الحكايات الشعبية هي جزء لا يتجزأ من وجدان كل الشعوب الإنسانية، فلا توجد ثقافة أو حضارة خلت من وجود تلك الحكايات، وهي حكايات قصيرة تحتوي على عناصر خارقة للطبيعة، كالسحر والجنيات والعمالقة والأقزام والمخلوقات الأسطورية المختلفة، كما تنطوي على الحكم والدروس الأخلاقية وتتمحور في الغالب حول الصراع بين الخير والشر، وكانت هذه الحكايات تروى شفاهيًا وتنتقل من بلد إلى بلد مع التجار والقوافل، وكل شعب يتبنى حكاية شعبية كان يقوم بتغييرها وتطويرها بحيث تتناسب مع ثقافته ومخاوفه وتطلعاته، وقد لاحظ الجامعون تكرار نفس الحكاية في ثقافات مختلفة بصيغ متعددة.
شارل بيرو
شارول بيرو (1628-1703) هو كاتب وشاعر فرنسي يعده الكثير من النقاد “أبو الحكايات الشعبية”، فهو من أوائل من قاموا بجمع الحكايات الشعبية وتحويلها إلى نمط أدبي له ملامحه وقواعده المحددة، ويعده الكثير من النقاد أنه أول من وضع حجر الأساس لهذا اللون من الأدب، وقد كان هدف بيرو من جمع الحكايات الشعبية هو تسلية الحاشية الملكية، وتربية أبنائهم عن طريق تقديم حكايات تخدم أهدافًا سامية، وصراع الخير والشر، وقد حققت مجموعته (Les Contes de ma Mère l’Oye – حكايات الأوزة الأم) نجاحًا كبير لم يتوقعه بيرو ذاته، فهي مسلية للصغار والكبار على حدٍ سواء، واشتهرت رواية تلك الحكايات الشعبية في الصالون الثقافية في باريس في منتصف القرن السابع عشر حيث يجتمع الرجال والنساء في ضيافة امرأة أرستقراطية لمناقشة الأدب والفنون والسياسية وغيرها، كما ألهمت أعماله العديد من الفنانين في مجالات متعددة كالأوبرا والمسرح والموسيقى.
ومن أشهر الحكايات التي قام بجمعها: الجمال النائم، والقط في الحذاء، وذات الرداء الأحمر، كما أن نسخته الخاصة من “سندريلا” التي تحتوي على الجنية العرابة، وعربة اليقطين وغيرها، هي الأشهر في أنحاء العالم، وتتفوق على النسخ الأخرى مثل نسخة الأخوين جريم، وهي النسخة التي قامت ديزني بتحويلها إلى فيلم رسوم متحركة بالعنوان ذاته.
الأخوان جريم
الأخوان الألمانيان، جاكوب (1785-1863) وويلهم جريم (1786-1859) هما الأشهر في مجال جمع الحكايات الشعبية، قد درسوا اللغة والفلسفة واهتموا بالدراسات الثقافية واللغوية، وقد تأثرا بالحكايات الشعبية الفرنسية لشارل بيرو والحكايات الشعبية الإيطالية لجامباتيستا باسيل التي لاقت رواجًا كبيرًا في أنحاء أوروبا، فبدأ الأخوان جريم بالترحال في أنحاء ألمانيا لجمع الحكايات الشعبية الألمانية، وقد نشر أول كتبهما (Kinder- und Hausmärchen– حكايات للأطفال وأهل البيت) عام 1812 وتبعها بعد ذلك إصدارات لاحقة، فأضافا المزيد من الحكايات، وعدلوا بعض القصص لتنقيحها أو للتخفيف من بعض عناصر العنف في الحكايات لتصبح مناسبة للأطفال، حتى وصلت إلى ما يعرف الآن في جميع أنحاء العالم باسم “حكايات الأخوين جريم” والتي ترجمت إلى أكثر من 100 لغة حول العالم.
ومن أشهر حكايات الأخوين الجريم: بياض الثلج، والجمال النائم، والأمير الضفدع، وروبانزل، وقد تم اقتباس العديد من أعمالهم في أفلام الرسوم المتحركة الخاصة بديزني.
هانز كريستيان أندرسن
هانز كريستيان أندرسن (1805-1875) هو كاتب وشاعر دنماركي، اهتم بجمع الحكايات الشعبية الدنماركية، والتي لاقت رواجًا كبيرًا واستمتع بحكايته الكبار والأطفال عى حد سواء، كما لاقى تقديرًا من العائلة الملكية في الدنمارك، وقد احتوت مجموعته من الحكايات الشعبية ((Eventyrعلى الكثير من الحكايات الشعبية والشهيرة والمحبوبة على مستوى العالم، مثل: بائعة الكبريت، وحورية البحر الصغيرة، وعقلة الأصبع، وملابس الأمبراطور الجديدة، والبطة القبيحة.
وقد ألهمت أعماله العديد من الأفلام والمسرحيات وعروض الباليه حتى، كما ترجمت أعماله لأكثر من 125 لغة حول العالم، حتى أصبح اسم هانز كريستيان أندرسن مرادفًا للحكايات الشعبية ـ والجدير بالذكر أن فيلم ديزني الذي يحمل عنوان “Frozen” الذي يعتبر أكثر أفلام الرسوم المتحركة ربحًا في التاريخ بما يقرب من 1.3 مليار دولار ـ مقتبس عن حكاية لأندرسن تحمل اسم “ملكة الثلج”.
ويليام بتلر ييتس
ويليام بتلر ييتس (1865-1939) هو شاعر وكاتب أيرلندي، وعضو مجلس العموم البريطاني، ويعد واحدًا من أشهر الشخصيات الأدبية في القرن العشرين، وقد اهتم بإعادة إحياء التراث الثقافي الأيرلندي، كما أنه شكل جسرًا يربط بين الثقافة البريطانية والأيرلندية، وحصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1923.
وقد اهتم ييتس بالفن الشعبي وقال عنه إنه “التربة الخصبة التي نبتت منها كل أشكال الفنون” لذا اهتم كثيرًا بجمع الحكايات الشعبية الأيرلندية، وبالرغم من أنه قد سبق ييتس بعض المحاولات لجمع الحكايات الشعبية مثل محاولة الشاعر دوجلاس هايد والتي لم تلق نجاحًا كبيرًا ولعل السبب يعود لاستخدام هايد للغة الأيرلندية، في حين أن ييتس استخدم اللغة الإنجليزية لأن لها جمهور أكبر وعلى ذلك فقد لاقت حكاياته التي قام بجمعها رواجًا كبيرًا.
ويختلف ييتس عن الجامعين الآخرين أنه كان يؤمن بالفعل بالأشباح والجنيات والسحر، ولم ينظر لها كمجرد خرافات أو أساطير، وساعد في تأسيس “جمعية دبلن لعلوم السحر”، كما انضم إلى جماعة “الفجر الذهبي” الهرمسية وهي جمعية سرية تؤمن بالسحر، كما سعى ييتس لمختلف المرشدين والمعلمين الروحين، واهتم في كثير من الأوقات بالبحث عن آثار العالم الخفي، وظهرت هذه الاهتمامات في كتابته وشعره.
ومن أشهر الحكايات التي قام بجمعها: زمار القرية، وعشاء القس، والطفل المخطوف، وغيرها من الحكايات التي ترجمت إلى لغات عديدة، ومنها اللغة العربية تحت اسم ” حكايات شعبية من أيرلندا” وهي جزء من سلسلة ثقافات الشعوب الصادرة عن مشروع كلمة للترجمة التابع لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث.