ابتداءً من اليوم الثلاثاء 18 أكتوبر/ تشرين الأول في تمام الساعة العاشرة صباحًا توقفت ضربات طيران القوات الجوية الروسية والسورية في منطقة حلب، حسبما أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، داعيًا الدول ذات النفوذ لإقناع القادة المسلحين بضرورة مغادرة المدينة.
هدنة أم مماطلة أم ضعط دولي!
تأتي خطوة إعلان الهدنة اليوم الثلاثاء بعدما أعلنت موسكو عن هدنة إنسانية في مدينة حلب ستقوم بها يوم الخميس 20 أكتوبر لثماني ساعات، حيث أشار السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين أنه بالإمكان وقف إطلاق النار في حلب إذا تم التخلص من جبهة فتح الشام (النصرة سابقًا)، إذ تبلور هذا الطرح في محادثات لوزان في سويسرا التي جرت في 15 أكتوبر الجاري وتم مناقشته في جلسة مغلقة لمجلس الأمن بشأن سورية، بهدف الفصل بين فصائل المعارضة وتسهيل إرساء الهدنة.
وتسعى روسيا من وراء هذا الخيار لوضع مقاتلي جبهة فتح الشام أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن يغادروا الأحياء الشرقية لحلب حيث القصف الروسي والسوري يستهدف تلك المنطقة بلا هوادة وإما أن يُهزموا.
إعلان الهدنة هو فعل تكتيكي عنوانه الرئيس المراوغة والتسويف المقصود
فإذا غادر المقاتلون من شرق حلب فإن الاتفاق الذي تم التوصل إليه في لوزان ينص على أن تتفاوض المعارضة المعتدلة مع حكومة النظام السوري في دمشق على وقف الأعمال القتالية.
سأل نون بوست الباحث السياسي سنان حتاحت حول قابلية نجاح الهدنة التي أقرتها موسكو في حلب، وأجاب أنه لا يمكن التعويل كثيرًا على وقف إطلاق النار المؤقت، وإن جاء تلبية لبعض الضغوط الغربية على روسيا، فالإعلان أولاً أحادي الجانب وبالتالي فهو غير ملزم، وثانيًا غير قابل للاستدامة، إذ تصر روسيا على خروج جميع المقاتلين من حلب دون استثناء.
بينما يشير المحلل السياسي باسل الحاج جاسم لنون بوست أن الهدنة حتى الآن، ونظرًا لتحديد مدة زمنية قصيرة جدًا، تحمل رسالتين: خارجية، مفادها أن موسكو باتت تمتلك كامل القرار في الحرب السورية، وداخلية بإعطاء عدة ساعات لمن يرغب من مقاتلي الفصائل التي هي أيضًا من حددتها بمغادرة مدينة حلب.
أما الباحث السياسي معن طلاع فيرى أسباب إعلان موسكو لفترات تهدئة إنسانية، أنها تأتي كفعل تكتيكي عنوانه الرئيس المراوغة والتسويف المقصود، حسب ما أفاد لنون بوست.
وبرأي طلاع فإن هذا الفعل لتحقيق هدفين في آن معًا الأول: بلورة مخرج آني تتلقفه الإدارة الأمريكية لتُنفس منابع الضغط الذي تتعرض له في الداخل الأمريكي (لا سيما الأمني التقني) من جهة، ومن الشريك الأوروبي من جهة أخرى، حيال الثقة الزائدة والوكالة الواضحة التي تمنحهما هذه الإدارة لموسكو، وهذا يأتي نتاجًا لمقاربة سياسية مبنية على أن عمليات التنسيق الأخيرة مع الأمريكيين كان يحكمها “اتفاق نوايا” قبل أي شيء وأهداف مشتركة عدة تتصل بالغايات السياسية النهائية المرتجى الوصول إليها كتنحية كافة الفاعليين الإسلاميين وضرب تنظيم الدولة وتنظيمات القاعدة وعدم التفريط بأجهزة الدولة ووظائفها وتشكيل حكم مشترك لا يؤثر على وظائف النظام الأمنية.
أما الهدف الثاني فهو اختبار وظيفي لاستراتيجية إخراج كافة المناطق الجيواستراتيجية من معادلات الصراع والتي بدأت من درعا مرورًا بريف دمشق وحمص وها هي تصل إلى مناطق حلب الشرقية الاستراتيجية التي تسميها غرفة حميميم “سياسة المصالحات”، وتستند على سياسة تدير البنى التحتية بشكل رئيسي وإحكام نهج المحاصرة والتطويق لتلك المناطق.
وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو
وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو دعا بعد انتهاء لوزان إلى خروج جبهة فتح الشام من حلب فورًا، وأفاد في التصريحات الصحفية التي أدلى بها أن المجتمعين متفقون على ضرورة استئناف المحادثات السياسية من أجل إيجاد حل دبلوماسي في سورية.
الجدير بالذكر أن عدد مقاتلي فتح الشام يصل لقرابة 10% من إجمالي المقاتلين التابعين لفصائل المعارضة السورية المعتدلة المتواجدين في حلب الشرقية، والبالغ عددهم نحو 10 آلاف مقاتل في الفصائل المعتدلة، مقابل 900 مقاتل من مقاتلي الجبهة.
