ما بين الحين والآخر وقبيل أي حدث هام تخرج علينا مراكز قياسات الرأي العام في مصر بنتائج كثير منها ليس له علاقة بالواقع تمامًا، لا سيما المتعلقة بشعبية السيسي، فما بين الـ 98% نسبة الراضين عن الأداء مرورًا بتراجع الشعبية لتصل إلى 80% ثم 79% في محاولة لامتصاص حالة السخط الشعبي، وتهدئة الرأي العام المشتعل بسبب الكثير من الأحداث والأزمات التي يواجهها ليل نهار.
وفي تطور غير مسبوق، وبعيدًا عن جدلية نتائج هذه المراكز المسيّسة، يتسلم السيسي تقريرًا موثقًا يؤكد انهيار شعبيته، وتراجعها بصورة مقلقة لتصل إلى ما دون الـ 50%، في الوقت الذي يستعد فيه الشارع لاستقبال استحقاق ثوري جديد فيما أطلق عليه إعلاميًا “انتفاضة الغلابة” والمقرر لها يوم 11/11، لتضع العديد من علامات الاستفهام في مقدمتها: هل مصر مقبلة على ثورة شعبية جديدة؟
تراجع الشعبية وإرهاصات ثورة قادمة
للمرة الأولى منذ تقلده مقاليد الأمور في مصر عقب الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في 3 يوليو 2013، سواء كان وزيرًا للدفاع أو رئيسًا للدولة، يتسلم عبدالفتاح السيسي تقريرًا قدم له في صورة تقدير موقف نهاية الأسبوع الماضي، محذرًا من اشتعال ثورة جياع حال استمرار الوضع على ما هو عليه، لا سيما بعد تراجع شعبيته بصورة مقلقة.
التقرير الذي نشرته صحيفة الأخبار اللبنانية شارك في إعداده كوكبة من أجهزة الأمن والمخابرات العامة والحربية، ثم تم رفعه لمستشار الرئيس للأمن اللواء أحمد جمال الدين، الذي كان وزيرًا للداخلية إبان فترة مرسى، والذي بدوره قدمه للسيسي بعد تلخيصه في بعض النقاط.
التقرير المسرب كشف عن حالة غليان داخل الشارع، بسبب ارتفاع الأسعار وغياب العدالة الاجتماعية، وفرض المزيد من الضرائب على كاهل المواطنين، إضافة إلى تخصيص بعض الفئات وفي مقدمتها الجيش والشرطة والقضاء بالامتيازات المادية والعينية على حساب الملايين من الفقراء.
اللواء أحمد جمال الدين في تقريره الملخص طالب بضرورة إرجاء أي زيادات في الأسعار مجددًا إلى ما بعد 11/11، وهذا يتفق تمامًا مع ما أثير بشأن تأجيل قرار تعويم الجنيه انتظارًا لما يمكن أن تتمخض عنه انتفاضة الغلابة، تحسبًا لأن يتسبب هذا القرار حال اتخاذه في الوقت الحالي في تأزم الموقف وزيادة منسوب السخط الشعبي، فضلاً عن أهمية رصد أي تحركات غير طبيعية في الشارع تمهيدا لوأدها قبل الانتشار والتمدد.
كما حدد التقرير المخابراتي ما يقرب من 18 بؤرة ومنطقة داخل القاهرة كونها الأكثر احتقانًا، ومن ثم مراقبتها جيدًا حتى لا تكون نقاط انطلاق وتحركات المتظاهرين المحتجين، إضافة إلى وضع الجامعات تحت الرقابة المشددة، تحسبًا لخروج أي تظاهرات أو أنشطة معادية للنظام في الفترة القادمة، وبالرغم من غياب التظاهرات الطلابية داخل الجامعات هذا العام، إلا أن التقرير أفرد لها مساحة كبيرة، وحذر من احتمالية حدوث انتفاضات طلابية في الفترة القادمة.
