هكذا اختار النظام المصري بقيادة المشير عبد الفتاح السيسي أن يطعن أقرب حلفائه ويأمر جنوده من الإعلاميين والكتاب بشن الهجوم تلو الهجوم عليه، بعد أن كانوا يسبحون بحمده ويأكلون من فتاة موائده.
المشير السيسي، وبعد أن كانت المملكة العربية السعودية حليفه الافتراضي الأول، أصبحت بقدرة قادر “الشيطان الرجيم” الذي لولاه لكانت مصر “أم الدنيا” اسمًا على مسمى مثلما يريد منا بعض أبواق النظام المصري أن نصدق ذلك.
إن الأزمة بين البلدين لم تبدأ قبل أيام قليلة وإن حاول البعض إبرازها كذلك، ولكن الحقيقة التي كشفتها مصادر مطلعة، أن الاستياء السعودي من تعامل الدبلوماسية المصرية، يعود جذوره إلى أشهر طويلة، حتى إن وزير الخارجية المصري سامح شكري لم يستطع إخفاء ذلك، حيث أقر في شهر سبتمبر الماضي، بوجود تباين في الرؤى بين القاهرة والرياض بشأن تسوية النزاع في سوريا، خصوصًا فيما يتعلق بـ”ضرورة تغيير نظام الحكم أو القيادة السورية”.
الأزمة السورية وما أدراك ما الأزمة السورية، حرب أهلية قلبت العالم رأسًا على عقب، وكشفت للقاصي والداني زيف عدد كبير من الدعاوي والأطروحات والشعارات التي رفعتها حكومات وجماعات وأيديولوجيات، وذلك من خلال ظهور هؤلاء أمام كل العالم في ثوب المتآمرين والطامعين والراغبين في مصالحهم الشخصية دون غيرها، وقد كان من بين هؤلاء الرموز الساقطين، المسؤولون المصريون المتآمرون على إرادة الشعب السوري في تقرير مصيره.
الدبلوماسية المصرية التي تمثل الموقف العام للبلاد على الصعيد الدولي، كانت قد أكدت لمعظم المتابعين خلال الفترة الأخيرة، أنها تتخبط وتغرق وتغرّق المصريين معها، وكان من آخر طاماتها الكبرى، تصويت مندوبها في مجلس الأمن قبل أيام، لصالح مشروع قرار روسي بشأن الأوضاع في حلب، وهو ما أدى إلى اتساع فجوة الخلاف السياسي بين مصر والسعودية، حتى إن مندوب المملكة في مجلس الأمن عبد الله المعلمي قال بعد عملية التصويت إنه “من المؤلم أن يكون الموقف السنغالي والماليزي أقرب إلى موقف المندوب المصري، حيال مشروع القرار الروسي”.
تصويت المندوب المصري في مجلس الأمن لصالح مشروع القرار الروسي، وتصريح مندوب المملكة الممثل للموقف الرسمي السعودي لما حدث، أشعل نار التصريحات بين البلدين، وألهب حماس بعض المهرّجين المصريين ممن كانوا ينتظرون الفرصة السانحة لدخول معترك تأجيج الفتنة بعد أن أوقد آخرون نارها وأيقظوها.
“السعودية راعية للإرهاب العالمي”، و”المملكة تتدخل في الشأن الداخلي المصري ومصر دولة سيادية لن ترضخ لأي كان”، وغيرها من القوالب الجاهزة التي ما فتئ يرددها عشرات الإعلاميين والكتاب والمفكرين المصريين من مختلف التوجهات، ولكن تبقى الدعوة التي أطلقها خالد صلاح رئيس مجلس إدارة وتحرير “اليوم السابع” وأحد كبار الصحفيين المقربين من الحكومة، الأكثر تطرفًا وشذوذًا بين كل التصريحات.
صلاح الذي يُعد من المعجبين بالمملكة والداعين إلى طاعتها والوقوف إلى جانبها، والذي كان قد خصص الصفحات الإلكترونية والورقية لصحيفة “اليوم السابع” التي يرأس تحريرها لتغطية زيارة الملك سلمان إلى مصر في شهر أبريل الماضي، تبين له الآن أن مصر تمر بأزمة اقتصادية خانقة تطلب من المصريين مقاطعة العمرة هذا الموسم لتوفير العملة الصعبة، حاشدًا بذلك الأدلة، لتظفر صحيفته صدفة لا غير، بفتوى للدكتور خالد عمران أمين الفتوي بـ “دار الإفتاء” تؤيد ذلك.
