يتواجد اعتقاد سائد الآن لدى النظام المصري الحالي وحلفاءه في تل أبيب، أنه يجب تكرار تجربة الدعم السياسي المطلق لنظام ما بعد انقلاب الثالث من يوليو، وذلك على المستوى الاقتصادي بعد المعاناة المستمرة التي دخل فيها النظام المصري اقتصاديًا، رغم الدعم الخليجي الذي بدأ يتلاشى مع مرور الوقت.
كانت دولة الاحتلال الإسرائيلي ولا زالت حائط سد سياسي منيع حمى نظام السيسي في القاهرة من عدة عواصف عقب انقلابه العسكري على أول رئيس مدني منتخب في مصر، حتى استقرت أمور هذا النظام إقليميًا ودوليًا، وأقنعت تل أبيب العالم بجدوى بقاء نظام قمعي متوحش في مصر، في مقابل فواتير أخرى غير مضمونة العواقب قد تدفعها المنطقة في الإطاحة به.
لكن جناح الدعم الاقتصادي لنظام السيسي لم يسر بنفس كفاءة الدعم السياسي، لعدة عوامل لعل أهمها نابع من القاهرة وليس من العواصم الخليجية التي أنفقت قرابة 40 مليار دولار على نظام السيسي وفق بعض التقديرات، والتي لم تنقذ النظام من الغضب الشعبي بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية المستمر يومًا بعد يوم.
هل قررت “إسرائيل” التدخل؟
ووفقًا لهذه المقدمة يمكن قراءة الأنباء الواردة عن استعداد دولة الاحتلال الإسرائيلي للقيام بمجموعة من المشروعات على نطاق موسع مع مصر، وذلك وفقًا لتقرير لصحيفة يديعوت أحرونوت العبرية.
الصحيفة الإسرائيلية أكدت في تقريرها أن النقاشات المشتركة بشأن هذه المشروعات لا تعكس التقارب بين البلدين وحسب، وإنما تعكس أيضًا حاجة عاجلة لتطوير البنية التحتية في مصر في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي تهدد الاستقرار السياسي للبلاد.
حيث ظهرت مخاوف إسرائيلية مؤخرًا نقلتها إلى واشنطن من عدم استقرار النظام المصري، إذ ترى دولة الاحتلال الإسرائيلي على أنه في ظل غياب أي تحسن جوهري في الاقتصاد المصري سيدفع ذلك إلى الاضطراب الاجتماعي ما سيعجل بخروج احتجاجات إلى الشارع ضد نظام عبد الفتاح السيسي.
جناح الدعم الاقتصادي لنظام السيسي لم يسر بنفس كفاءة الدعم السياسي، لعدة عوامل لعل أهمها نابع من القاهرة وليس من العواصم الخليجية
وبالمثل فإن النظام المصري بعد اضطراب علاقته بالخليج لم يعد أمامه سوى “إسرائيل” لمحاولة النجاة من خطر الكارثة الاقتصادية، لذا ترددت الأنباء عن طلب النظام المصري دعم اقتصادي إسرائيلي لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
يذكر أن مصر مؤخرًا أبدت اهتمامها بخوض بعدة مشروعات مع “إسرائيل”، أبرزها تحلية مياه البحر لمواجهة المخاوف من انخفاض مستويات المياه في النيل بسبب سد النهضة الإثيوبي، وهو ما يمكن أن يؤدي لنقص كبير في المياه المتاحة للشرب والري.
كما تستعد “إسرائيل” كذلك للتعاون مع مصر في مجالات الطاقة الشمسية وإنتاج الكهرباء، والزراعة والري والغاز.
لذا قدم النظام المصري لدولة الاحتلال الإسرائيلي قائمة تطلب فيها التعاون لإنجاز مشاريع إنماء وتطوير للبنى التحتية، وفقًا للتقرير، فقد جرت ولا تزال تجري اتصالات سياسية رفيعة المستوى، بين النظام المصري وبين “إسرائيل” بجانب جهات أميركية، بعدما تبين وجود مخاوف جدية على مصير النظام المصري وقدرته على البقاء والصمود لسنة أخرى، وهي 2017، والتي ستكون بدورها حاسمة في مستقبل هذا النظام.
وعلى جانب آخر تحاول تل أبيب أن تقنع الولايات المتحدة بضرورة الوقوف بجانب النظام المصري ومساعدته لعبور الأزمة الاقتصادية الحالية، وقد يكون الأمر متعلقًا بقرض صندوق النقد الدولي الذي يبلغ قيمته 12 مليار دولار.