التقرير المسرب كشف عن حالة غليان داخل الشارع، بسبب ارتفاع الأسعار وغياب العدالة الاجتماعية، وفرض المزيد من الضرائب على كاهل المواطنين، إضافة إلى تخصيص بعض الفئات وفي مقدمتها الجيش والشرطة والقضاء بالامتيازات المادية والعينية على حساب الملايين من الفقراء
وقد أبلغ مستشار الرئيس للأمن، أجهزة صنع القرار في مصر بخطورة بعض المعلومات الواردة في هذا التقرير، طالبًا من وزير الداخلية تكليف مديري الأمن وقطاعات الوزارات بإعداد تقارير ترسل له شخصيًا، على أن تكون أسبوعية حتى الخامس والعشرين من يناير القادم.
تضارب نتائج الاستطلاعات
جاء التقرير الأمني المقدم للسيسي حول تراجع شعبيته في الفترة الأخيرة ليضع العديد من علامات الاستفهام حول النتائج التي تم الإعلان عنها ما بين الحين والآخر من قبل مراكز قياسات الرأي العام، والتي لا تقل في أسوأ الأحوال عن تأييد ما يقرب من 75% من المبحوثين للرئيس، فوفقًا لنتائج استطلاع المركز المصري لبحوث الرأي العام “بصيرة”، المعروف بتأييده للنظام، فإن 82% من المواطنين موافقون على أداء السيسي عقب مرور 26 شهرًا من توليه الرئاسة، مقابل 12% رافضين، بينما لم يستطع 6% الحكم على أدائه.
الدكتور ماجد عثمان، مدير المركز أشار إلى أن الاستطلاع الذي تم إجراؤه باستخدام الهاتف المنزلي والمحمول على عينة احتمالية حجمها 1533 مواطنًا في الفئة العمرية 18 سنة فأكثر غطت كل محافظات الجمهورية، منوها إلى أنه تمت كل المقابلات يومي 8 و9 أغسطس 2016، وأظهر أن نسبة الموافقين على أداء الرئيس من 84%، والحاصلين على تعليم أقل من متوسط إلى 78% بين الحاصلين على تعليم جامعي.
وفي المقابل جاءت نتائج استطلاع رأي أجراه المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام، “تكامل مصر” وهو مركز يميل إلى المعارضة، مناقضة تمامًا، وقال إن 74% من المصريين يرفضون استمرار نظام السيسي، مقابل 11% فقط يريدون استمراره، بينما 15% ليس لديهم اهتمام بما يحدث، وترتفع نسبة الرفض في الفئات العمرية أقل من أربعين عامًا لتصل إلى 81%، وتتقارب نسب رفض استمرار النظام عند الذكور والإناث.
بالرغم من تباين نتائج قياسات الرأي العام حول شعبية السيسي إلا أنها تشترك جميعها في تآكل هذه الشعبية
وأضاف المركز الذي أجرى الدراسة أيام 27 و28 و29 يوليو الماضي، أن العينة العشوائية التي خضعت للدراسة يصل عددها إلى 4615 مفردة موزعة على محافظات مصر حسب حجم السكان بكل محافظة، وقد تم استخدام التناسب الطبقي للنوع والعمر ومستوى الدخل والتعليم في أثناء اختيار العينة، على حد قول المركز.
مما سبق يلاحظ أن نتائج استطلاعات الرأي بخصوص شعبية السيسي، التي تقوم بها مراكز قياسات الرأي العام، تخضع في نهاية الأمر للأهواء السياسية، والتوجهات الخاصة بإدارة هذه المراكز، وبالرغم من تغير واختلاف النسب بين المراكز، إلا أن الثابت لدى المصريين أن شعبية السيسي لم تعد كما كانت عليه قبل عامين أو أكثر.. فما السبب؟
الأزمة الاقتصادية أبرز الأسباب
كشف حساب السيسي خلال العامين الماضيين يبين بلا أدنى شك فشل حكومته في تحقيق الحد الأدنى لمتطلبات الشعب وأحلام المواطنين، حيث تبخرت معظم الوعود التي قطعها الرئيس على نفسه منذ توليه مقاليد الأمور، فضلاً عن تسبب السياسات المتبعة في تدني المستوى المعيشي للمواطن في كافة مناحي الحياة.
