة بين الجنسين وتعارض المفاهيم الصفرية في الحقوق الوطنية القومية، ونظرًا لالتزاماتها المعلنة، ينبغي على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة لدعم تلك الأهداف.
المصدر: فورين أفيرز