بعد ساعات من بدء قوات البشمركة الكردية المعارك ونجحت بالتقدم في محيط مدينة الموصل، أعلن رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، انطلاق معركة الموصل لتحريرها من قبضة تنظيم الدولة المعروف إعلاميًا باسم “داعش”، فالمدينة تعتبر المعقل الأكبر للتنظيم في العراق وسوريا وهي عاصمته الإدارية.
الولايات المتحدة تواصل كذلك دعم تمدد المليشيات الشيعية، وبذريعة “داعش” تمكن لتلك المليشيات التكفيرية التمدد في المحافظات السنية، ليس حبًا بها، ولكن لتقاطع المصالح المؤقت بينهما في إبادة الحواضر السنية وتهجير أهلها.
نينوى
تعتبر نينوى ثاني أكبر محافظة في العراق بعد الأنبار، وتبلغ مساحتها (37323) كم، وتشكل 9% من مساحة العراق، وتتكون من 32 بلدة، عشر منها كبيرة و22 صغيرة مترامية الأطراف، ويبلغ عدد سكانها قبل هجوم التنظيم على المدينة في حزيران/ يونيو 2014 نحو ثلاثة ملايين ونصف، وفقًا لبيانات لوزارة التخطيط العراقية.
والموصل لها رمزية تاريخية هائلة، منذ إيمان أهلها بيونس عليه السلام، إلى تحولها لرمز حضاري إسلامي زمن العباسيين والسلاجقة والعثمانيين، مرورًا بقتال أهلها للحملات الصليبية والمغولية وصدهم عن المشرق العربي، وأخيرًا ثبات أهلها أمام هجمة الدولة الصفوية والاحتلال البريطاني.
والأخطر أن القوام الرئيسي من قيادات وضباط الجيش العراقي السابق “خصوصًا الحرس الجمهوري العراقي” كانوا من أبناء الموصل وهم من تسببوا بهزيمة إيران في حرب الخليج الأولى، لذلك يخشى العالم من انتقام مليشيا الحشد الموالية لإيران من المدينة وأهلها.
معركة الموصل
وبدأت قوات البيشمركة الهجوم من 5 محاور قتالية هي “كسكي، والكوير، وسد الموصل، والخاز، وناوران”، فيما بدأ الجيش العراقي الهجوم من محور القيارة.
وشنت طائرات التحالف غارات جوية، في الوقت الذي تقصف قوات البشمركة بعض المناطق في محيط الموصل التي يشتبه في وجود تحركات لعناصر تنظيم داعش بها.
ويسيطر التنظيم على مركز نينوى وشرقها وجنوبها، ويمتلك معبرًا حدوديًا مهمًا إلى سورية عبر قضاء البعاج، وتكمن قوة التنظيم في الضواحي المحيطة بنينوى في بلدتي الشورة وحمام العليل جنوبًا، وتلعفر غربًا، وغالبًا ما يستخدم تنظيم الدولة الضواحي للدفاع عن مدنه.
وقد منعت قوات البيشمركة ألوية من الجيش العراقي، من التقدم نحو الموصل إلا بعد إنزال الرايات الطائفية.
وقد حققت القوات المهاجمة تقدمًا ملحوظًا في الساعات الأولى من المعركة، وبدأت قوات داعش بالتراجع نحو الخنادق التي كانت قد أعدتها خصيصًا لتلك المعركة منذ أشهر، كما قام تنظيم الدولة بحرق النفط في محيط قضاء الحمدانية جنوب مدينة الموصل العراقية للتشويش وحجب الرؤية على طائرات التحالف.
فيما قال نائب رئيس الوزراء التركي نعمان كورتولموش، إن نحو 3 آلاف مقاتل تم تدريبهم على يد تركيا في معسكر بعشيقة، يشاركون في معركة الموصل.
والملاحظ لمحاور المعركة يرى أن المخططين لها تركوا مناطق غرب الموصل للتنظيم ليتمكن من الانسحاب نحو الحدود السورية.
