تحدث تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية عن دور الاتحاد الإفريقي في إفريقيا وأسباب التغلغل الأجنبي (الفرنسي على وجه الخصوص) في إفريقيا.
وقال الكاتب مارتن بلوت أن القيادة الضعيفة للاتحاد الإفريقي والتنافس إن لم يكن العداء بين دول الاتحاد هي الأسباب الأساسية التي ساهمت في تحجيم الدور الإفريقي في جلب الأمن للمنطقة التي تعتريها النزاعات.
ويقول الكاتب أنه طبقا لتصريحات قادة عسكريين فرنسيين، مثل فنسنت ديسبورت فإن الجيش الفرنسي يجب أن يدعم “التحول السياسي” في مالي وأن يبقى قدر ما يحتاج الوضع هناك. وفي جمهورية إفريقيا الوسطى كذلك، يجب أن ينشر الجيش (الفرنسي) ٥٠٠٠ جندي على الأقل وليس فقط ١٦٠٠ المتواجدون الآن في أراضي الجمهورية التي تبدو في مرحلة متقدمة من الحرب الأهلية.
في وقت سابق، كانت التصريحات وغيرها ستُشجب بالتأكيد باعتبارها تحمل نزعات إمبريالية لإعادة احتلال إفريقيا، لكن ما الذي تغير الآن؟
من مالي إلى الصومال يحاصر العنف إفريقيا! بالنظر -فقط- إلى الحروب الأخيرة التي تجتاح القارة السوداء، فإن هناك حربين في جنوب السودان وفي جمهورية إفريقيا الوسطى. في إفريقيا الوسطى صنفت منظمة أطباء بلا حدود العنف على أنه “خارج السيطرة”، أكثر من ٧٨٥ ألف شخص نزحوا من بيوتهم، ونصف سكان العاصمة غادروها بحثا عن مكان آمن للعيش!
في جنوب السودان يبدو الوضع أفضل قليلا، فقط ١٩٤ ألف شخص هربوا من بيوتهم، ١٠٧ آلاف منهم يبحثون عن ملجأ آمن بالقرب من قواعد الأمم المتحدة في الدولة الوليدة.
في كل هذا العنف كان الاتحاد الإفريقي غائبا، لقد كانت القوات الفرنسية هي التي تدخلت “لتنقذ” الأوضاع في إفريقيا الوسطى، كما فعلت سابقا في مالي، وفي النيجر وفي ساحل العاج!
القوات الدولية هرعت من دارفور، ليبيريا، ساحل العاج وحتى من هاييتي لمحاولة احتواء الوضع في جنوب السودان. أما الولايات المتحدة فقد نشرت جنود البحرية من قاعدتها في جيبوتي إلى أوغندا وجوبا عاصمة جنوب السودان للمساعدة في إجلاء الأمريكيين هناك.
الاتحاد الإفريقي وقوته المشتركة التي يتفاخر بها كثيرا فشلت في فعل أي شيء على الأرض. تلك القوة المشتركة بدأت فكرتها مع المذبحة المروعة في رواندا، التي كان من المفترض أن تولد الإصرار على التدخل في النزاعات مستقبلا، لكن ذلك لم يحدث الآن. لقد كانت الفكرة التي نوقشت سابقا في قمة لوزراء الدفاع الأفارقة في زيمبابوي في ١٩٩٧ تتلخص في أن تكون هناك قوات إفريقية سريعة الانتشار عبارة عن فرقتين، تتكون كل واحدة منهما من ٢٥٠٠ جندي، قادرة على العمل في مناطق النزاع وتكون قادرة على التدخل والعمل خلال أسبوعين من طلبها.
لقد كانت الفكرة واعدة للغاية، وكانت هناك حاجة ماسة لها، بل إن تلك القوة فازت بدعم غربي كبير، تدفقت الأموال من الولايات المتحدة لدعم الفكرة، وتم تخصيص ٥٠٠ مليون دولار لتدريب ٥٠ ألف جندي إفريقي، البريطانيون شاركوا بقوة أيضا عبر ١١٠ مليون جنيه استرليني تُضخ سنويا لقرابة عقد من الزمان في مشاريع تجنب الصراع الإفريقية.
اليوم ترسل بريطانيا قرابة ٥١ مليون جنيه استرليني سنويا للإنفاق على مبادرة مشتركة تديرها وزارات الخارجية والدفاع والتنمية الدولية، لم تتوفر الكثير من المعلومات عن أوجه إنفاق هذه المبالغ لكنها كانت موضع انتقاد عندما روجعت بشكل مستقل.
لماذا فشلت إذا تلك القوات؟
في الواقع، لم تعمل أبدا تلك الكتائب على الأرض، فالخلافات بين الدول الإفريقية عميقة حتى حول تشغيل قوة لاستخدامها لحل الأزمات في القارة.
إفريقيا استطاعت أن تدير عمليات عسكرية، خاصة مع الدعم الغربي السخي، هناك ٢٥٠٠٠ جندي إفريقي في الصومال في حملة استطاعت إخراج شباب المجاهدين من العاصمة مقديشو!
جذر المشكلة يكمن في فشل القيادات السياسية في إفريقيا بشكل عام. لفترة ما بدا لو أن مفهوم “النهضة الإفريقية” قد يغدو حقيقة واقعة على الأرض، لكن اللحظة مرت!
الآن دولتين كبيرتين في إفريقيا مثل نيجيريا وجنوب إفريقيا يتصارعان حول من منهما يمثل إفريقيا في مجلس الأمن رغم ضعفهما الداخلي وعدم قدرتهما على إدارة النزاعات داخل البلاد وفي ظل غياب رؤية لرئيسيهما حول إفريقيا.
كنتيجة لذلك، انتهت مبادرة القوة الإفريقية المستعدة للتدخل كالعديد من المبادرات الأخرى، والآن من باماكو في مالي إلى بانغي في إفريقيا الوسطى، ينتظر المواطن الإفريقي قدوم الجنود الغربيين أو قوات الأمم المتحدة لتقديم يد العون!
إن إفريقيا تفتح يديها للاستعمار أكثر من أي وقت مضى، وطالما لا تستطيع الدول الإفريقية حل أزماتها فيما بينها وتقديم “حلول إفريقية لمشكلات إفريقيا”، فإن أطروحات مثل تصريحات فنسنت ديسبورت قد تتصدر المشهد بل وقد يتم دعمها غربيا في ظل الفراغ القيادي الموجود في القارة السمراء.