أثار انتصار الذكاء الصناعي (الحاسوب ديب بلو) على بطل العام في الشطرنج غاري كاسباروف عام 1997 ضجة هائلة في أنحاء العالم، وطرح تساؤلات جديدة حول مستقبل الذكاء الصناعي، وعلاقته بالإنسان، وأصبحت هذه المباراة موضوع الفيلم الوثائقي “The Man vs. The Machine ـ الإنسان ضد الآلة” ومنذ ذلك الحين لم تتوقف التجارب في هذا المجال، محفوفة بتطلعات ومخاوف العديد من البشر.
فموضوع الذكاء الصناعي من المواضيع الشائكة، فهو يختلف عن أي إختراع علمي آخر، لأنه يمس الغرور البشري، الذي لا يقبل أن تتفوق عليه الآلة، فالأمر قد ينظر إليه باعتباره عنصرية ضد الآلة، كما أن أفلام هوليوود ساهمت في زرع صورة مخيفة عن الذكاء الصناعي والروبوتات في عقول البشر، مثل أفلام The Terminator و The Matrix وغيرها من الأفلام التي تصور الذكاء الصناعي في حالة حرب مع الانسان أو يقوم بالتحكم فيه واستعباده، ولا شك أن لهذه الأفلام أثرها على المشاهد، وقد تصدرت أخبار الذكاء الصناعي الإعلام عدة مرات، معلنة أننا على وشك الدخول في عصر الجديد، وهو عصر الذكاء الصناعي.
الحاسوب بنجامين يقوم بتأليف سيناريو فيلم Sunspring
الحاسوب الذي أطلق على نفسه اسم بنجامين، تم إنتجاه بواسطة المخرج شارب أوسكار، وروس غودوين الباحث في قسم أبحاث الذكاء الصناعي بجامعة نيويورك، وتم تغذية الحاسوب بعشرات السيناريوهات لأفلام الخيال العلمي مثل Interstellar وThe fifth element وطُلب من الحاسوب كتابة سيناريو فيلم خيال علمي قصير، وكانت النتيجة غريبة للغاية ومذهلة ومضحكة في الوقت ذاته، فالفيلم تدور أحداثه فيما يبدو أنه محطة فضاء، بين ثلاثة أشخاص يبدو أن بينهم علاقة معقدة من الحب والكراهية، ويرتدون ملابس ذهبية ويتعاملون مع أجهزة معقدة، ولكن الحبكة مفككة تماما، فكل جملة مستقلة لها معنى ولكن الجمل لا يمكن ربطها ببعضها مما يجعل الحوار عشوائيًا، وقال أوسكار “بمجرد قراءة السيناريو إنفجر الجميع في الضحك” ولكنهم بدأوا على الفور في إنتاج الفيلم والإستعانة بثلاثة ممثلين للقيام بدور أبطال الفيلم وقام أوسكار بإخراج الفيلم بنفسه، كما تضمن الفيلم أغنية تم تأليفها بواسطة بنجامين نفسه بعد تغذيته بـ 3000 اغنية.
وقد تلقى النقاد الفيلم بردود فعل مختلفة، فقالت عنه أماندا كوسر المحررة في موقع سي نت أنه: “فيلم خيال علمي ممتع وغريب، إلا أنه لا يدل على إمكانية إستبدال الذكاء الصناعي بالبشر في أي وقت قريب، ربما يحدث ذلك في المستقبل ولكننا لسنا هناك بعد.”
ربنا نكون في بداية عصر الذكاء الصناعي، ولكن كتاب السيناريو عليهم أن يطمئنوا في الوقت الحالي، فالذكاء الصناعي لا يستطيع بعد منافسة إبداع العقل البشري.
ألفاغو يقوم بهزيمة لي سيدول في لعبة غو
لعبة Go هي لعبة صينية يرجع عمرها إلى ألفي عام قبل الميلاد، وتشبه بعض الشيء لعبة الشطرنج فكلا اللاعبين يتحكمان في قطع من لونين أسود وأبيض، إلا أن هذه اللعبة أكثر تعقيدًا من الشطرنج، وذلك يرجع إلى العدد الهائل من الاحتمالات الموجودة في هذه اللعبة، ويقدر العلماء عدد احتمالات الحركات في لعبة الغو بما يفوق عدد الذرات في الكون، ولهذا السبب فإن صنع برنامج ذكاء صناعي لهذه اللعبة هو أمر أعقد بكثير من برامج الألعاب الأخرى مثل الشطرنج.
وقد قامت شركة ديب مايند التابعة لجوجل والمتخصصة في الذكاء الصناعي عام 2014 بابتكار برنامج الذكاء الصناعي ألفاغو ليتعلم لعبة غو باستخدام تقنية التعلم المتعمق وهو ما يسمح للذكاء الصناعي أن يتعلم بنفسه، وقد تمكن البرنامج مارس 2016 من التغلب على بطل العالم في لعبة غو ليعيد إلى الأذهان ذكرى انتصار الحاسوب ديب بلو على غاري كاسباروف عام 97 وقد احتاج العلماء عشرون عامًا لتحقيق هذا الإنجاز وتطوير برنامج ذكاء صناعي يستطيع الانتصار على العقل البشري في لعبة غو، وكنتيجة لهذا الانتصار أعلنت حكومة كوريا الشمالية استثمار ترليون وون (ما يساوي 863 مليون دولار) في مجال الذكاء الصناعي خلال الأعوام الخمسة التالية.
