جلس القادة العرب في ما يُعتقد أنه لقاء سري للغاية وتحت إجراءات أمنية مشددة في مدينة الدار البيضاء المغربية، لبحث إمكانية قيادة هجوم عربي مشترك ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي وذلك في سبتمبر من العام 1965.
لكنهم بطبيعة الحال لم يتخيلوا أن جلساتهم هذه التي تضمنت اجتماعات مع قادتهم العسكريين ورؤساء أجهزة الاستخبارات العربية لمناقشة مدى استعداد العرب لخوض معركة عسكرية مع إسرائيل، ستكون في يد جهاز الاستخبارات الإسرائيلي بعد أيام من هذه الاجتماعات.
هذا ما كشفه شلومو جازيت، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، لصحيفة يديعوت أحرونوت العبرية أن الحسن الثاني، ملك المغرب السابق، سجل بصورة سرية مناقشات الحكام العرب عن معركة محتملة ضد إسرائيل، خلال قمة العام 1965، وسلم التسجيلات لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد” بعد ذلك.
وقال جازيت إن هذه التسجيلات ساعدت الجيش الإسرائيلي بشكل كبير على التحضير لحرب 1967 والتي يطلق عليها “حرب الأيام الستة”، والتي هُزمت فيها الجيوش العربية (مصر وسوريا والأردن)، وأدت إلى تدمير من 70 : 80% من العتاد الحربي للدول العربية، واحتلت بعدها إسرائيل سيناء المصرية والضفة الغربية الفلسطينية والجولان السورية.
أهمية تسريبات الحسن الثاني
في اللقاءات التي تم تسجيلها لصالح الموساد الإسرائيلي قدم القادة العسكريون العرب معلومات وفيرة عن نظام المعركة المرتقبة، وتحدثوا بصراحة وشفافية عن الإمكانيات العسكرية المتاحة تحت قيادتهم.
وأضافت الصحيفة العبرية أنه في هذه التسريبات إلى جانب اتفاق زعماء العرب على ضرورة الاستعداد للحرب القادمة مع إسرائيل وعواقبها الخطيرة على العالم العربي، كانت هناك كذلك خلافات عديدة بين المشاركين في القمة اطلعت عليها دولة الاحتلال.
فعلى سبيل المثال دخل الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر، والملك حسين، ملك الأردن حينها، في جدال حاد حول رؤاهم المختلفة للحرب مع “إسرائيل”.
وعلى إثر هذه المعلومات جهزت إسرائيل للحرب القادمة مع العرب مستندة على الكم الهائل من المعلومات ذات القيمة العسكرية التي استمدتها من تلك التسجيلات، وأصبح لدى قادة الجيش الإسرائيلي ثقة أن بإمكانهم الانتصار في الحرب، بعدما توفر لهم رؤية غير مسبوقة لما خلف الكواليس ولعقلية قيادة عدوها.
كيف تمت عملية التجسس على المؤتمر العربي؟
سمح الملك الحسن الثاني للموساد الإسرائيلي أن يُرسل طاقمًا فنيًا لمراقبة المؤتمر والتجسس عليه عن قرب.
حيث وصل إلى مدينة الدار البيضاء فريق مشترك بقيادة، بيتر زفي مالكين، ورافي إيتان، ويتكون من شين بيت، (جهاز الأمن العام الإسرائيلي)، وجهاز الموساد الإسرائيلي، حيث خصص الملك المغربي لهم طابقًا كاملًا لهم بنفس الفندق الذي اجتمع فيه القادة العرب.
وبحسب ما أوردت الصحيفة في هذه الرواية، قام الملك المغربي قبل يوم من انعقاد المؤتمر، بأمر طاقم الموساد بمغادرة الفندق خوفًا من ملاحظة الضيوف العرب لهم، وروى رافي إيتان قائلًا: “ولكن على الفور بعد انتهاء المؤتمر، (المغربيون) أعطونا كل المعلومات اللازمة ولم يحرمونا من أي شيء”.
حيث سُلمت بعد ذلك كل تسجيلات مناقشات المؤتمر -التي سجلت بدون علم المشاركين- إلى مركز البحوث بشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وتم فك شفرتها ونسخت وترجمت إلى اللغة العبرية.
إنجازًا استثنائيًا للموساد
اعتبرت هذه التسجيلات في مذكرة أرسلت إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها، ليفي أشكول، بوصف مير آميت، رئيس الموساد آنذاك، هذه العملية بأنها “واحدة من الأمجاد المتوجة للمخابرات الإسرائيلية”.
ويقول شلومو جازيت، رئيس مركز البحوث بشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وقتها، إن “هذه التسجيلات التي كانت حقًا انجازًا استثنائيًا للمخابرات، كشفت من ناحية عن اتجاه الدول العربية لصراع مع إسرائيل يجب علينا الاستعداد له. ومن ناحية أخرى، لم يعكس التشتت في حديثهم عن الوحدة العربية وتأسيس جبهة موحدة ضد إسرائيل إجماعًا حقيقيًا بينهم”.
وتابع جازيت قائلًا: إنه بفضل هذه التسجيلات، إلى جانب مصادر أخرى، “عرفنا مدى عدم استعدادهم (العرب) للحرب.. وتوصلنا إلى استنتاج بأن سلاح المدرعات المصري في حالة يرثى لها وغير مستعد للمعركة”.
وأكد جازيت أن المعلومات الموجودة في التسجيلات ولدت إحساسًا لدى كبار قادة الجيش الإسرائيلي أنهم سينتصرون في الحرب ضد مصر. وعلى الرغم من النبوءات السائدة بين غالبية الإسرائيليين والمسئولين خارج الجيش بالهزيمة الوشيكة والهلاك، إلا أن الجيش الإسرائيلي كان واثقًا من قوته، بفضل هذه المعلومات التي أهدها إليهم الملك المغربي الحسن الثاني.