انتهت الجولة الأولى من أعمال مؤتمر البحر الأحمر الذي نظمه المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، تحت عنوان “مصر والقضية الفلسطينية”، ونحن في انتظار الجولة الثانية من المؤتمر، والتي ستقعد في الشهر القادم، وللأهداف ذاتها التي انطلق من أجلها المؤتمر الأول، وللأسباب ذاتها التي لما تزل قائمة، والتي عمقت الانقسام داخل حركة فتح، وزادت من منسوب التحدي بين الخصمين اللدودين، حيث أكد أنصار محمود عباس على عقد مؤتمرهم التنظيمي السابع، في وقت يزاحم عقد المؤتمر الثاني الذي سينظمه المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط بالتنسيق والتوافق مع أنصار محمد دحلان.
ورغم حرص حركة حماس على الوقوف موقف المراقب من خلافات فتح الداخلية، إلا أن رسالة المشاركين في المؤتمر لم تترك حركة حماس بحالها، فقد أكدوا في بيانهم الختامي أن الساحة الفلسطينية تشهد حالة من التوزان بين حركتي “حماس” و”فتح”، وهذا التوازن لا يناسب المؤتمرين الذين دعوا لإنهاء هذه الحالة لصالح حركة فتح، عن طريق إنهاء الخلافات الفتحاوية بين القيادات والقاعدة، وتكوين قيادات قوية وفاعلة، مع ضرورة حشد الولاء لفلسطين فقط.
وهنا نسأل المشاركين في المؤتمر: لماذا تطالبون بإنهاء التوازن لصالح حركة فتح دون صالح القضية الفلسطينية؟ لماذا لم يحرص المشاركون في المؤتمر على أن يكون القرار الفلسطيني نابع عن شراكة كافة القوى السياسية دون تميز، ودون إقصاء؟ لماذا لم يدع المؤتمرون الإطار القيادي للمنظمة ليأخذ دوره كخطوة أولى على طريق تقليص مساحة التفرد بالقرار السياسي والتفرد بالقرار التنظيمي؟
لقد حرص المشاركون الفلسطينيون في المؤتمر على التأكيد بأن وجودهم في المؤتمر قد أسهم في فتح معبر رفح، وأن فك الحصار عن غزة وإنهاء الانقسام كان على جدول الاهتمام للمؤتمرين، وأنهم تلقوا وعداً بفتح معبر رفح بشكل دوري، وأنهم قد تلقوا وعداً بزيادة كمية الكهرباء التي ستزودها مصر لسكان قطاع غزة، وأنهم وجدوا طريقاً لسفر الطلاب.
فهل كان ما سبق هو الغاية من عقد المؤتمر؟ أما كان يمكن أن يفتح المعبر بشكل يومي دون حاجة إلى مؤتمر، وهل شعر المشاركون في المؤتمر بمعاناة الناس على معبر رفح، بالقدر نفسه الذي شعر فيه ممثل الصليب الأحمر الدولي الذي قال: ما رأيته من حالات وأشخاص قد أشعرني بالألم، لقد قابلت بعض المرضى الذين هم بحاجة ماسة إلى العلاج والذين انتظروا سنوات من أجل السماح لهم للسفر، وطلبة عالقون لعدم مقدرتهم على السفر ومغادرة قطاع غزة رغم امتلاكهم التأشيرات اللازمة للوصول للدول الغربية للالتحاق بجامعاتهم، وربما يفقدوا فرصتهم للخروج من غزة، لأن الجيران لا يسمحون لهم بالسفر.
أما كان بمقدور المشاركين الفلسطينيين في المؤتمر أن يدعو إلى الوقوف دقيقة حزن على غزة المحاصرة؟ أما كان بمقدور المشاركين أن يدعو إلى فك الحصار عن قطاع غزة قبل أن تبدأ جلسات المؤتمر المخصص لبحث القضية الفلسطينية، لأن كل مؤتمر يناقش قضية فلسطين، ولا يحرص على فك حصار غزة هو لقاء لغاية محددة، في زمن محدد.
ورغم حديث المشاركين المصريين في المؤتمر عن العموميات في السياسية، والتي تتمثل بضرورة الحفاظ على وحدانية التمثيل الفلسطيني، وعدم التشكيك بشرعيته، ورغم التعبير عن ألمهم لحالة التشظي سواء في حركة فتح او نتيجة الانقسام الفلسطيني، ورغم حديثهم عن ضرورة رص الصفوف لكي تبقى القضية الفلسطينية قضية العرب المركزية، إلا أن الهدف الأسمى الذي سعى القائمون إلى تحقيقه، هو قرصة أذن محمود عباس، وإشعاره بقدر مصر وقدرتها على الفعل المغاير لإرادته، وهذا ما جاء في ملخص المؤتمر الذي استبعد إصلاح السلطة الفلسطينية أو منظمة التحرير الفلسطينية من دون إصلاح حركة فتح، داعين في الوقت نفسه للضغط على قيادة الحركة لإجراء المزيد من الإصلاحات عن طريق القاعدة والنخبة.
وإلى أن يحين موعد عقد الجولة الثانية من مؤتمر البحر الأحمر في الشهر القادم، ينتظر الناس في غزة فتح المعبر على فترات متقاربة، وينتظر الناس زيادة كمية الكهرباء لغزة، ولكنهم لا يأملون بأي تغيير في السياسة الفلسطينية، ولاسيما في ملف المصالحة داخل حركة فتح، وداخل الساحة الفلسطينية.