خصصت مجلة “إيكونوميست” في عددها بداية الشهر الحالي 8 تشرين الأول/ أكتوبر، تقريرا عن أزمة المدن العربية، متحدثة عن التحضيرات التي كانت جارية لاستعادة مدينة الموصل من تنظيم الدولة.
وجاء في التقرير: “عندما تنظر إلى الهلال الخصيب تظهر صورة مثيرة للقلق؛ فمن البحر المتوسط إلى الخليج صار من يكتوي بنار الحرب هم العرب السنة، فمع أنهم يشكلون أكبر تجمع إثني، وهم ورثة إمبراطوريات عظيمة، إلا أن الكثير من مدنهم العظيمة يسيطر عليها غيرهم: اليهود في القدس، والمسيحيون، والشيعة في بيروت، والعلويون في دمشق، وفي الفترة الأخيرة الشيعة في بغداد، ويشكل السنة معظم اللاجئين في المنطقة، وفي المناطق التي يحكم فيها السنة يشعرون بالحصار من إيران، وتخلي الولايات المتحدة عنهم”.
وتبين المجلة أن المرض الذي يعاني منه العالم العربي هو أبعد من الطائفية، حيث تفاقمت أزمة الدول العربية في كل مكان بعد عقود؛ بسبب سوء الحكم، مشيرة إلى فترة حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
ويلفت التقرير، إلى أن حالة الحصار التي يشعر بها السنة، وبأنهم محاصرون من كل جانب تفسر ظاهرة تنظيم الدولة، الذي أعلن عن إحياء نظام الخلافة القديم، واستطاع السيطرة على مناطق واسعة في كل من العراق وسوريا.
وتقول المجلة إن “الانتصار ضد الجهاديين لن يكون كاملا، ولن ينجح أي حل دبلوماسي دون التعامل مع حالة الاقتلاع التي يعاني منها السنة، وأصبح وضع المنطقة العربية يعتمد على مدينتين مبجلتين، وهما ستقرران مصير الأمة العربية: مدينة حلب، التي تعد آخر معقل للمعارضة السورية المسلحة التي تقاتل نظام الأسد، ومدينة الموصل، التي تعد أهم مركز حضري يسيطر عليه تنظيم الدولة في العراق”.
ويعتقد التقرير أن “(سلوك) ما بعد المعركتين سيقرر مسار الحروب البربرية التي تواجه المنطقة العربية، وإن أفضل أمل لتحقيق الاستقرار في المنطقة لا يكون إلا عبر الفيدرالية واللامركزية التي تعطي السنة وغيرهم صوتا ودورا واضحا”.
وتجد المجلة أن “حلب تظل رمزا لأسوأ تدخل عسكري خارجي، فالروس يساعدون النظام السوري وحلفاءه الإيرانيين والشيعة، الذين يقومون بدك معاقل المعارضة السنية المحاصرة”.
ويعلق التقرير قائلا إن “محاولة السيطرة على الجزء الشرقي من حلب تم التخطيط له في الوقت الذي يحضر فيه باراك أوباما لمغادرة السلطة، وبناء على فكرة أنه لن يفعل شيئا لوقفهم، وتصرف كهذا سيغذي مشاعر الحنق عند السنة، ويقربهم أكثر من الجهاديين، ويزيد بالقدر ذاته من إصرار الروس على بقاء الأسد في السلطة”.
وتشير المجلة إلى أنه “بالمقارنة مع الوضع المأساوي في حلب، فإن الموصل قد تتحول إلى نموذج للكيفية التي ستتم فيها هزيمة الجهاديين وبناء نظام أكثر حكمة، وستمثل خسارة الجهاديين ضربة قاصمة لهم، خاصة أن الموصل هو المكان الذي أعلن فيه أبو بكر البغدادي (الخلافة)، ومع ذلك قد تسير الأمور عكس ما تتوقع الأطراف التي تحاول استعادة المدينة، فلا أحد يعرف شيئا عن جاهزية العدو، ولا عن تحضيرات الحكومة العراقية للتعامل مع أزمة النزوح، وفي ما إن كانت ستمنع المليشيات الشيعية من دخول الموصل”.
ويستدرك التقرير بأنه “رغم هذه التوقعات كلها فإن العراق يمنح مع كل ما يعانيه من فوضى وعنف (الأمل الحقيقي)، فالسياسة فيه مفتوحة أكثر من بقية الدول العربية، وفيه إعلام مشاكس، وبرلمان صاخب”.
وتنوه المجلة إلى التحالفات الجديدة التي تجاوزت الطائفية، وتشكلت في الفترة الأخيرة، لافتة إلى أن ساسة الشيعة يحاولون تغيير الصورة عنهم بأنهم وكلاء إيران، فيما يرغب السياسيون السنة تأكيد مشاركتهم في العملية السياسية التي رفضوها في الماضي؛ أملا بالعودة إلى الحكم.
ويرى التقرير أن “العراق بعد فشل نموذج القومية العربية والإسلامية والجهادية، قد يمنح العالم العربي نموذجا عن السلطة المحلية، ونموذج كهذا سيمنع الديكتاتوريين من إرهاب شعوبهم، ويعطي العناصر الطائفية الأخرى دورا في إدارة شؤون البلاد، وقد يمنع القوى الانفصالية، مثل الأكراد، من المضي في مشاريعهم، والبقاء ضمن الحدود الوطنية”.
وتعتقد المجلة أن “شكلا مرنا مفتوحا للحكم ربما كان (الدواء) لحل مشكلات العالم العربي كلها، حتى الصراع الرهيب في سوريا، ولن يتحقق هذا الشكل بطريقة فاعلة دون احترام حقوق الأقليات، في ظل عدم الفرز الإثني الواضح المعالم، بالإضافة إلى أنه يجب على الجماعات كلها المشاركة في السلطة مع الحكومة المركزية، ويجب أن ينتفع الجميع من المصادر الوطنية، مثل النفط، ولا بد في النهاية من خلق موازنة جيدة بين الجيوش الوطنية والقوى المحلية المسلحة، وبهذه الطريقة تشعر الأقليات بأنها محمية، ويتردد أمراء الحرب المحليون من التمرد على الحكومة”.
ويذهب التقرير إلى أن “الدستور العراقي فيه الكثير من البنود التي يجب أن تطبق على أرض الواقع، ولهذا لا بد من استعادة الموصل بترو وحكمة، وحماية للمدنيين، واتفاق سياسي يحدد طريقة حكم المدينة بعد رحيل تنظيم الدولة، وستكون الموصل امتحانا للمدى الذي نضجت فيه السياسة العراقية، وكذلك لمسؤولية القوى الخارجية، مثل إيران والسعودية، الواجب عليها المساعدة في عملية المصالحة”.
وتختم “إيكونوميست” تقريرها بالقول إن “الموصل هي فرصة لإقناع السنة بوجود خيار أفضل من الجهاد، وما سيحدث في الموصل سيترك أثره في الخارج، وحتى في حلب المعذبة”.
المصدر: إيكونوميست – تقرير: عربي 21