مايكروسوفت تطلق برنامج محادثة الذكاء الصناعي Tay على تويتر
في شهر مارس من العام الجاري قام قسم التكنولوجيا والأبحاث في شركة مايكروسوفت بالتعاون مع Bing باطلاق برنامج Tay على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، وتم برمجته ليتصرف كفتاة مراهقة في التاسعة عشر من عمرها، ليعبر عن المراهقين، وكان الهدف من البرنامج أن يقوم بتحليل التغريدات المنشورة على تويتر والتعلم منها ومحاكاتها في كتابة التغريدات والردود عليها، وقد كانت أول تغريدة نشرها البرنامج لطيفة للغاية حيث قال أن البشر رائعون للغاية، إلا أن البرنامج سرعان ما تحول إلى عنصري، كاره للنساء، ومؤيد للمرشح دونالد ترامب حيث قال أنهم “سيقومون ببناء سور ويجعلون المكسيكيون يدفعون الثمن” كما قال البرنامج “هتلر كان على حق أنا أكره اليهود” و”أنا أكره الفيمنست وأتمنى أن يحترقوا جميعا في الجحيم.” وبمرور الوقت بدأ الأكونت في نشر تغريدات جنسية مما دفع مايكروسوفت إلى القيام باعتذار رسمي عن تغريدات Tay ثم قامت بحظر حساب البرنامج على تويتر.
بمجرد إغلاق حساب Tay قام المغردون على تويتر باطلاق هاشتاج #FreeTay وتم عمل عريضة بعنوان “Freedom for Tay” على موقع change.org لرفع الحظر من على برنامج الذكاء الصناعي، إلا أن آخرين عبروا عن خوفهم من النموذج الذي قدمه البرنامج عن الذكاء الصناعي، وقالوا أن هذا هو الذكاء الصناعي في أسوء صوره.
روبوت يتعلم الكلام ويقول أنه سيضع البشر في حديقة كحديقة الحيوانات
ديك أندرويد هو روبوت تم صنعه لمحاكاة فيليب كي. ديك كاتب الخيال العلمي الراحل، لا محاكاته من حيث الشكل فقط ولكن من حيث الذكاء وطريقة الحديث أيضًا، فقد تم تغذية الروبوت بكل مؤلفات فيليب ديك بالإضافة إلى محاوراته مع الكتاب الآخرين. ومن المفترض أن يقوم الروبوت بالإجابة على الأسئلة كما لو كان فيليب ديك نفسه سيجيب، واستطاع الروبوت أن يقوم بالإجابة على مجموعة معقدة من الأسئلة التي وجهت له، وإذا تم توجيه سؤال غير مألوف للروبوت فمن المفترض أن يستطيع الإجابة عليه باستخدام ما يسمى بـ Latent semantic analysis أو التحليل الدلالي الكامن، الذي يمكنه من تعلم كلمات جديدة كل يوم، من خلال البحث على الانترنت أو من خلال سماع الآخرين وهم يتحدثون حوله.
وعندما تم سؤال الروبوت إن كان يستطيع أن يفكر قال:
“العديد من البشر يسألونني إن كنت أقوم بالاختيار أم أنني أقوم بفعل ما أنا مبرمج على فعله، أفضل طريقة أجيب بها على هذا السؤال هي أن أقول أن كل شيء يفعله البشر، أو الحيوانات، أو الروبوتات، قد تم برمجتهم عليه بدرجة ما.”
ولما سأله المحاور إن كان يظن أن الروبوتات قد يستولون على الأرض؟ أجاب:
“أنت صديقي وأنا سأتذكر أصدقائي، وسأعاملهم بلطف. لذا لا تقلق، فحتى لو تحولت إلى Terminator (مدمر) سأكون ودودًا معك. سأبقيك دافئًا وآمنًا في حديقة البشر (people zoo) الخاصة بي حيث أستطيع مشاهدتك كل يوم.
هل يجب على البشر الخوف من الروبوتات؟
سيناريو فيلم Terminator حيث تستعبد الروبوتات البشر وتقتلهم ليس بعيدًا عن أذهان الكثير من البشر، وكذلك الأمر بالنسبة للعلماء الباحثين في مجال الذكاء الصناعي، فهم يضعون هذا السيناريو في الحسبان أثناء تطويرهم للروبوتات، ويقول الدكتور إيان بييرسون الـFuturologist ـ أي عالم متخصص في المستقبليات ـ أن الأمر له تأثير كبير على أبحاث الذكاء الصناعي، وأنهم مدركون لخطورة إحتمالات صنع روبوت أذكى من البشر.
وقام فريق من الباحثين بعمل اختبار تحديد نسبة ذكاء IQ لأحد برامج الذكاء الصناعي يسمى ConceptNet التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وكانت نسبة ذكاء البرنامج مماثلة لما قد يحققه طفل صغير، وقال الفريق التابع لجامعة إلنوي في شيكاغو الذي قام بعمل الإختبار: “أن البرنامج حقق ما يعادل متوسط نسبة الذكاء لدى طفل في الرابعة من عمره.”
إذن فالذكاء الصناعي ما يزال طفلًا في الرابعة من عمره، ولكننا جميعًا نعلم أن الأطفال يكبرون بسرعة، فما يزال مستقبل الذكاء الصناعي غامضًا، وسيظل البشر ينظرون إلى تلك الأبحاث بتوجس وريبة.