اعتقدت حكومات إسرائيل المتعاقبة، بأن إسرائيل، هي إحدى مكونات الهيئات والمؤسسات الدولية الكبار، ولكن سرعان ما تلجأ إلى الانسحاب منها وإلى الدعوة إلى هدمها، عندما تقوم تلك الهيئات بتأييد مشاريع قرارات تعتبرها مناوئة لها، باعتبارها مُعادية للسامية من جهة، ومنحازة للمطالب العربية والفلسطينية بشكلٍ خاص، وكنا قد رأينا كيف شطبت نفسها وعلقت تمويلهما لمنظمة اليونسكو عام 2011، بعد قبول الفلسطينيين فيها كأعضاء، وتعهّدت بتقويض محكمة الجنايات الدولية، في أعقاب توجه السلطة الفلسطينية بملفات تهدف إلى إدانتها بجرائم حرب.
وكان قد نال فشلاً ذريعاً رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتانياهو”، في شأن تعهّده بنسف الأغلبية المعتادة في صالح الفلسطينيين وتفكيكها في إثر انتشار ظاهرة الاعترافات الدولية بالحقوق الفلسطينية وتواتر القرارات والمواقف المؤيدة للفلسطينيين، حيث أنها لا تزال تحتفظ بكيانها حتى الآن، ولازال يحرص على متابعة نشاطاتها بشغف.
لاشك، فقد كان حافزاً لـ”نتانياهو” لأن يكون في هذه الأيام أكثر مُعاداة لمنظمة “اليونسكو”، وذلك من خلال قيامه بتعليق تعاون إسرائيل مع المنظمة، وسحب عضويتها منها، في أعقاب قيامها بالتصويت على مشروع القرار الأردني- الفلسطيني المشترك، والذي يعتبر البلدة القديمة في القدس، هي تراث خالص للفلسطينيين، وان الحائط الغربي (حائط المبكى)، هو أرض محتلّة حسب القانون الدولي.
مقر منظمة اليونسكو
لكن، وفي حين اعتبر الفلسطينيون القرار بمثابة الانتصار الفخم، كونه يثبت الحق الفلسطيني كاملاً ودون إنقاص، اضطرت إسرائيل للبحث في أمر التصدّي له، والتقليل من قيمته، حيث بدأت بالتركيز على الاقناع بأنها ضحية عدم الفهم الدولي لوجود التراث الديني اليهودي راسخاً في المواقع المقدسة منذ ما يزيد عن 3000 آلاف عام.
ومن ثم قامت إلى إبراز كل ما يخفف من اضطراباتها، متعلقةً بأن مشروع القرار تضمن إشارة واضحة، إلى أهمية البلدة القديمة في القدس وأسوارها للديانات السماوية الثلاث، كما أن الدول الموقعة، لا تعتبر دولاً مهمة وهي في الغالب دولاً مُعادية أو مُتعاطفةً معها، وأن عددها يُعنبر منخفضاً، نسبة إلى الدول الممتنعة عن التصويت، ما يؤكد تحفظاتها العميقة بشأن هذه القرار عن القرار المماثل والذي كان اتُّخذ في منتصف أبريل/نيسان الماضي، والذي كان قد حاز على 33 صوتاً، مقابل 17 صوتاً.
كما تم اعتبار أن خسارة كبرى لحقت بالفلسطينيين، كونهم فقدوا كل الدعم الأوروبي، حيث أن لا دولة أوروبية صوتت إلى جانب القرار، واللاتي فضلت الامتناع عن التصويت خشية تسبب الضرر لمصالحها، سيما وأن الدول العربية والإسلامية هي أسواق لمنتجاتها، كما تمت المسارعة بالتشكيك في نوايا الدول التي أيّدت القرار، بأنها تعمل جنباً إلى جنب مع إسرائيل من وراء سِتار، وأنها اضطرت إلى تأييد القرار، منعاً لسقوطها في حرج، كما أن دولاً كانت قد قامت بالتصويت لصالح قرار أبريل السابق، وهي سبع دول، امتنعت هذه المرّة عن التصويت، من بينها دولتين ثقيلتين وهما فرنسا والهند.
ادّعاء مديرة اليونسكو “إيرنا بوكوفا”، بأنها ستواصل محاربة نزع الشرعيّة عن إسرائيل، باعتبار أن الحرم الشريف هو أيضا “جبل الهيكل”، أثلج الصدور الإسرائيلية، كون قولها يجيئ ضد القرار، كما أن تلقيها رسالة ستهتم بقتلها، ساهمت في تعزية إسرائيل بشكلٍ أفضل، وسجّلت أيضاً كيف وصل الحال بالضغوط العربية ضد رئيس اللجنة (ممثل المانيا), الذي كان يهمّ بإرجاء التصويت إلى وقتٍ آخر، والتي أدّت إلى الإطاحة به وتنحيته من منصبه.
وتخفيفاً للقرار، فقد اعتبرته إسرائيل ذريعةً للدفاع عمّا تعتبره من حقوقها الأزلية (مُعززة بمفهوم الداخل الإسرائيلي)، وذلك من خلال العمل على تكثيف تواجدها التراثي والديني عن ذي قبل، خاصةً وفي ضوء أن الكل في إسرائيل(يمينيين ويساريين، دينيين وعلمانيين) يضمنون بأن القرار، لن تكون له أي أهمية تُذكر، لاسيما وأن هناك المزيد من القرارات الأممية الصادرة، والتي تلقتها إسرائيل منذ قيامها وإلى الآن، بما فيها قرارات مجلس الأمن الدولي وهي (مُلزِمة)، لم يتم تنفيذها إلى الآن.