مشاركة الحشد
ورغم تأكيدات العبادي أن دخول الموصل لاستعادتها من تنظيم داعش سيقتصر على الجيش والشرطة والبيشمركة، إلا أن مليشيات الحشد الشيعية تقدمت عبر محور “القيارة” القتالي الذي يشارك فيه الجيش العراقي، وتقدموا صوب مدينة الموصل، وبدأوا في قصف المدينة بصورة عشوائية باستخدام صواريخ شديدة التدمير حصلوا عليها من إيران، كما نفذت المليشيات في الكثير من مناطق السنة انتهاكات حقوقية واسعة شملت عمليات قتل وتعذيب وتشريد وتدمير ممتلكات على أساس طائفي.
وقد وصف زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، معركة تحرير الموصل من سيطرة داعش بأنها “معركة الحق مع الباطل”، وقال الصدر في بيان صحافي “لا نريد لحرب تحرير الموصل أن تكون بنظر الآخرين حربًا طائفية بين طائفتين أو ما شابه، بل هي حرب حق مع الباطل، ولا نريد معونة أي دول أخرى”.
فيما قال القيادي في مليشيا الحشد، وزعيم مليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، إن ما أسماها معركة تحرير الموصل “ستكون انتقامًا وثأرًا من قتلة الحسين، لأن هؤلاء الأحفاد من أولئك الأجداد”.
أما وزير الخارجية السعودي عادل الجبير فقال: نخشى أن يتسبب دخول ميليشيات الحشد الشعبي إلى الموصل في حمام دم.
تهديدات تركية
وقد أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن الموصل للموصليين، ولا يحق لأي أحد أن يدخل إليها، وبعد تحرير الموصل من داعش، لن يبقى فيها سوى العرب السنة والتركمان السنة والأكراد السنة، وأن قوات بلاده سيكون لها دور في عملية استعادة مدينة الموصل التي تخضع لسيطرة تنظيم داعش، مشيرًا إلى أنه لا يمكن لأي جهة منع ذلك.
وقال أردوغان: “سنبذل قصارى جهودنا في عملية تحرير الموصل ويجب أن نكون على طاولة الحل ولا يجب أن نكتفي بالمراقبة، ولن نسمح للميليشيات الشيعية وحزب العمال الكردستاني PKK بالمشاركة في العملية وسنقوم بكل ما يجب لمنع هذه اللعبة”، وتابع بالقول “برأينا فإن القوات المحلية والعربية والتركمانية قادرة على تحرير المدينة”، وأكد أيضًا أن القوات التركية لن تخرج من معسكر بعشيقة في العراق، مشيرًا إلى أنها ستشارك في معركة الموصل “شاؤوا أم أبوا”.
فيما قال نعمان كورتولموش نائب رئيس الوزراء (بشأن عملية الموصل): نجري استعداداتنا ونأخذ تدابيرنا حيال أي تطورات مفاجئة محتملة، ويجب عدم إشراك الميليشيات التي لا تنتمي لأهل الموصل، فاستخدام ميليشيات شيعية سيؤدي لنتائج لن ترضي أحدًا في الموصل، فالتغيير الذي يودون إجراؤه في الموصل على صعيد ديمغرافي وغيره، يجب منعه وعدم السماح به.
في حين أكد بن علي يلدريم أن الهجوم على الموصل ربما يؤدي لموجة جديدة من الصراع الطائفي قائلاً إن النسيج المجتمعي لسوريا والعراق يتعرض لهزة خطيرة، وتابع “خطط حلفائنا بشأن الموصل لسوء الحظ لا تتسم بالشفافية وربما (تفضي) إلى خطر الاشتباكات الطائفية”.
وأضاف أن الإضرار بالهيكل السكاني في سوريا والعراق وتغيير المناطق العرقية لن ينجم عنه استقرار المنطقة، وتسليم الموصل حيث تحظى القبائل السنية بالنفوذ إلى مسلحين شيعة سيكون (بمثابة) إشعال حريق”.
رمزية الموصل
يقول المؤرخ والأكاديمي العراقي “الموصلي” ربيع الحافظ، إن الغارة الفارسية على المنطقة عبر التاريخ دائمًا ما كانت تبدأ بمباغتة وتنتهي بطرد عسكري عربي – تركي، مشيرًا إلى أن انهيار الدومينو للغارة من مسؤولية التعبئة الفكرية للجماهير.
