صدر عن الرئاسة المصرية قرارًا يقضي بإنشاء مجلس أعلى للاستثمار يتولى الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسته بنفسه وتكون قراراته ملزمة لجميع الوزارات والهيئات العامة في البلاد، وبحسب القرار المنشور في الصحيفة الرسمية في تاريخ 16 أكتوبر/تشرين الأول الجاري فإن تشكيلة المجلس ستضم رئيس الوزراء ومحافظ البنك المركزي ورئيس جهاز المخابرات العامة ووزراء الدفاع والداخلية والمالية والاستثمار والتجارة والعدل.
عمل المجلس الاستثماري
تشمل اختصاصات المجلس وضع الإطار العام للإصلاح التشريعي والإداري لبيئة الاستثمار ومتابعة تنفيذ خطط الاستثمار ومتابعة آليات تسورية منازعات الاستثمار وقضايا التحكيم الدولي.
ومن المقرر للمجلس أن يجتمع بدعوة من الرئيس كل شهرين على الأقل وتصدر قراراته بأغلبية آراء الحاضرين مع ترجيح جانب الرئيس في حالة تساوي الأصوات وتكون قراراته ملزمة لجميع الوزارات والهيئات العامة.
وتأمل الحكومة المصرية على قانون استثمار جديد بحيث يعالج تعقد الإجراءات الرسمية في مصر ويعمل على تسهيل وتسريع الاستثمار الأجنبي.
ومن جهة أخرى فإن توقيت صدور القانون في الوقت الحالي يعود إلى تأزم المشهد الاقتصادي بعد موجات غلاء كبيرة اجتاحت الأسواق المصرية بسبب انخفاض قيمة الجنيه ورفع الدعم عن العديد من السلع والخدمات المدعومة.
لذا تعول مؤسسة الرئاسة المصرية على إعادة حركة الاستمارات الأجنبية لاستعادة النمو المتباطئ منذ ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 التي أعقبتها اضطرابات سياسية أبعدت السياح والمستثمرين اللذان يعتبران الموردين الرئيسيين للنقد الأجنبي في البلاد فضلًا عن انخفاض تحويلات المصريين بالخارج. علمًا أن الحكومة سبق وأقرت قانونًا للاستثمار في مارس/آذار 2015 ثم أدخلت تعديلات عليه في ديسمبر/كانون الأول 2015.
الاقتصاد المصري بين إشكاليتين
يعد الاستثمار الأجنبي أحد العوامل الاقتصادية المهمة التي تعتمد عليها الدول في حل مشاكلها الاقتصادية، إذ تعد من الروافد الأساسية التي تساهم بشكل كبير في حل المشاكل الاقتصادية إلا أن مجيء تلك الاستثمارات؛ يرتبط ببيئة مستقرة سياسيًا واقتصاديًا تكون جاذبة وضامنة ومشجعة للاستثمار، متى توفرت تلك البيئة انهالت عليها الاستثمارات الأجنبية من كل صوب.
وبالنظر للبيئة المصرية فإنها تعاني من مشاكل عديدة كالفساد والبيروقراطية والروتين وتشريعات قديمة غير مواكبة لقوانين الاستثمارات الجديدة، فضلا عن عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي يعد الجاذب الأكبر للاستثمارات.
كما يعاني الاقتصاد المصري من ضغوط كثيرة تتجلى بتدهور الأوضاع الأمنية وتراجع إيرادات قطاع السياحة الذي يعتبر من أهم مصادر دعم الاقتصاد المصري إضافة إلى زيادة معدلات البطالة وتدني المستوى المعيشي وغلاء الأسعار.
ويرى دافعي سياسة تشجيع الاستثمارات الأجنبية أن زيادة حجم الاسثمارات سيدفع بعجلة الاقتصاد المصري للأمام وسيوفر الكثير من فرص العمل وينهض بمعدلات النمو في الاقتصاد، وبالنظر لإجراءات الحكومة وتأسيس المجلس الأعلى للاستثمار يظهر أنها اعتمدت على تلك الرؤية منذ وصول السيسي للسلطة حيث اعتمدت على عقد مؤمرات اقتصادية لدعوة الاستثمارات الأجنبية كما حصل في مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي في مارس/آذا 2015 ومن ثم التعويل على الحلفاء الإقليميين في دعم المشاريع القومية الكبيرة التي أطلقها الرئيس خلال السنتين الماضيتين وصلت قيمتها لترليون و 40 مليار جنيه حيث يعد توسيع قناة السويس أحد تلك المشاريع والتي كلفت ما يقرب من 55 مليار جنيه كخطوة لتطوير مشروع محور قناة السويس.
بالإضافة إلى استصلاح وزراعة نحو 1.5 مليون فدان وبناء 500 ألف وحة سكنية، ومشروع العاصمة الجديدة ومشاريع كثيرة أخرى إلا أنها لم تبصر النور بسبب عدم توفر التمويل الكافي وحالة الفوضى التي يمر بها الاقتصاد المصري بالعموم.
إلا أنه سواءًا مؤتمر شرم الشيخ الاقتصاد أو تلك المشاريع الضخمة المعلنة لم تنجح في تحقيق المطلوب والمنشود منها، لإنها مرهونة باستقرار الوضع السياسي في البلد وهي وجهة نظر المجموعة الأخرى من الخبراء والذين يرون أن إشكالية الاقتصاد المصري والأزمة التي يمر بها تتعلق بالدرجة الأولى بمسائل هيكلية من قبيل نموذج الاقتصاد المتبع في إدارة الثروات القومية وتوزيعها على الشعب والإنتاج ومقوماته والآلية التي تدعم فيها الدولة الإنتاج المحلي.
حيث ترى هذه المجموعة أن عدم تشجيع الإنتاج المحلي والتوجه نحو الإستيراد بشكل كبير ومن ثم سوء استغلال الثروات الموجودة والقيام بمشاريع غير مجدية وأمور أكثيرة أخرى أدت إلى مراكمة مشاكل هيكلية على الاقتصاد المصري.
وبين الإشكالية الأولى والثانية وحلها يظل الاقتصاد المصري حبيس تجارب الحكومة وعالقًا في دوامة الاضطرابات وعدم الاستقرار التي خلفتها إجراءات الحكومة نفسها والتي أدت إلى صدمة للاقتصاد المتهالك أصلًا فضلا عن تحميل الشعب من مختلف الطبقات مثل سياسات رفع الدعم وتعويم سعر صرف الجنيه أمام الدولار ما أدى إلى توسيع قاعدة الفقر والبطالة والفساد واستمرار خروج المظاهرات ضد الحكومة وقراراتها.