ترجمة وتحرير نون بوست
كتب مارك مازيتي، وبن هابارد
قام هذا الرجل بالتخفيض من ميزانية الدولة وتجميد العقود الحكومية وخفض أجور موظفي المملكة ضمن سلسلة إجراءات وتدابير تقشفية صارمة بعد أن تدهور الاقتصاد السعودي على خلفية انخفاض أسعار النفط.
لكن خلال عطلته التي قضاها في جنوب فرنسا، لمح الأمير بن سلمان يختا كبيرا عائما. فقام بتكليف أحد مساعديه بشراء اليخت الذي كان على ملك الميلياردير الروسي يوري شافلر. وقد تمت الصفقة بينهما في غضون ساعات أخلى بعدها البائع اليخت في نفس اليوم، وتم شراء اليخت بنحو 500 مليون يورو (حوالي 550 مليون دولار و2 مليار ريال)، وذلك وفقا لأحد المقربين من شيفلر ومن العائلة الملكية السعودية.
يحاول الأمير بن سلمان البالغ من العمر 31 سنة تغيير دواليب الحكم التقليدية، وإعادة هيكلة الاقتصاد وتعزيز السلطة لكنه لا يزال في الوقت ذاته حريصا على الحصول على كل الإمتيازات التي يقدمها له منصبه. وخلال السنتين الماضيتين، برز بن سلمان في صورة الأمير الأكثر ديناميكية في أغنى دولة في العالم العربي، وجعل احتمال وجود منافسة شديدة على العرش أمرا واردا للغاية.
والجدير بالذكر أن للأمير بن سلمان يدا في كل مجالات السياسة السعودية، بداية من الحرب في اليمن التي كلفت مليارات من الدولارات وأدت إلى توجبه انتقادات دولية للمملكة بسبب مقتل مدنيين يمنيين، وصولا إلى المساعي الحثيثة التي تهدف إلى وقف “إدمان” السعودية على النفط. كما يعمل الأمير على تخفيف العقود الاجتماعية التي يتم فرضها على الشباب في المملكة.
وتجدر الإشارة إلى أن بروز الأمير بن سلمان حطم عقودا من الحكم الملكي التقليدي في السعودية؛ حكما عادة ما يفرض احتراما خاصا للأقدمية ولتقاسم السلطة بين الفروع، وهو ما يعد من التقاليد العريقة. ولم يحدث من قبل في تاريخ المملكة العربية السعودية أن تم منح ولي ولي عهد السلطة التي يحضى بها الأمير محمد بن سلمان، وهو ما أغضب الكثير من أقاربه.
دفع طموح الأمير بن سلمان غير المحدود بالعديد من السعوديين والمسؤولين الأجانب للاشتباه في أن هدف الأمير لا يتلخص في إعادة هيكلة للمملكة بل ربما يتعدى ذلك ليصبح الملك القادم، رغم أن ولي العهد هو ابن عمه محمد بن نايف البالغ من العمر 57 سنة. وإن حصل ذلك، فإن ذلك سيغضب أقاربه أكثر فأكثر وسيمنح المملكة العربية السعودية أمرا لم تشهده من قبل: أميرا شابا يمكن أن يبقى على رأس المملكة لعدة عقود.
أما ولي العهد الأمير محمد بن نايف، فهو وزير للداخلية ولطالما عمل على مكافحة الارهاب وله علاقات عميقة مع واشنطن ويتمتع أيضا بدعم من قبل عديد أفراد العائلة الملكية. وفي الحقيقة، فإن محاولة فهم وفك رموز ديناميكيات العائلة المالكة في السعودية قد لا يكون أمرا سهلا، لكن من المسؤولين السعوديين والأمريكيين أفادوا أن الأمير بن سلمان يسعى إلى الوصول إلى ملفات الأمير بن نايف بهدف إضعافه.