وتساءل الحافظ: ألا يمكن تحرير المدينة دون مجازر لأهلها، وخطف شبابها، ونسف مساجدها، وسلب ممتلكاتها، وحرق منازلها، مشددًا على أنه “لا للحشد الشيعي نعم لدور تركي – عربي”.
وتابع “تدير إيران هذه الحرب مستفيدة من القوة التدميرية للدول الكبرى ومن سيطرة ما يسمى بتنظيم الدولة على المدن العربية السنية التي مكنته ليكون ذريعة لتدميرها، حجم التدمير يقاس بالأيام لا بالشهور أو السنين ويعود القهقرى بجغرافيا الفتح العربي الإسلامي سكانيًا وسياسيًا ودينيًا إلى معادلة الروم والفرس التي حكاها القرآن الكريم”.
وأردف: هذه ليست أجواء دولة، ولا يرى الموصليون أن من يحكم بغداد اليوم هي حكومة يمكن أن يأمنوها على حرماتهم وأرواحهم وممتلكاتهم وقد ذاقوا ويلاتها لأعوام ستة بل هي عصابات أحادية الانتماء اجتثاثية المنزع تنحدر من خلفيات اجتماعية لا تؤهلها لإدراة حواضر غنية بالثقافة كالموصل.
وقال الأكاديمي العراقي البارز: “المجتمع العربي الموصلي (كباقي مجتمعات أهل السنة) نسيج ناعم منغلق على قيمه وتقاليده وخصوصياته، لكنه يجد نفسه اليوم ملعبًا مفتوحًا أمام كل لاعب وراغب، ومن ثوابت الفرس في قهر الخصوم استجلاب القوى الخارجية، والحديث عن تنسيق إيراني ـ روسي في الموصل بات مسموعًا وهو من شأنه إلغاء المدينة إنسانيًا وعمرانيًا (كحلب) وهو ما عجزت عنه فارس في غارتها السابقة في 1745 بقيادة نادر شاه وهو في طريقه إلى الأستانة لكن نصاله تكسرت على أسوار الموصل وقفل راجعًا”.
نداءات سنية
وقد ناشد رئيس البرلمان العراقي السابق والقيادي الموصلي أسامة النجيفي، أردوغان بضرورة منع المليشيات الشيعية من المشاركة في تحرير الموصل خوفًا من تكرار جرائمها التي قامت بها في الفلوجة وتكريت وبعقوبة وحزام بغداد.
يقول الكاتب العراقي الدكتور خضير الجنابي، تهديد المليشيات لسكان المدينة هو ثأر إيراني من مدينة ساهمت في تجرع الخميني للسم، لأن 70% من ضباط الجيش العراقي سابقًا هم من الموصل، الحروب لا تراعي أبدًا الجانب الإنساني، فهي الخراب والدمار وإزهاق الأرواح، و60 مليون انسان قتيل في الحربين العالميتين يشهد على ذلك”.
أما الناطق باسم الحراك الشعبي السني في العراق فاروق الظفيري فقال: “الموصل أكبر محافظة سنية بعد بغداد ومخزن العلماء والدعاة والقادة والاكادميين، ولهذا يريدون تدميرها وأهلها بحجة داعش”,
إذن ما يجري أمامنا اليوم في الموصل له أبعاد تاريخية، ومخطئ من يظن أن دائرة النار في المنطقة لن تتسع، ومع كل هذا التجييش الهائل، ومع وجود عشرات الآلاف من المليشيات الموالية لإيران قد يجر المنطقة بأكملها إلى حرب إقليمية واسعة.
ولا ننسى أن أمريكا هي التي أشعلت النيران الطائفية في المنطقة، وهي التي انحازت إلى المشروع الإيراني ودعمته بالغطاء الجوي العسكري في العراق وبغض الطرف في سوريا، وبالتواطؤ الصريح في اليمن ولبنان، وهي التي دعمت المليشيات الطائفية لحرق مدن السنة، وهي التي تقود مخطط تقسيم المنطقة مجددًا لحماية ربيبتها إسرائيل، وهي التي قال زعيمها السابق بوش من قبل إنه احتل العراق لمحاربة يأجوج ومأجوج، وعلى الدول الإسلامية الاستيقاظ من النوم وإلا فما يجري في الموصل سيجري في بلادهم عما قريب.