في يوم الأحد 16 أكتوبر دعا وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون ونظيره الأمريكي جون كيري – في مؤتمر صحفي مشترك عقب محادثات رباعية رفيعة المستوى تضم أيضًا وزيرا خارجية ألمانيا وفرنسا في لندن، تناولت سبل وقف الحرب في سوريا -، إلى وقف إطلاق نار غير مشروط في اليمن، واعتبر كيري أن تحقيق الهدنة خطوة نحو تحقيق اتفاق سياسي.
وقال كيري في المؤتمر للصحفيين، إنه تم مناقشة معالم خارطة الطريق، في إشارة إلى المبادرة التي أعلنها في 25 أغسطس 2016 لحل الأزمة اليمنية التي تتضمن اتفاق “مزمن” للعملية السياسية والعسكرية معًا.
ومبادرة جون كيري آخر مبادرة للحل السياسي بين أطراف الصراع اليمني، بعد الانسداد في الكويت، لكن كان الخلاف في المبادرة بخصوص تزامن الحل السياسي مع الأمني والعسكري.
وكشف كيري أن المجتمعين معه – وزراء خارجية بريطانيا وألمانيا وفرنسا – اتفقوا على عرض المبادرة على كافة الأطراف المعنية في اليمن لبدء حوار لإعادة القضية إلى طاولة المفاوضات وبدء خطوات من أجل التوصل إلى اتفاق سلام دائم.
وسبق هذا الحديث إعلان بريطانيا اعتزامها طرح مشروع قرار في مجلس الأمن يدعو إلى هدنة فورية في اليمن واستئناف محادثات السلام، ويعد ذلك موقفًا جديدًا من قبل المملكة المتحدة التي لطالما عملت على دعم التحالف العربي بقيادة السعودية في حملتهم ضد اليمن لإعادة عبد ربه منصور هادي إلى الحكم.
جاء هذا التحرك الدولي بعد أيام من الغارة الجوية التي استهدفت مجلس عزاء في العاصمة اليمنية – في 8 أكتوبر – وأودت بحياة نحو 140 شخصًا، وإصابة أكثر من 500 آخرين.
وقالت هيومن رايتس ووتش في تقرير صدر في 14 أكتوبر إن هناك أدلة دامغة بأن عددًا كبيرًا من الضحايا كانوا من المدنيين وإن بقايا الذخائر التي عثر عليها في موقع الهجوم أمريكية الصنع، وأقر التحالف العسكري بقيادة السعودية بأن طائراته قصفت مجلس العزاء، غير أنه قال إن الغارة جاءت بناءً على ما وصفها بمعلومات مغلوطة.
فموقف المملكة المتحدة والمجتمع الدولي معًا جاء لتحسين صور الداعمين للملكة العربية السعودية في حربها على اليمن، ولإزاحة الحرج أمام شعوبهم نتيجة لتلك الغارة، إضافة إلى التصعيد العسكري الذي بدأ به الحوثيين في استهداف بارجة عسكرية إماراتية وأخرى أمريكية في مضيق باب المندب.
وتهديد المصالح الإقليمية في اليمن لا سيما في مضيق باب اﻷحمر، جعل المجتمع الدولي يمارس ضغوطًا أكثر حدة على اﻷطراف السياسية المتخاصمة على السلطة للوصول إلى تسوية شاملة حتى لا يتم تهديد المجرى الملاحي الدولي، وبدأ يتحرك بجدية لإيجاد تسوية سياسية، وهو ما توقعنا حدوثه في الموضوع السابق الذي كان بعنوان “هل ينجح الحراك الدبلوماسي الدولي في حل اﻷزمة اليمنية“؟
ويمكن أن يؤجج ما يجري في اليمن التوترات الإقليمية في المنطقة بشكل كبير، كما أنه يشكل مصدر قلق للغرب بسبب تهديد الهجمات التي من المحتمل أن تنتشر من هذه البلاد كلما ازدادت الاضطرابات فيها.
وتعتبر أجهزة المخابرات الغربية تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية من أخطر الجماعات المسلحة في المنطقة، نظرًا لما لديه من خبرات فنية وقدرات تقنية وقدرة على الوصول إلى مواقع في مختلف أنحاء العالم لتنفيذ هجمات، علاوة على مخاوف تلك الأجهزة الغربية من ظهور عناصر تنظيم الدولة في اليمن في الفترة الأخيرة، لا سيما بعد التضييق عليه في كل من سوريا والعراق وترك لهم المجال لمغادرة دولتهم، ويرجح أن يتجهون إلى اليمن.
وتكمن الأهمية الاستراتيجية لليمن في إطلالها على مضيق باب المندب، وهو مضيق يربط البحر الأحمر بخليج عدن تمر عبره أغلب شحنات النفط في العالم.