لذلك، فإن عديد المسؤولين في واشنطن يحاولون أن يكونوا على استعداد لكل السيناريوهات. وبالتالي، فهم يقومون ببناء علاقات مع كل من الأمير بن نايف والأمير بن سلمان. وقد تلقى البيت الأبيض علامات مبكرة تفيد ببروز أمير شاب في أواخر سنة 2015، عندما قام الأمير بن سلمان بالتحدث عن فشل السياسة الخارجية الأمريكية خلال لقاء بين والده، الملك سلمان، والرئيس باراك أوباما.
كما أبدى عدد كبير من الشباب السعودي إعجابهم بالأمير بن سلمان كونه ممثلا لجيلهم وكونه قام بالتصدي لعدد من مشاكل المملكة بطريقة غير معهودة. ولطالما صورته وسائل الاعلام على أساس أنه زعيم يعمل بجد دون إيلاء أي اهتمام لزخارف الملوك. بينما يراه آخرون بأنه مغرور ومتعطش للسلطة، كما أنه يعاني من عدم الاستقرار فهو يحدث عددا كبيرا من التغييرات في سرعة كبيرة. فخلال أشهر من المقابلات التي تم التركيز فيها على الشؤون السعودية مع المسؤولين السعوديين والأمريكيين، وأعضاء العائلة المالكة وأعوانهم والدبلوماسيين السعوديين، تبين أن عددا كبيرا منهم يعتبر الأمير بن سلمان شخصا يسعى، في وقت قياسي، إلى أن يثبت أنه بإمكانه إحداث تغيير كبير في المملكة العربية. وقد رفض الأمير بن سلمان طلبنا لمقابلته كجزء من هذا التقرير.
ولكن السؤال الذي يطرحه العديدون، ولا يمكن الإجابة عليه بعد، هو ما إذا سينجح الأمير الطموح في رسم مسار جديد للملكة، أو ما إذا سيكون اندفاعه وقلة خبرته سببا في زعزعة استقرار أكبر اقتصاد في العالم العربي في وقت يمر به الشرق الأوسط بعدة أزمات.
الأمير محمد بن سلمان (يسار) مع ولي العهد الأمير محمد بن نايف. يعتقد الكثير من المسؤولين السعوديين والأجانب أن هدف بن سلمان هو أن يكون الملك القادم .
توتر في قمة هرم السلطة
في وقت مبكر من هذا العام، غادر ولي العهد الأمير بن نايف للتوجه لفيلا عائلته في الجزائر، وهو مجمع مترامي الأطراف يبعد ساعة عن العاصمة الجزائرية. وعلى الرغم من أن بن نايف دائما ما يتمتع بإجازات سنوية للصيد في الجزائر، إلا أن هذه السنة كانت مختفلة. فقد بقي هناك لمدة أسابيع بمعزل تام عن العالم الخارجي. كما أنه غالبا ما يرفض الرد على الرسائل التي يرسلها المسؤولون السعوديون والشركاء المقربون في واشنطن، بما في ذلك جون برينان، مدير وكالة المخابرات المركزية.
يعاني ولي العهد الأمير بن نايف من مرض السكري كما يعاني من الآثار المتبقية من محاولة اغتيال استهدفته سنة 2009 نفذها جهادي فجر قنبلة كان قد خبأها في منطقة المستقيم.
وتجدر الإشارة إلى أن غياب ولي العهد الطويل خلال أزمة انخفاض أسعار النفط، وخلال أزمات الشرق الأوسط والحرب المتعثرة التي تقودها السعودية في اليمن، دفع عديد المسؤولين الأمريكيين إلى التفكير في أن ولي العهد كان يحاول تجنب الاحتكاكات مع إبن عمه الأصغر سنا لكي لا يؤثر ذلك على حضوضه في اعتلاء العرش. فمنذ تولي الملك سلمان للسلطة في كانون الثاني/يناير من سنة 2015، قام بمنح مناصب جديدة لابنه ومنحه مزيدا من السلطة. وقام في المقابل بتقويض سلطة ولي العهد. كما قام الملك سلمان بالإعلان عن تشكيل تحالف عسكري من الدول الإسلامية بهدف مكافحة الارهاب، وذلك على الرغم من أن مجال مكافحة الارهاب لطالما كان خاصا بالأمير بن نايف، كما أن التحالف الجديد لم يعط ولي العهد ووزارة الخارجية أي دور في مكافحة الإرهاب.