بدورها نشرت صحيفة الوطن المصرية، في تصعيد غير مسبوق، تقريرًا تتهم فيه المملكة بدعم الإرهاب، وذلك من خلال عقدها لمقارنة بين العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبد العزيز، والذي قالت إنه كان يشن حربًا شرسة ضد التنظيمات والجماعات الإرهابية، وخلفه الملك سلمان بن عبدالعزيز، والذي قالت إنه مع توليه مقاليد الحكم، حصلت الجماعات الإرهابية على دعم مالي وعسكري مباشر منه، مختتمة تقريرها بالقول إن السعودية الآن تدفع ثمن احتضان التنظيمات الإرهابية سابقًا وحاليًا على يد الملك سلمان، وخصوصًا تنظيم القاعدة، المنفذ لأحداث 11 سبتمبر، بعد إقرار الكونجرس الأمريكي، سبتمبر الماضي، تشريعًا يسمح لأسر ضحايا هجوم 11 سبتمبر بمقاضاة الحكومة السعودية على الأضرار التي لحقت بها.
هذا الهجوم غير المسبوق من الإعلام المصري ضد السعودية وضد الملك سلمان بن عبد العزيز، أكدت مصادر أنه جاء بناءً على توجيهات وردتها من جهات عليا، وهو ما زاد من الغضب السعودي، الذي أسفر في الأخير عن مغادرة السفير أحمد القطان إلى الرياض بشكل طارئ في زيارة يبحث خلالها مع المسؤولين السعوديين ملف العلاقات بين البلدين.
السعودية التي دعمت النظام المصري بمليارات الدولارات خلال السنوات الأخيرة، وبعد طول ترقب، ارتأت أن تسحب دعمها تدريجيًا من الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو ما ساهم في تعميق الأزمة التي تعود أطوارها إلى شهور خلت وليس فقط تصويت مصر لصالح مشروع القرار الروسي بشأن الأوضاع في حلب، حيث أبلغت “أرامكو”، أكبر شركة نفط في العالم، الهيئة العامة للبترول المصرية شفهيًا في مطلع أكتوبر الجاري، بالتوقف عن إمدادها بالمواد البترولية، وهو ما أجبر السلطات المصرية للبحث عن بديل عاجل لاستيراد شحنات بديلة للشحنات التي كان من المقرر أن ترسلها “أرامكو” لهذا الشهر.
لم يقف الأمر عند استيراد شحنات بديلة، بل اجتهد مسؤولون وإعلاميون مصريون في تحدي السعودية والقيام بهجوم مضاد، وذلك من خلال تلويحهم باستخدام الورقة الإيرانية كبديل محتمل لتوريد النفط وفق شروط ميسّرة، ولعل هذا التلويح باستخدام إيران كورقة ضغط جديدة لمزيد من ابتزاز السعودية، سيكون القشة التي ستقصم ظهر النظام المصري وستزيد من تعريته أمام العالم أجمع.
العلاقات السعودية المصرية في أسوأ مراحلها، والنظام المصري يعاني اليوم من أوضاع داخلية كارثية، فالمواد التموينية الأساسية مفقودة والفساد ينخر البلاد والحكومات المتعاقبة عاجزة عن إيجاد الحلول الأنسب والأنجع للخروج من عنق الزجاجة، وفي ذات السياق، زاد الإعلام المنفلت من التوتر الداخلي والخارجي وساهم في عزلة مصر ونفور أبرز حلفائها منها، كما أن مستقبل مصر يبدو قاتمًا جدًا، ولا أحد يمكنه معرفة ما سيحدث، ولكننا متأكدون أن سحب الدعم السعودي من النظام المصري الذي يقوده المشير عبد الفتاح السيسي وامتلاكها لأوراق ضغط بديلة كثيرة، سيكون رسالة مضمونة الوصول إليه مفادها “أن أيامك ستكون معدودة ما دمت تضحي بأقرب حلفائك الواحد تلو الآخر”، فهل تعود العلاقات المصرية السعودية إلى سابق عهدها أم أن المملكة بدأت في تقليع أظافر النظام المصري؟