ولكن القرض مقابل مجموعة من الشروط متعلقة بالحد من البيروقراطية الاسثمارية، وزيادة الضرائب وخفض دعم الوقود، وهي إجراءات يمكنها على المدى القريب أن تؤدي لدفع الشعب المصري للاحتجاج، وقد تطلب إسرائيل من الولايات المتحدة التدخل للتخفيف منها لضمان سيطرة النظام على الأوضاع.
النظام المصري بعد اضطراب علاقته بالخليج لم يعد أمامه سوى “إسرائيل” لمحاولة النجاة من خطر الكارثة الاقتصادية
وقد نقل قادة النظام في مصر نظرتهم إلى الأزمة الاقتصادية الحالية في البلاد إلى “إسرائيل” باعتبارها “التهديد الإستراتيجي المركزي على النظام”، وهو ما قد يبدو أنه أقنع صناع القرار في “إسرائيل” الذين سيكون له دور مستقبلي في هذا الصدد في محاولة لانعاش اقتصاد النظام الكاسد.
ومما يدلل على النظرة الاقتصادية السيئة لطريقة إدارة الاقتصاد المصري والوضع الحرج الذي أصبح فيه، هو حديث، فيليب تير وورت، مدير البنك الأوروبى للتنمية وإعادة الإعمار، الذي وجهه للحكومة المصرية، حيث نصح بإعطاء أولوية لتعديل القوانين المنظمة للأعمال فى السوق المحلية المصرية بالقدرالذى تهتم به بالمشروعات القومية، قائلًا: “يجب التوقف عن إنشاء مشروعات كبرى جديدة والنظر فى التشريعات”.
“إسرائيل” تراقب العلاقات المصرية السعودية
بعد تصاعد التوتر بين المملكة العربية السعودية، ونظام السيسي في مصر على خلفية المواقف الإقليمية المتباينة خاصة فيما يتعلق بالوضع في سوريا، وقد كان هذا الأمر دافعًا للسعودية لقطع الإمدادات البترولية عن القاهرة، وهو الأمر الذي فاقم الأزمة الاقتصادية لدى النظام.
وعليه حذر مركز أبحاث “يروشليم لدراسة المجتمع والدولة” المعروف بارتباطه بدوائر صنع القرار في تل أبيب، والذي يترأس مجلس إدارته وكيل وزارة الخارجية الإسرائيلي المستقيل مؤخرًا، دوري غولد، من التداعيات التي وصفها بـ “السلبية” لتدهور العلاقات بين مصر والسعودية.
حيث يرى المركز أن الخلاف بين نظام السيسي والسعودية يهدد بانهيار “المحور السني المعتدل”، وهو ما سيؤثر بالتبعية على وضع الحلف الإقليمي الذي تكونه “تل أبيب” والذي يضم مصر بالأساس وتحاول مؤخرًا أن تضم إليه السعودية.
ويحمل الإسرائيليون إدارة الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما المسؤولية عن انهيار هذا المعسكر الإقليمي، بسبب تجاهل دعم نظام السيسي، الأمر الذي دفع السيسي للتلويح بالتقارب مع المحور الروسي في الشرق الأوسط، وهو ما يستبب في خلل استراتيجي من وجهة نظر الإسرائيليين.
نقل قادة النظام في مصر نظرتهم إلى الأزمة الاقتصادية الحالية في البلاد إلى “إسرائيل” باعتبارها “التهديد الإستراتيجي المركزي على النظام”
وبعد أن رأت تل أبيب أن موقف واشنطن أضعف إدارة السيسي سياسيًا واقتصاديًا، فكان لزامًا على ما يبدو التدخل لإنعاش النظام اقتصاديًا بممارسة ضغط نفوذ خارجي، وبالتدخل المباشر أيضًا استجابة لطلب الدعم الاقتصادي المباشر في عدة مشاريع مشتركة، لانقاذ نظام السيسي من الوحل الاقتصادي.
وهو الأمر الذي سيدخل العلاقات المصرية الإسرائيلية طورًا جديدًا في عهد النظام الحالي، بعد فترة التنسيق الأمني والسياسي عالي المستوى التي أعقبت الانقلاب العسكري، لتتحول “إسرائيل” بالنسبة لنظام القاهرة الحالي حليفًا استراتيجيًا علنيًا في السياسة والاقتصاد، وليس مجرد داعم إقليمي لبقاء النظام.