وتبدو العلاقة الخاصة بين الأمير بن نايف والأمير بن سلمان غير واضحة، الأمر الذي أجج النقاش في المملكة العربية السعودية وفي العواصم الأجنبية حول من سيكون الملك القادم للمملكة. لكن من المؤكد أنه يوجد اختلافات واضحة في طريقة تعامل الأميرين مع الرأي العام. فالأمير بن نايف عادة ما يفضل العمل بصمت، رغم أنه زار نيويورك في الشهر الماضي وألقى خطابا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أن يتوجه إلى تركيا في زيارة رسمية. أما إبن عمه الأمير بن سلمان، فهو يفضل أن يكون في دائرة الضوء بينما يقوم بجولاته في عواصم العالم ويتحدث مع الصحفيين الأجانب ويلتقط صورا مع مؤسس موقع فيسبوك مارك زاكربورغ ويقدم نفسه على أنه الوجه الجديد للمملكة الجديدة.
وفي هذا السياق، قال جوزيف كيشيشيان، وهو زميل بارز في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الرياض، ولديه اتصالات واسعة مع العائلة المالكة السعودية أنه “ليس هناك موضوع أكثر أهمية من مسألة الخلافة… خاصة الآن. وهذا أمر مهم بالنسبة للمملكة وللحلفاء الإقليميين والشركاء الدوليين“.
ومن بين أهم المبادرات الملموسة التي قام بها الأمير بن سلمان، الذي يشغل منصب وزير الدفاع، هي الحرب التي تقودها السعودية في اليمن. فقد بدأت هذه الحرب السنة الماضية لكنها فشلت في طرد المتمردين الحوثيين وحلفائهم من العاصمة اليمنية. وأدت الحرب أيضا إلى انتشار المجاعة في اليمن وإلى مقتل الآلاف من المدنيين في حين كلفت الحكومة السعودية مليارات من الدولارات. كما أن قيادة الأمير للحرب دون أن تكون له أية خبرة عسكرية زاد من حدة التوترات بينه وبين أبناء عمومته الأكبر سنا، وذلك وفقا لمسؤولين أمريكيين وأفراد من العائلة المالكة. وتجدر الإشارة إلى أن ثلاثة أجهزة أمنية الرئيسية في المملكة العربية السعودية يقودها ثلاث أمراء. وعلى الرغم من أن الجميع اتفق على أنه على المملكة أن تتدخل عندما استولى الحوثيون على العاصمة اليمنية، إلا أن الأمير بن سلمان أعلن بداية الحرب في آذار/مارس من سنة 2015 دون أي تنسيق مع الأجهزة الأمنية الأخرى. كما لم يتم إبلاغ رئيس الحرس الوطني الأمير متعب بن عبد الله الذي كان خارج البلاد عندما نفذت الضربات الأولى، وذلك وفقا لأحد كبار ضباط الحرس الوطني. وتجدر الإشارة إلى أن الحرس الوطني هو الآن المسؤول عن جزء كبير من الحدود اليمنية. كما لم يتم أيضا التنسيق مع المسؤولين الأمريكيين.
جنود سعوديون على الحدود الجنوبية مع اليمن. كلفت حرب اليمن المملكة مليارات الدولارات وقادت المجتمع الدولي لانتقاد قيادة السعودية
وفي خضم بداية الحرب في اليمن، كان الأمير بن سلمان في عطلة في جزر المالديف. وقد قال العديد من المسؤولين الأميركيين، إن وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر كان يحاول التواصل معه في ذلك الوقت إلا أنه لم يتمكن من ذلك.
