كانت وثيقة “اتفاق قرطاج” اتفاقًا على برنامج عمل حكومي أبرمته 9 أحزاب سياسية و3 منظمات وطنية بقصر قرطاج تحت إشراف رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ووقعت عليه كل من حركة نداء تونس وحركة النهضة وحزب المبادرة والاتحاد الوطني الحر وآفاق تونس وحزب المسار والحزب الجمهوري وحركة الشعب وحركة مشروع تونس، وكان الاتحاد العام التونسي للشغل من بين الثلاث منظمات الموقعة على الوثيقة، فالهدف الرئيسي الذي أراده الرئيس الباجي إشراك جميع الأطراف في الحكم من أجل تقاسم الحمل كي لا يثقل كاهل طرف دون آخر والهروب من أزمة شقوق حزبه، كما لا يخفى على أحد أنه أراد أن يمرر برنـامج الإصلاح الهيكلي الذي سطره صندوق النقد الدولي للاقتصـاد التـونسي واعتبره العديد من الخبراء مدمرًا.
والجدير بالذكر أن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل أكد في أكثر من مناسبة بأن الاتحاد لن يمنح الحكومة صكًا على بياض وأنه سيراقب مدى التزامها بأولويات العمل والبرنامج المتفق عليه والذي ورد في وثيقة قرطاج.
الملفت اليوم عندما تطلع على بيانات المنظمات الوطنية وخاصة اتحاد الشغل وتصريحات قيادات مختلف الأحزاب المشاركة في الحكم بخصوص مشروع قانون المالية 2017، تزداد قناعة ويقينًا بأن حكومة الشاهد لا يمكن أن تكون حكومة “وحدة وطنية”، وإنما هي عملية تحايل جديدة تقترفها الأحزاب الحاكمة في حق الشعب التونسي المسكين الذي دفع وسيواصل دفع الثمن باهظًا من قوته وحريته وكرامته.
فالسيد رئيس حكومة الوحدة الوطنية يوسف الشاهد، صرح في حوار لجريدة الشروق التونسية نشر الأربعاء 19 أكتوبر 2016 أن البلاد تمر بوضع استثنائي بكل المقاييس خصوصًا وأن العجز في قانون المالية التكميلي قد بلغ 3 آلاف مليار دينار.
يوسف الشاهد
وأكّد الشاهد أنه إذا لم يتم إنقاذ المالية العمومية، فإن الوضع الاقتصادي لن يتغير، معربًا في الوقت ذاته عن أسفه لما آلت إليه وضعية المالية العمومية التي شبهها بالبيت الذي يحترق.
وأشار رئيس الحكومة يوسف الشاهد في هذا الصدد إلى أن الهدف هو إنقاذ المالية العمومية وإطفاء الحريق في البيت، منبهًا إلى أنه إذا سقطت هذه الحكومة فإنها ستسقط على رؤوس الجميع على حد تعبيره.
رد الاتحاد العام التونسي للشغل لم يتأخر كثيرًا، حيث اعتبر أن تراجع الحكومة في الزيادة في الأجور المتفق عليها مع حكومة الحبيب الصيد إخلالاً بوثيقة اتفاق قرطاج، وأن التنكر للالتزامات لا يساعد على الحوار وهي عوامل تدفع إلى التشنجات وإلى انعدام الاستقرار الاجتماعي في وقت تحتاج فيه البلاد إلى ذلك على حد تعبيره، وأكد أنه لم يلمس من خلال قراءة أولية لدى الحكومة إرادة حقيقية في مقاومة الفساد ومحاربة التهريب والتصدي للتهرب الجبائي واستخلاص ديونها لدى الشركات والمؤسسات باعتبارها موارد ضخمة للدولة وواجبات قانونية فرطت الحكومة في النهوض بها، وهو ما يدفعها إلى الخضوع لالتزامات خارجية مجحفة ومخلة بالسيادة الوطنية.
كما أضاف السيد حسين العباسي الأمين العام في حوار مع إحدى القنوات التلفزيونية أن التضحيات لا يجب أن تكون فقط على كاهل الطبقات الفقيرة والمتوسطة، مطالبًا الحكومة باتخاذ إجراءات موجعة لمحاسبة المهربين، مؤكدًا أن نصف أموال تونس ضائعة بسبب التهريب والتجارة الموازية، وأن الحكومة مطالبة بمقاومة التهريب والاقتصاد غير المنظم بشكل حقيقي عبر إيقاف كبار المهربين، داعيًا الحكومة إلى تحقيق العدالة بين الفئات بعيدًا عن استهداف ضعاف الحال والأجراء.
الجدير بالذكر أن قانون المالية لسنة 2017، جاء كبداية تفعيل توصيات المؤسسات المالية الدولية التي تحـاول منذ فترة فـرض برنـامج إصـلاح هـيكلي مدمر للاقتصـاد التـونسي له تبعات اجتماعيّة خطيرة على مستوى عيش المواطنين يقضي بإلغــاء صـندوق الدعـم في ظرف 3 سـنوات ورفع الضـغط الجبائي، إضـافة إلى مراجـعة صنـاديق الجـراية وصنـاديق التـغطية الاجتـماعيّة ورعاية الفئات الفقيرة والتخلي عن الدعم المالي للسلع الضرورية في حياة المواطنين كالخبز والسميد والشاي والسكر والزيت والمشتقات النفطية وغير ذلك من السلع التي تشكل القوت اليومي للناس.
كما ستلزم هذه الإصلاحات بتقليص الإنفاق على القطاعات الخدماتية كالصحة والتعليم والسكن والضمان الاجتماعي وبالمقابل زيادة الضرائب على الخدمات اليومية كالكهرباء والمياه والنقل والاتصالات وما شابهها.
فحتى الزيادة في الأجور المتفق حولها سابقًا، تبقى تعديلية ولا يمكن أن تغطي غلاء الأسعار ونسبة التضخم، في غياب مراقبة الأسعار والتحكم في مسالك التوزيع ومراقبة الخدمات التي تشهد كثيرًا من الإنفلات.
الوضع في تونس ينذر بالخطر الشديد والمواطن “الزوالي” هو من سيدفع الثمن باهظًا، لذلك من يريد الإصلاح وينقذ البيت من الحريق، فليتخذ قرارًا فوريًا بتطبيق قوانين مقاومة الفساد والبيروقراطية ومراجعة منوال التّنمية.