هدنة لثلاثة أيام
يوم الإثنين 17 أكتوبر، أعلن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد عن تلقيه تأكيدات من كافة الأطراف اليمنية بموافقتها على هدنة مدتها 72 ساعة (ثلاثة أيام) قابلة للتمديد بدءًا من فجر الخميس 20 أكتوبر 2016.
وقال ولد الشيخ أحمد إن الأطراف اليمنية أكدت التزامها بأحكام وشروط اتفاق وقف الأعمال القتالية الذي تم التوصل إليه في العاشر من أبريل الماضي، ودعا المبعوث الأممي إلى إعادة تفعيل عمل لجنة التهدئة والتنسيق بشكل فوري وانتقال أعضائها إلى ظهران الجنوب في السعودية، بحسب ما تم الاتفاق عليه خلال مشاورات الكويت.
موقف الحوثيين
توصل المجتمع الدولي إلى هدنة مبدئية ربما تكون مقدمة لهدنة طويلة إذا نجحت الأولى، فإن ذلك يعد إنجازًا رائعًا وخبرًا جيدًا لليمنيين والحالمين بالسلام وعودة وطنهم سعيدًا، لكن خمس تجارب سابقة لهدن مماثلة إضافة إلى حديث الأطراف المتصارعة عن الشروط تشكل ملامح هذه الهدنة.
فالمجلس السياسي الأعلى الذي تم تأسيسه بين الحوثيين وحزب الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، أعلن يوم الثلاثاء 18 أكتوبر استعدادهم للتعاطي “الإيجابي” مع الدعوات لوقف إطلاق النار دون الإشارة إلى هدنة الـ72 ساعة، وأكد المجلس الذي يديره الحوثيون، ترحيبه بأي قرار يصدر من مجلس الأمن يتضمن وقف إطلاق النار الدائم والشامل دون شروط.
وربط المجلس تلك الهدنة بوقف إطلاق النار الدائم والشامل دون شروط، لكنه وضع شرطًا وهو رفع الحصار الجوي والبري والبحري على اليمن وهو ما ترفضه السعودية التي تسعى لتحقيق مكاسب سياسية أولًا قبل رفع الحصار البري والجوي على اليمن، لكن الهدنة من شأنها أن تمنح الفرصة لتحالف “سلطات الأمر الواقع في صنعاء” في الإعلان عن التشكيلة الوزارية لـ “حكومة الإنقاذ الوطني”.
وخطوة اﻹعلان عن التشكيل الوزاري الجديد تبدو قريبة، وربما يتم اﻹعلان عنها في غضون أيام قليلة إن لم تكن ساعات، لكنه إجراء تحذر أطراف دولية من أن السير به سيقوض المسار السياسي لحل الأزمة اليمنية، والمضي قدمًا نحو إعلان التشكيل الوزاري الجديد، يعني تجاهل حكومة الرئيس اليمني المدعوم دوليًا عبده ربه منصور هادي، وعدم وجود أي نية للحوار معها، ويشجعها في ذلك أطراف دولية فاعلة في مجلس الأمن الدولي، جعلت اليمن أحد أوراق اللعب الدولية.
رد الحكومة
حقيقة، فإن الحكومة الشرعية وافقت على الهدنة قبل أن يعلن موعدها، وهذا يدل على أن مثل هذه القرارات لا تستطيع الحكومة إبداء الرأي فيها، وأنها لا تتحكم بمجريات الحرب كما يعلنها المتحدث باسم “عاصفة الحسم” أحمد عسيري.
وقال وزير الخارجية عبدالملك المخلافي إن الرئيس هادي وافق على وقف إطلاق النار لمدة 72 ساعة قابلة للتمديد، إذا التزم الطرف الآخر بوقف إطلاق النار وتفعيل لجنة التهدئة وفتح الحصار عن تعز.
وتقول حكومة هادي إن العملية السياسية لا يمكن تفعيلها إلا من خلال تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2216 الذي يطالب الحوثيين بالانسحاب من جميع المناطق الخاضعة لسيطرتهم وتسليم أسلحتهم.
ووضع “المخلافي” شرط تفعيل لجنة التهدئة وفك الحصار عن تعز، وهو شرط يدعو الحوثيين إلى الانسحاب من المناطق التي يسيطرون عليها، وهو ما قد يرفضه الحوثيون، وربما يكون ذلك سببًا في فشل الهدنة المعلنة لثلاثة أيام.
ترحيب دولي
ورحب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بإعلان الأمم المتحدة وقف لإطلاق النار لـ72 ساعة في النزاع المسلح في اليمن، مطالبًا بتمديد هذه الهدنة من دون شروط.
وقال كيري في بيان إنه عشية وقف للنار سيبدأ في 19 أكتوبر في الساعة 20,59 ت غ في اليمن، “نطلب من جميع الأطراف اتخاذ كل التدابير الضرورية لتنفيذ وقف (الأعمال القتالية) ونطلب منهم أن يستمر ذلك ونشجع بقوة على تمديده من دون شروط”.