ارتفاع الأسعار وزيادة الضرائب، وانخفاض قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية، وغياب العدالة وتفشي الفساد والظلم، والتصالح مع المجرمين ولصوص المال العام، والزج بعشرات الآلاف داخل السجون والمعتقلات، وتقليم أظافر المعارضة، وقصف الأقلام وتسويد الشاشات وكبت الحريات كانت أبرز الأسباب التي أدت إلى تراجع شعبية السيسي حسبما أشار الخبراء والمحللون.
الكاتب الصحافي عبد الله السناوي، صرح في أكثر من مناسبة أن شعبية الرئيس عبد الفتاح السيسي في تآكل مستمر، خاصة في الفترة الأخيرة، بعد فشل الحكومة في القيام بمسؤولياتها تجاه الشعب المقهور، وهو ما قاله الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أكثر من مرة.
السناوي الذي كان أبرز الداعمين للسيسي سابقًا، أرجع تراجع شعبية الرئيس إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية، وتحميل الفقراء وأبناء الطبقة المتوسطة تبعات الأزمة، وفرض الضرائب والرسوم عليهم، إضافة إلى تراجع الحريات وانتهاكات حقوق الإنسان، فضلاً عن انقطاع التواصل مع الشباب واعتقال الآلاف منهم، منوهًا بأن الرئيس شخصيًا اعترف في أكثر من خطاب له بوجود “مظاليم” كثر في السجون، وتساءل السناوي: ما الذي يمنع الإفراج عن هؤلاء المظاليم، حتى يساهموا في العمل والتنمية.
وفي السياق نفسه يرى الكاتب الصحفي السيد الربوة أن شعبية السيسي ليست كما كانت حين تولى الرئاسة 2014، بل تراجعت بصورة ملحوظة، محملاً السياسات الخاطئة وغياب الرؤية الواضحة للقيادة مسؤولية تآكل شعبيته إلى هذا الحد غير المتوقع، ومن يتوهم عكس ذلك فعليه مراجعة نفسه.
الربوة لـ “نون بوست” أكد أيضًا أن الصناديق هي المعيار الحقيقي لشعبية أي حاكم، إلا أن الشواهد الحياتية تكشف النقاب قليلاً عن ملامح هذه الشعبية، لا سيما وأن هناك حالة احتقان لدى الشارع بصورة كبيرة، وبات الحديث عن الأزمة وفشل الرئيس وحكومته وردًا يوميًا لدى المواطن في الشارع ووسائل المواصلات وفي بيته ومع أصدقائه.
أما بخصوص انتفاضة الغلابة في 11/11 فقلل الربوة من احتمالية أن يكون لها تأثيرها المنتظر نظرًا لغياب بعض المقومات الأساسية وفي مقدمتها وحدة فصائل المعارضة، وغياب التنسيق فيما بينها، إلا أنه في الوقت ذاته أشار إلى أنها ستكون نقطة انطلاق نحو موجة ثورية جديدة حال استمرار الوضع على ما هو عليه من تدني في المستوى الاقتصادي، ومزيد من إفقار الشعب لصالح ثراء النخب.
بينما أرجع محمد عطية، عضو تكتل القوى الثورية، تراجع شعبية السيسي إلى أنه يعتمد على الكلام أكثر من الأفعال، والوعود أكثر من التنفيذ، على حد قوله.
عطية الذي كان عضوًا سابقا في حملة السيسي الانتخابية، يرى أنه لم يعد هناك رهان يعتمد عليه الرئيس في دعم شعبيته من جديد، ولكنه يعتمد فقط على الجيش والشرطة اللذين يبسطان له السيطرة على الدولة، معتبرًا أن الأزمات التي يعيشها الشعب من انقطاع في الكهرباء، وارتفاع جنوني للأسعار ستزيد تقليص شعبية الرئيس خلال الفترة القادمة أكثر وأكثر.