وقد أدت الحرب أيضا إلى تنامي التوتر بين الأمير بن سلمان والأمير بن نايف الذي حظي باحترام السعوديين والمسؤولين الأمريكيين بعد أن نجح في تفكيك تنظيم القاعدة في المملكة بعد تواجده فيها لأكثر من 10 سنوات. وفي سياق آخر، قال المحلل السابق لشؤون الشرق الأوسط في وكالة الاستخبارات الأمريكية بروس ريدل إنه “إن أراد الأمير محمد بن نايف أن يتم اعتباره داعما كبيرا للحرب على اليمن، فقد كان قادرا على فعل ذلك في السنة والنصف التي مرت”. أما الأمير بن سلمان، ومع اقتراب بداية الحرب في اليمن، فقد عبر عن مساندته لهذه الحرب وظهر عدة مرات خلال زيارة للجنود وللقادة العسكريين. لكن مع بداية الحرب، قلت تلك الزيارات.
إن الحرب تبين مساعي الأمير بن سلمان في مجال السياسات الخارجية؛ فهو يريد أن تصبح المملكة أقل اعتمادا على القوى الغربية مثل الولايات المتحدة الأمريكية. كما انتقد الأمير بن سلمان تحسن العلاقات الأمريكية مع إيران وتصريحات أوباما خلال مقابلة خلال هذه السنة قال فيها إنه على المملكة العربية السعودية أن تحسن علاقاتها مع إيران. وتأتي محاولات الأمير بن سلمان هذه في إطار، ما يقول محللون، إنها مساعي لتعزيز الشعور بالهوية الوطنية السعودية التي لم تكن موجودة منذ تأسيس المملكة سنة 1932. وهو ما تحدث عنه أندرو بوين، وهو خبير سعودي في مركز ويلسون في واشنطن قائلا “لقد كانت هناك موجة من القومية السعودية منذ بداية الحملة في اليمن، مع الشعور بأن المملكة العربية اتخذت إجراءات جماعية مستقلة”. مع ذلك، قال بوين إن “مساندة الشباب للحرب في اليمن قد تقل شيئا فشيئا مع تواصل القتال”. وقد صرح دبلوماسيون أن عدد القتلى في صفوف القوات السعودية أعلى بكثير من الأعداد التي أعلنت عنها الحكومة السعودية. هذا بالإضافة إلى أن استهداف غارة جوية لمجلس عزاء في العاصمة اليمنية جدد دعوات من منظمات حقوق الانسان وبعض المشرعين الأميركيين لمنع أو تأخير بيع الأسلحة الى المملكة. وقال آخرون ممن التقوا بالأمير بن سلمان إنه يصر على أنه يجب على المملكة العربية السعودية أن تكون أكثر حزما في تشكيل الأحداث في الشرق الأوسط ومواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، سواء في اليمن، وسوريا، والعراق أو لبنان. وفي هذا السياق، قال بريان كاتوليس، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في مركز “أمريكين بروغراس” في واشنطن والذي كان قد التقى بالأمير بن سلمان في الرياض، إن “رسالته الرئيسية هي أن المملكة العربية السعودية هي قوة لا يستهان بها”.
الأمير محمد بن سلمان في مؤتمر صحفي بأبريل من العام الجاري، لعرض رؤية المملكة 2030، وخطته في ذلك أن يحول من شكل الحياة في السعودية بأن يبعد اقتصادها عن الاعتماد على النفط، وزيادة أعداد الموظفين السعوديين، وتحسين التعليم والصحة والخدمات الحكومية الأخرى
صعود سلس
تعدّ المملكة العربية السعودية من ضمن الممالك في العالم التي بقيت تعتمد على نظام الملك المطلق، مما يعني أن السلطة التي منحت للأمير بن سلمان تمت من خلال تصويت شخص واحد: والده.