يحدث هذا بينما النظام السوري وحلفاءه استطاعوا تحقيق اختراق كبير في معادلة الصراع بعدما تمكن النظام في أقل من شهرين تطويع أهم المدن الخارجية عن “بيت الطاعة” وسيطرة الدولة وإخراجها من دائرة الصراع بشكل كامل، كما حصل مع داريا والهامة وقدسيا ومدن أخرى ويتابع باتجاه الغوطة الشرقية وما تبقى من الغوطة الغربية والزبداني، ويرى باحثون في الشأن السوري أنه إذا بقيت المؤشرات السياسية والضغط العسكري والحصار الخانق مستمرًا فإن النظام سيكون قادرًا على السيطرة على دمشق وريفها بحلول نهاية العام الحالي 2016.
هل تسقط حلب بفعل الهدنة الروسية؟
بالعودة إلى ظروف الهدنة التي تفرضها روسيا، فإن الجميع يتفق أن إعلان روسيا لهدنات إنسانية قصيرة الأمد يأتي بعد ضغوط دبلوماسية أوروبية وأمريكية على روسيا لوقف العنف في حلب من جهة ومن جهة أخرى محاولة روسيا التهرب من الالتزام بوقف إطلاق نار طويل الأمد يمكن القوى الدولية وهيئات الإغاثة إدخال المساعدات الإنسانية لنحو 300 ألف شخص محاصر في حلب الشرقية.
ويؤكد هذا ما أعلنه رئيس إدارة العمليات في هيئة الأركان العامة للجيش الروسي الفريق سيرغي رودسكوي أمس الإثنين بقوله: “جميع المسائل المتعلقة بوقف إطلاق النار في حلب قد تستغرق وقتًا طويلاً، لذلك قررنا ألا نضيع الوقت وأن نبدأ فترات تهدئة إنسانية وبالدرجة الأولى لمرور المدنيين بحرية ولإجلاء المرضى والمصابين ولخروج المسلحين”.
علينا ألا نستغرب إذا ما قامت موسكو مثلًا بخطوة كإعلان حظر جوي على كامل الأراضي السورية
أما الضغوط الدولية فظهرت من خلال إدانة الاتحاد الأوروبي قصف حلب واعتبارها تصل لـ “جرائم حرب” خلال اجتماع لوزراء الخارجية الـ 28، حيث تستهدف الضربات الجوية السورية والروسية الأجزاء التي تسيطر عليها المعارضة في حلب، وخص الاجتماع موسكو في انتقاداته لاستهدافها المتعمد للمستشفيات والأطقم الطبية.
كما اقترنت الإدانة بسعي دول أوروبية لتشديد العقوبات على موسكو بسبب دورها في سورية، فبحسب مصادر ألمانية فإن الهجوم على قافلة المساعدات الأممية والهلال الأحمر العربي السوري الشهر الماضي وأعمال روسيا في مدينة حلب ساهم في ذلك، ومن المقرر أن تناقش هذه المسألة في قمة للاتحاد الأوروبي يومي الخميس والجمعة المقبلين.
اجتماع لوزان في سويسرا
وحول السياسة العسكرية المستقبلية المتوقعة حيال حلب، يذكر معن طلاع لنون بوست أن موسكو ستسعى جاهدة لاستغلال الهوامش التي تتيحها سياقات الانتخابات الأمريكية من تعظيم شروطها في هذه المحافظة، الأمر الذي يعزز من فرضية استرداد السيطرة على المدينة قبل انتهاء الانتخابات الأمريكية، وبالتوازي مع العمل على مجموعة تفاهمات (اقتصادية – أمنية) مع دول الإقليم الداعمة للمعارضة السورية (بالإشارة إلى تركيا) سعت وستسعى موسكو من خلالها إلى تقليل المهددات الأمنية لتلك الدول مقابل تعزيز شروطها في اللعبة السورية عامة وتحكمها بسير العملية السياسية خاصة، إذ تعول موسكو على الملف السوري كثيرًا لضمان تثبيت عودتها النوعية للمنطقة وفرض شروطها الاستراتيجية على النظام الإقليمي الناشئ.
إذا بقيت المؤشرات السياسية والضغط العسكري والحصار الخانق مستمرًا فإن النظام سيكون قادرًا على السيطرة على دمشق وريفها بحلول نهاية العام الحالي
ويشير الحاج جاسم أنه في ظل الإصرار الروسي على موقفهم والذي يقابله “لا قرار” أمريكي واضح وثابت، علينا ألا نستغرب إذا ما قامت موسكو مثلًا بخطوة كإعلان حظر جوي على كامل الأراضي السورية، إذا أخذنا بالاعتبار أن الاجتماعات الدولية باتت تكرر مطالب روسيا وإنما بإجماع دولي.
أما حتاحت فيرى أنه من المبكر جدًا الحكم بشكل قطعي على سقوط حلب، ولكن من الصعب مواجهة روسيا في غياب أي دعم دولي أو إقليمي حقيقي، فأهالي المدينة يعولون على قدرة المقاومة الوطنية في الصمود ريثما تتغير الظروف، وهو رهان مكلف ولكنه الوحيد، خصوصًا وقد باتت سياسة النظام في تفريغ الحواضن الشعبية للثورة معروفة لدى الجميع.