وأعلنت كل من بريطانيا وألمانيا والسعودية ترحيبها بإعلان المبعوث الأممي الخاص باليمن عن وقف إطلاق النار لمدة 72 ساعة بدءًا من يوم الخميس.
ويبدو أن الهدنة جاءت لامتصاص الغضب اليمني تجاه المملكة العربية السعودية نتيجة الغارة الجوية التي استهدفت مجلس عزاء في العاصمة اليمنية – في 8 أكتوبر – وأودت بحياة نحو 140 شخصًا، وإصابة أكثر من 500 آخرين.
موقف التحالف
قال مستشار وزير الدفاع السعودي، المتحدث باسم التحالف العربي، اللواء أحمد عسيري، إن موضوع الهدنة في اليمن يناقش على المستوى السياسي للتحالف، وإن المستوى العسكري سيلتزم بالتوجيهات.
وقال عسيري في تصريحات متلفزة، إن غرفة عمليات التحالف لم يصلها أي شيء عن تنفيذ الهدنة، وإنه ما زال الحديث عنها يدور بين القيادات السياسية، ولم يصل إلى المستوى العسكري.
وهو أبلغ تعبير عن أن الهدنة لن يتم الالتزام بها من قبل التحالف أو أطراف الصراع، ولا يوجد نية لتحقيقها، وإضافة لما سبق، فإن هناك عوامل عدة على اﻷرض تشير إلى أن الحديث عن هدنة مجرد استهلاك إعلامي لا أكثر من ذلك، نوردها في النقاط التالية.
هل تنجح الهدنة؟
أولاً: السعودية تعمل على استقطاب مقاتلين يمنيين من المحافظات الجنوبية، وتستمر في حشد العتاد العسكري والبشري إلى الجنوب، إضافة إلى أن الحكومة هي اﻷخرى تعمل على فتح جبهات أخرى في مناطق عدة.
ثانيًا: هناك شروط عدة تمليها المملكة العربية السعودية على المجتمع الدولي والمبعوث اﻷممي ولد الشيخ أحمد لتبني موقفها في أي حوار يمني قادم، وهو استسلام صالح والحوثيين، والتطبيق الحرفي لقرار مجلس اﻷمن الدولي، ومن بينها تسريح الجيش اليمني، واستبداله بالمقاتلين الجدد الذين دربتهم السعودية واﻹمارات.
ثالثًا: استمرار الحصار الجوي والبحري والبري على اليمن واستمرار القصف الجوي على مناطق عدة.
رابعًا: لن تلتزم الجماعات الجهادية اﻷخرى التي تقاتل في صفوف التحالف العربي ضد الحوثيين، أبرز تلك الجماعات هو تنظيم القاعدة وداعش والحراك الجنوبي رفضًا لما ستخرج إليه القرارات في أي حوار قادم إن تم التوصل لذلك.
خامسًا: المفاوضات تعتبرها المملكة العربية السعودية إنها مفاوضات يمنية يمنية، بينما يطالب طرفي صنعاء بأن يكون هناك حوارًا آخر بين اليمن والسعودية ويدعون لمحاكمتها دوليًا عن الاعتداء والجرائم التي ارتكبت في اليمن.
الخلاصة
وكما تحدثنا سابقًا، وبالرغم من زيادة الاهتمام الدولي بالوضع المأساوي في اليمن، إلا أن الحقيقة هي أن الصراع ليس جاهزًا للتوصل إلى حل بشأنه حتى الآن، وكما هو الحال مع الحروب الأهلية في كثير من الأحيان، سيكون لدي ديناميكيات ساحة المعركة التأثير الأكثر مباشرة على احتمالات السلام، والآن، لا يبدو أي من المعسكرين مهزومًا، لذلك فإنه ليس من المرجح أن يتنازل أي من الجانبين، وهذا هو بالضبط سبب فشل الجولة السابقة من محادثات السلام في الكويت، وكذلك المقبلة حتى في ظل مبادرة كون كيري.
وسيطرأ خلافات حين يتم اﻹعلان رسميًا عن المبادرة، تتمثل في تزامن الحل السياسي مع الأمني والعسكري في ظل تعنت ولد الشيخ الملبي للطلب السعودي في تزمين الحل، بحيث يتم البدء بالحل العسكري والأمني (تسليم الأسلحة والانسحاب من المدن)، وهو ما لن يقبل به الطرف الآخر (الحوثيين) ويعتبره انتحارًا بالنسبة له خاصة في ظل انعدام الثقة، وهذه حاليًا العقدة في مباحثات السلام أيهما يطبق التزامن أم المزامنة أي الحل عسكريًا وأمنيًا أولاً ومن ثم الحل السياسي.