ترجمة وتحرير نون بوست
في منتصف شهر نيسان/ أبريل من سنة 2003، وبعد أسبوعين من هجوم الوحدة 173 المظلية الأمريكية وسيطرتها على كركوك، تم اعتقال قرابة إحدى عشر رجلا من أصول تركية من قبل القوات الأمريكية بالقرب من المدينة.
كانت هذه القوات الخاصة التركية ترتدي ملابس مدنية لكنها تحمل أسلحة من نوع كلاشنكوف ودروع حربية، وفي ذلك الوقت، صرّح الكولونيل الأمريكي بيل مايفيل، أن هدف الأتراك من القدوم هنا هو خلق بيئة يمكن استخدامها من قبل تركيا بهدف إرسال قوة كبيرة لحفظ السلام في كركوك”، كما كتبت في ذلك الوقت مجلة “تايم” الأمريكية تقريرًا، بعنوان “الأتراك يدخلون إلى العراق”، وبعد مرور ثلاث عشرة سنة من تلك الفترة، تسعى تركيا حاليًا إلى تعزيز وجود قوي أكثر من أي وقت مضى، وذلك من أجل حماية العراق خلال مرحلة ما بعد انسحاب تنظيم الدولة.
وعلى مر السنوات، اتُّهمت تركيا بغزو شمال العراق عديد من المرات، آخرها من قبل الحكومة العراقية برئاسة رئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي هدّد بتقديم شكوى رسمية ضد تركيا إلى مجلس الأمن الدولي، وذلك لأنها قررت المشاركة في الحرب الدولية ضد إرهاب تنظيم الدولة.
وبالعودة إلى التاريخ، يمكن أن نكتشف أن تركيا لديها تاريخ طويل في شمال العراق، حيث إنها لم تتراجع تمامًا من هناك بشكل أو بآخر منذ أن فقدت الإمبراطورية العثمانية سيادتها عن الأراضي العراقية لصالح بريطانيا سنة 1918.
ومنذ ذلك الوقت، توسع النفوذ التركي في شمال العراق وذلك نظرًا للأهداف التي كانت ترغب في تحقيقها، بدءًا من السعي إلى ضمّ بعض الأراضي العراقية الشمالية إليها في سنة 1920، وإقامة قواعد تهدف إلى محاربة حزب العمال الكردستاني في سنة 1990، وتوسيع نفوذها بين الأقليات التركمانية، وصولاً إلى السعي في الوقت الراهن لدعم السنة في مرحلة ما بعد معركة الموصل.
ومع مرور الوقت، استطاعت تركيا تطوير وإنشاء تحالفات مختلفة مع العديد من القوى في العراق بما في ذلك الأكراد والعرب والأمريكيين وحتى الحكومة المركزية، واليوم، يمكن القول أن تركيا قد تكون إحدى القوى المركزية الموازية للقوى الإيرانية في العراق.
وقد كانت الموصل عاصمة الإمبراطورية العثمانية، في شمال العراق، ولكن بموجب اتفاق سايكس بيكو لسنة 1916، أدرجت الكثير من الأجزاء من هذه المنطقة لفترة وجيزة في مجال النفوذ الفرنسي، وقد سعى الملك فيصل في تلك الفترة بالتعاون مع حلفائه البريطانيين إلى الحفاظ على ملكية الموصل والمنطقة التي يسيطر عليها الأكراد في العراق، وفي ذلك السياق، كتب الملك فيصل في سنة 1925، أنه يعتبر من المستحيل، سواء من الناحية الإستراتيجية والاقتصادية، بالنسبة لبغداد العيش إذا تمّ انتزاع الموصل منها”.
وفي سنة 1920، اتفقت إحدى المنظمات الدولية السابقة التي تأسست عقب مؤتمر باريس للسلام سنة 1919، وهي عصبة الأمم مع بريطانيا، على ضم 206 أميال من الأراضي الحدودية لصالح تركيا، أما اليوم، ترى الحكومة التي يقودها السنة في بغداد إدراج الشمال أمرًا ضروريًا للحفاظ على الأغلبية السنية، كما أنه بالنسبة للعرب السنة في العراق تعتبر الموصل هي المنطقة التي تعرف بتأييدها الكبير لعهد صدام حسين، والتي شعرت بالإقصاء والتجاهل بعد سنة 2003، مما دفع الكثير منهم إلى اللجوء للتطرف وذلك للدفاع عن تواجدهم.
أزعج تقهقرُ قوة صدام حسين في الشمال العراقي بعد صعود منطقة الحكم الذاتية الكردية، بعد حرب الخليج لسنة1991 الأتراك، ومنذ ذلك الوقت سعت تركيا إلى وقف حزب العمال الكردستاني من استخدام الحدود كمنطقة انطلاق لتجنيد قواته ولشن الهجمات، وبعد سلسلة من العمليات العسكرية في سنوات التسعينات، استطاعت تركيا إنشاء منطقة عازلة على بعد ثلاثين كيلومترًا من العراق على طول الحدود، وبناء قواعد عسكرية صغيرة في كل من باطوفا، كاني ماسي، بامرني وغيرها من المواقع التابعة للمنطقة الكردية العراق، وفي ذلك الوقت، تمكنت تركيا من تشكيل علاقات اقتصادية مع الحزب الديمقراطي الكردستاني وذلك لأن أغلب النشاطات التجارية في كردستان كانت تمر عبر الحدود التركية، وحتى اليوم، تسيطر تركيا على طرقات النقل بالشاحنات المؤدية إلى الشمال من أربيل إلى زاخو في حكومة إقليم كردستان.