بدأ بروز الأمير بن سلمان في أوائل سنة 2015، بعد وفاة الملك عبد الله على إثر إصابته بسرطان الرئة وبعد أن تولى الملك سلمان السلطة. فقد قام الملك بإصدار سلسلة من المراسيم الملكية التي تهدف إلى إعادة هيكلة الحكومة والخلافة بطريقة تضمن منح ابنه سلطة وقوة هائلة. فجعله وزيرا للدفاع ورئيسا لمجلس جديد قوي للإشراف على الاقتصاد السعودي، كما أصبح مسؤولا عن الهيئة الإدارية لشركة أرامكو السعودية وهي شركة نفط حكومية وهي المحرك الأساسي للإقتصاد السعودي. والأهم من ذلك أن الملك أصدر مرسوما جديدا ليجعل من خلاله الأمير بن نايف وليا للعهد خلفا للأمير مقرن بن عبد العزيز الذي اختاره الملك عبد الله. وقد أبدى العديدون استحسانهم لما فعله الملك سلمان خاصة وأن الأمير بن نايف كان قد نجح في محاربة تنظيم القاعدة كما أنه ليس له أبناء، مما دفع الكثيرين إلى التفكير أن اختيار الأمير بن نايف لولي عهد سيكون على أساس الجدارة بدلا من الأبوة. لكن المفاجأة الأكبر كانت عندما أعلن الملك سلمان عن تعيينه للأمير بن سلمان كولي ولي عهد. كان عمره 29 سنة حينها وغير معروف تقريبا بالنسبة لأقرب الحلفاء للمملكة. وقد ألغى هذا القرار التطلعات السياسية لأقاربه الأكبر سنا الذين لديهم عقود من الخبرة في الحياة العامة وفي قطاعات رئيسية مثل الدفاع والسياسة النفطية. ولا يزال البعض منهم غاضبا لكنهم لا يعبرون عن ذلك علنا وذلك احتراما للملك البالغ من العمر 80 سنة.
ومنذ ذلك الحين، بدأ الملك في وضع خطط لمستقبل المملكة وأعلن عن “رؤية 2030″، وهي خطة تم وضعها في أبريل/نيسان الماضي، تسعى إلى إعادة هيكلة الحياة في السعودية من خلال تنويع المجال الاقتصادي للحد من اعتماده على النفط. كما تسعى الخطة إلى زيادة فرص العمل في السعودية وتحسين التعليم والصحة والخدمات الحكومية الأخرى. وقد تبدو محاولات الأمير بن سلمان كخطة طموحة لتغيير طريقة العيش في السعودية. ويمكن أيضا أن نعتبرها طريقة لتسليط الضوء على فشل طريقة حكم الملك عبد الله والملوك الذين حكموا السعودية قبله. وتجدر الإشارة إلى أنه قد تم وضع خطط للتنمية الحكومية منذ عقود، وتسعى هذه الخطط إلى الحد من اعتماد السعودية على النفط، إلا أن هذه الخطط لم تحدث أي تغيير يُذكر. وفي الخطة الجديدة للأمير بن سلمان، تم التركيز على ضرورة تعزيز الشفافية والمساءلة، حيث تقرّ الخطة بأن كليهما لم يكونا موجودين بالكيفية اللازمة. ويقول دبلوماسيون واقتصاديون إن “جزء كبيرا من الاقتصاد السعودي لا يزال غامضا ومبهما، بما في ذلك تكلفة الإمتيازات السخية ورواتب أفراد العائلة المالكة”.
إن الحاجة إلى التغيير أصبحت ملحة أكثر الآن، خاصة مع انخفاض أسعار النفط ومع دخول آلاف من السعوديين إلى سوق الشغل كل سنة. وقد دعا الأمير بن سلمان إلى عهد جديد من المسؤولية المالية. وبالتالي، تم الترفيع في سعر الوقود والماء والكهرباء في حين تم التخفيض في أجور بعض موظفي القطاع العام. كما أعلن الأمير بن سلمان أنه سيتم بيع أسهم شركة أرامكو السعودية، الشركة التي يُعتقد أنها الأكثر قيمة في العالم.