تراجع شعبية السيسي بسبب أنه يعتمد على الكلام أكثر من الأفعال، والوعود أكثر من التنفيذ
وفي سياق آخر، قلل الدكتور محمد سيد أحمد، أستاذ علم الاجتماع السياسي بأكاديمية الشروق، من نتائج قياسات الرأي العام بشأن شعبية السيسي، مؤكدًا صعوبة البت في هذه الموضوع ما لم تجر انتخابات رئاسية، ولكنه بنى حكمه بتضرر شعبية الرئيس على أن غالبية من انتخبوا السيسي ينتمون للطبقة الفقيرة والأقل من المتوسطة وهؤلاء لم يشهدوا أي تحسن اجتماعي أو اقتصادي ليستمر رضاهم عنه بل تدهورت شؤونهم أكثر.
أستاذ علم الاجتماع السياسي أشار أيضًا إلى أن السياسات الاجتماعية الخاطئة والانحياز لأصحاب رؤوس الأموال ضد الكادحين، وراء سخط القوام الرئيسي الداعم السيسي، مبينًا أن هذه الكتلة لا تلتفت إلى العاصمة الجديدة أو مشروع قناة السويس أو المشروعات الأخرى التي يحاول النظام ترويج نفسه بها.
من الواضح أن تراجع شعبية الرئيس لم تكن على المستوى الشعبي وفقط، بل نشرت بعض وسائل الإعلام ومنها العربي الجديد تقريرًا منذ فترة عن غضب بعض قيادات المؤسسة العسكرية المصرية من السيسي وحكومته بسبب التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية وفق اتفاقية إعادة ترسيم الحدود بين البلدين، وهو ما فسره البعض حينها بأنه “كارت إرهاب” قدمته مؤسسة الجيش ضد كل من تسول له نفسه المساس بتراب الوطن ولو كان رئيس الدولة نفسه، خاصة في وأنه أحد أبناء تلك المؤسسة.
أما خارجيًا وبحسب تصريحات أستاذ العلوم السياسية، الإماراتي عبد الخالق عبد الله، مستشار ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، فإن هناك عواصم خليجية عدة طالبت السيسي بعدم الترشح لفترة رئاسية جديدة في الانتخابات الرئاسية المقبلة لعام 2018، نظرًا لما وصلت إليه الأمور من تدني.
وقال عبد الله في تغريدة عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الإجتماعي “تويتر”: “الإيكونميست تدعو الرئيس السيسي لعدم الترشح للرئاسة 2018 ، وربما حان الوقت أن يسمع هذه النصيحة الحريصة من عواصم خليجية معنية بمستقبل الاستقرار في مصر”.
من هنا يمكن القول أنه وبعد مرور حوالي 28 شهرًا على تولي عبد الفتاح السيسي رئاسة مصر قد أيقن الرجل ونظامه الأمني أن هناك تآكل واضح في شعبيته التي طالما عزفت على أوتار التمجيد والتضخيم بسبب نتائج المراكز المسيّسة والتي أرادت أن تجامل الرئيس فأوقعته في الفخ.
لا يوجد عاقل داخل مصر أو خارجها ينكر هذه الحقيقة، لكن الخلاف بين المؤيد والمعارض يتطرق إلى نسبة هذا التآكل، فما بين الانهيار في أقصى اليسار إلى التأييد المطمئن في أقصى اليمين، ومع ذلك يبقى السؤال: في ضوء التقرير الذي وصل للسيسي مؤخرًا حسبما نشرت الصحيفة اللبنانية، هل يمكن القول أن هناك ثورة شعبية قادمة؟ وهل يمكن أن تكون دعوات التظاهر في 11/11 هي الشرارة الأولى لاشتعال هذه الثورة؟ وما موقف المؤسسة العسكرية المصرية حال اشتعالها؟ كل هذه الأسئلة من الممكن أن تكون محل نقاش حال استمرار الوضع على ما هو عليه.