وفي ظل حكومة حزب العدالة والتنمية التي يترأسها رجب طيب أردوغان، أصبحت تركيا أكثر اهتمامًا بغزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق سنة 2003، وذلك لأنها كانت تريد ضمانات أمريكية لحماية الأقلية التركمانية في شمال العراق، وكذلك كانت تود وقف تسلل حزب العمال الكردستاني إلى أراضيها، فضلاً عن أنها كانت تشعر بالقلق من تغلغل القوى الكردية، لا سيما الموالية للاتحاد الوطني الكردستاني، في الموصل.
ووفقًا للصحفي تشارلز غلاس، فإن المسؤولين الأتراك قد لمّحوا في سنة 2003 لهوشيار زيباري، المسؤول في الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي أصبح في وقت لاحق وزير خارجية العراق، أنهم سوف ينظرون في مسألة غزو العراق وذلك إذا تحركت القوات الكردية نحو الموصل.
ولكن أصبحت الحكومة العراقية التي يقودها الشيعي نوري المالكي أكثر عدائية للوجود التركي، واصفًا تركيا بأنها “العدو” في سنة 2013، كما أدانت الحكومة العراقية مرارًا وتكرارًا الغارات الكبيرة التي شنتها تركيا على طول حدودها، كما أن العديد من الساسة الأكراد كانوا يعارضون الدور الذي كانت تقوم به تركيا في العراق.
وتجدر الإشارة إلى أن تركيا قد مكّنت طارق الهاشمي وهو سياسي سني حكم عليه بالإعدام في بغداد في سنة 2011 من اللجوء السياسي في سنة 2012، كما عملت تركيا على إنشاء علاقات مع رئيس البرلمان العراقي السني، أسامة النجيفي.
والجدير بالذكر أن انهيار الجيش العراقي الذي كان يترأسه نوري المالكي في سنة 2014، مهد الطريق أمام تركيا لاتخاذ القرار لمساعدة السنة العراقيين في عملية استعادة السيطرة على الموصل، حيث أنشأت القوات التركية قاعدة تدريب حديثة في بعشيقة، التي تبعد نحو عشرين ميلاً شرق الموصل، وخلف المناطق التي يسيطر عليها البشمركة.
وقد صرّح الصحفيين دجان كاسوغلو وسونر جاغابتاي في مقال للمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أن هناك قرابة ثلاثة آلاف جندي تركي في العراق، تتضمن كتيبة كوماندوز قوية ودبابات تتمركز بالأساس في مدينة بعشيقة، ولكن تجدر الإشارة إلى أن هذه القوات ليست جزءًا من قوات التحالف المشاركة في عملية الموصل، ولكن من الواضح أن القوات التركية كانت على درجة عالية من الاحتراف وأداء ممتاز في التصدي لقذائف الهاون التي كان يطلقها تنظيم الدولة وهجماته التي كان يشنها على الجبهة، فضلاً عن المدفعيات والدبابات التركية التي كانت تعمل على مقربة من خطوط قوات البشمركة الكردية والقوات الخاصة للتحالف التي تعمل على القضاء على تنظيم الدولة.
وفي هذا السياق، صرّح رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدرم خلال مقابلة أجراها يوم 6 أكتوبر/ تشرين الأول، أن التواجد التركي في الأراضي العراقية سيظل متواصلاً وذلك لضمان سلامة واستقرار السنيين في المنطقة”، كما أضاف أثيل النجيفي، أن وجود القوات التركية سيضمن حماية سكان مدينة الموصل من انتهاكات الميليشيات الشيعية.
وقد أشارت العديد من التقارير التركية والعراقية إلى أن تركيا ملتزمة بحماية مصالح السنة في الشمال، في المقام الأول ضد الميليشيات الشيعية، وقد أفادت العديد من التقارير أيضًا أن تركيا لا تريد أن تواجه الموصل نفس المصير الذي لاقته مدينتي الفلوجة والرمادي، كما أنها تعمل على الوقوف في وجه النفوذ الإيراني المتنامي في سوريا والعراق.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض السياسيين الأكراد في أربيل يسعون إلى تنظيم استفتاء يدعم استقلال المجموعات السنية في شمال العراق بعد هزيمة تنظيم الدولة هناك، وبما أن الحكومة الشيعية العراقية كانت عاجزة على إيجاد حل للأقليات السنية المتواجدة هناك ستظل المناطق المحيطة بمدينة الموصل غير مستقرة حتى لو استطاع الجيش العراقي استرداد الموصل، ولذلك، فإن تركيا تصرّ على التأثير في نتيجة معركة الموصل.
المصدر: ناشيونال إنترست