ويؤمن عدد كبير من السعوديين أن عمر الأمير بن سلمان وطموحه له فوائد عديدة في الوقت الراهن لتغيير طرق التفكير القديمة. في هذا السياق، قالت العضوة في مجلس الشورى السعودي، هدى الحليسي، “إنه يتحدث بلغة الشباب. لطالما كانت البلاد تحت حكم أولئك الأكبر سنا، علينا أن نجد من يقدّم الشعلة للجيل القادم”. في المقابل، بدت بعض مبادرات الأمير بن سلمان غير مدروسة. ففي كانون الأول/ديسمبر، عقد أول مؤتمر صحفي له أعلن من خلال عن تشكيل تحالف عسكري من الدول الإسلامية لمحاربة الإرهاب لكن عددا من الدول التي قال إنهم عضو في التحالف أعلنوا أنهم لا يزالون في انتظار الحصول على معلومات لكي يتخدوا قرارا في شأن الانضمام إلى التحالف. وكانت له قرارات أخرى لاقت استحسان الجميع. فقد دعا الأمير بن سلمان إلى ضرورة توفير مزيد من خيارات الترفيه للعائلات السعودية التي غالبا ما تسافر خارج البلاد خلال العطل. وبعد ذلك بفترة، وافق مجلس الوزراء على سن قانون يحد من سلطة الشرطة الدينية. وقد قام الأمير بن سلمان بإنشاء “هيئة ترفيه” بدأت أول نشاطاتها التي تشمل العروض الكوميدية ومباريات المصارعة وغيرها.
اليخت Serene، أحد أكبر اليخوت الخاصة في العالم، ويبلغ طوله 440 قدما، اشتراه الأمير محمد بن سلمان بعد أن رآه خلال عطلته مقابل 500 مليون يورو (أكثر من 2 مليار ريال سعودي)
وقد حرص الأمير على عدم التعامل بكثيرة مع مجلس هيئة كبار العلماء ورجال الدين الذين يضعون السياسة الدينية الرسمية ويقومون بإصدار فتاوى عادة ما يسخر الشباب السعودي منها معتبرين إياها بعيدة كل البعد عن الحياة الحديثة. وعوضا عن رجال الدين هؤلاء، سعى الأمير بن سلمان إلى التعامل مع رجال الدين الصغر سنا والذين لديهم ملايين من المتابعين في مواقع التواصل الاجتماعي. وبعد أن أصدر “رؤية 2030″، عقد الأمير بن سلمان حفل استقبال للصحفيين والأكاديميين السعوديين ضم عددا من رجال الدين الشباب وعلماء التكنولوجيا الذين أثنوا على الخطة الجديدة.
وتجدر الاشارة إلى أن الأهمية التي يحظى بها الأمير بن سلمان الآن لم تكن أمرا متوقعا في السنوات الماضية بالنسبة للغرب الذين عادة ما يولون اهتماما متواصلا بأبناء العائلة المالكة الشبان، فهؤلاء سيصبحون يوما ما ملوكا.
هذا بالإضافة إلى أن باقي أبناء للملك سلمان الذين درسوا في الخارج بغاية إتقان اللغات الأجنبية وكسب درجات عملية متقدمة، أصبحت لهم سير ذاتية مثيرة للإعجاب. فقد أصبح أحد أبنائه أول رائد فضاء عربي، وآخر نائب لوزير النفط وآخر عمدة لمقاطعة المدنية المنورة. أما الأمير بن سلمان فقد بقي في المملكة العربية ولم يغادرها للدراسة في الخارج، لذلك فهو لا يتحدث الإنجليزية بطلاقة، لكن يبدو أنه يفهمها. وبعد أن تلقى تعليما خاصا، درس الامير بن سلمان في جامعة الملك سعود في الرياض. ويقال أنه احتل المرتبة الرابعة في صفه.
في سنة 2007، زار سفير الولايات المتحدة الأمريكية الملك سلمان عندما كان أميرا وحاكما للرياض لتوديعه بعد أن انتهت مهمته في السعودية، فطلب منه الملك سلمان مساعدته لكي تتحصل زوجته على تأشيرة دخول للولايات المتحدة وذلك حتى تتمكن من زيارة طبيبها. وعلى الرغم من أن أبناء الملك سلمان كانوا على استعداد للذهاب إلى السفارة لتقديم ملفات التأشيرة، إلا أن الأمير محمد رفض أن يذهب إلى السفارة الأمريكية ويقدم بصماته “مثل المجرمين”. في تلك السنة، تخرج الأمير بن سلمان من الجامعة واستمر في العمل مع والده الذي عين وزيرا للدفاع سنة 2011. وقد تفطن العديد من أفراد الأسرة الحاكمة إلى مشاريع الأمير بن سلمان وطموحاته، فهزأ منه بعضهم ملقبين إياه “أمير الرؤية” كما أبدوا امتعاضهم من العدد الكبير من المستشارين الأجانب المحيطين به. كما انزعج بعض أفراد العائلة الحاكمة من خلية الاعلام التي أنشأها داخل البلاط الملكي بغاية الترويج إلى مبادراته الداخلية والخارجية، وقد أطلق على هذه الخلية إسم “مركز دراسات وشؤون وسائل الإعلام”. وعمل هذا المركز على الترويج لقصص إيجابية حول الحرب في اليمن، وتم التركيز على نشر هذه القصص في واشنطن خاصة، وتوظيف عدد من الشركات الأمريكية المختصة في الضغط والعلاقات العامة.
أما داخل المملكة، فقد نجحت الحكومة إلى حد كبير في إبقاء الانتقادات خارج مرأى ومسمع الرأي العام. فعائلته تملك حصة كبيرة من الشركة الأم المالكة للعديد من الصحف السعودية المشهورة، والتي تحدثت بإيجابية عن مبادرات الأمير. كما تم منح الصحفيين والسعوديين الذين يرافقونه خلال رحلاته للخارج مبلغ 100 ألف دولار نقدا، وذلك وفقا لشخصين سافرا مع وفد الأمير. وفي الوقت ذاته، تم إسكات عديد الصحفيين من خلال مكالمات هاتفية تبلغهم بأنه قد تم منعهم من النشر وفي بعض الأحيان، يتم منعهم أيضا من السفر إلى الخارج.
في شهر حزيران/يونيو الماضي، نشر سلطان سعد القحطاني وهو صحفي سعودي مقالا على موقعه “الرياض بوست” تطرق فيه إلى عدم وجود نقاش حول السلط التي منحت للأمير بن سلمان. وقال في ذلك المقال “يمكنك شراء عشرات الصحف ومئات من الصحفيين، ولكن لا يمكنك شراء التاريخ الذي سيكتب عنك”. كما قال “إن شعبية الأمير في السعودية ليست إلا انعكاسا لرغبة ملحة في التغيير” وأنهم يحبونه فقط أملا في أن “يحول أحلامهم إلى واقع ملموس”. وأضاف “إن فشلت، فإن ذلك الحب سيختفي بسرعة، وكأنه لم يكن موجودا أصلا، وسيتحول إلى شعور بالإحباط والكراهية”. وفي اليوم الموالي، تم حجب الموقع، لكن القحطاني قال، للمرة الثالثة في غضون 13 شهرا إن “للموقع عنوان جديد واحتياطي”.
الرئيس الأمريكي باراك أوباما يرحب بالأمير محمد بن نايف (وسط) والأمير محمد بن سلمان في البيت الأبيض في مايو 2015. المسؤولون في واشنطن كانوا يتقربون من الأميرين مع عدم تأكدهم ممن منهما سيكون الملك القادم
المستقبل
من غير الواضح ما إذا سيكون للأمير بن سلمان نفس السلطات التي يتمتع بها الآن إذا ما أصبح للسعودية ملكا آخر، خاصة وأن الملك سلمان أصبح ينسى كثيرا، وذلك وفقا للمسؤولين الأجانب الذين التقوا معه. كما أنه حتى أنصار الأمير يعترفون بأنهم ليسوا على يقين مما إذا سيتمكن الملك من المحافظة على أدواره الحالية بعد وفاة والده. لكن الأمير يسعى الآن جاهدا إلى بناء سمعة جيدة ولترسيخ مكانته في هيكل السلطة في المملكة العربية. وفي الحقيقة، فإن بروزه المفاجىء والتغطية الإعلامية التي حظي بها ورحلاته لواشنطن وأوروبا والشرق الأوسط وأماكن أخرى في آسيا، دفع كبار المسؤولين في إدارة أوباما إلى النظر في احتمال أنه قد يصبح الملك القادم للمملكة العربية السعودية. وقد أدى هذا الإعتقاد إلى سعي المسؤولين الأمريكيين إلى بناء علاقات مع الأمير بن سلمان لكن بدون منحه فرصة استخدامهم في أي من خصوماته مع الأمير بن نايف. وتقول إدارة أوباما إن العلاقة مع الأمير بن سلمان، في الوقت الراهن، تعتبر جيدة. ففي اجتماع قمة مجموعة العشرين في منتجع فاخر على الساحل التركي، قدم الأمير بن سلمان ما وصفه المسؤولون الأميركيون أنه خطاب مطول حول ما اعتبره الأمير فشل السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط وتحدث في ذلك الخطاب عن سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا وسعيها لتحسين العلاقات مع إيران، العدو اللدود للمملكة العربية السعودية.
ولطالما كانت العلاقات الشخصية بين المسؤولين الأمريكيين والعائلة الحاكمة السعودية حجر الأساس للعلاقات بين البلدين. لذلك، فقد كافحت إدارة أوباما لإيجاد طريقة لتطوير العلاقة مع الأمير بن سلمان. وتم تكليف وزير الخارجية جون كيري بذلك. فقام باستعدائه لمنزله في “جورجتاون” في واشنطن عدة مرات. وفي شهر أيار/مايو الماضي، وجه الأمير بن سلمان الدعوة لوزير الخارجية الأمريكي لعقد اجتماع في يخته “سيرينا” الذي اشتراه من الميلياردير الروسي.
ويقول العديد إن رغبة الأمير بن سلمان في إحداث تغيير في السعودية ينعكس على إعجابه، أو حسده مثلما أسماه البعض، للبلد الجار الأكثر حداثة وتقدما في الخليج العربي: الإمارات العربية المتحدة. وله في الإمارات عدة أنصار، خاصة منهم ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والذي لطالما روج للأمير بن سلمان خلال زياراته لدول أخرى في الشرق الأوسط ولواشنطن. فولي العهد الأمير بن زايد هو الحاكم الفعلي لأبو ظبي وهو المفضل لدى المسؤولين في إدارة أوباما، الذين ينظرون إليه باعتباره حليفا موثوقا به. ولكن لولي عهد أبو ظبي تاريخ طويل من العداء الشخصي تجاه الأمير بن نايف.
في شهر نيسان/أبريل من سنة 2015، زارت مستشارة الأمن القومي للرئيس أوباما مع وفد صغير من كبار المسؤولين في البيت الأبيض الأمير الوليد بن زايد في منزله في ماكلين بولاية فيرجينيا. وخلال الإجتماع، ووفقا لعدد من المسؤولين الذين حضروا، حث الأمير الأمريكيين إلى تطوير العلاقة مع الأمير بن سلمان.
ولكن كل الأسئلة حول مستقبل الأمير بن سلمان تعتمد على مدى بقاء والده في الحكم، وذلك وفقا لديبلوماسيين متابعين لشؤون المملكة العربية. فإن توفي الملك قريبا، فإن ولي العهد الأمير بن نايف سيصبح ملكا، ويمكن له بذلك أن يستبعد ابن عمه الأصغر. وفي الحقيقة، فإن الملك سلمان كان أول من قام بمثل هذه الممارسات عندما استبعد ولي عهد عينه الملك عبد الله. لكن إذا ما بقي الملك سلمان في الحكم لفترة أطول، فإنه على الأمير الشاب أن يعزز سلطته أو أن يقنع أمير بن نايف أنه يستحق أن يتم الإبقاء عليه كولي عهد في حال أصبح الأمير بن نايف ملكا.
لا يتوقع معظم المراقبين السعوديين أن تصبح هناك أي صراعات علنية داخل العائلة الملكية، فأفراد العائلة يدركون ما يمكن خسارته إن أصبحت هذه الصراعات علنية. وفي هذا السياق، قال المحلل كشيشيان “أنا متأكد، كوني شخصا مهتما بهذا الموضوع، أن العائلة الحاكمة في السعودية تولي الأهمية القصوى لمصلحة العائلة ولا يمكن لأي عضو من العائلة أن يفعل أي شيء لإلحاق الأذى بالعائلة”.
المصدر: نيويورك تايمز