يمكنك أن تستغل كل لحظة تقضيها مع من حولك في التعرّف عليهم بطريقة غير مباشرة دون أن يلاحظونها بأنفسهم، فإن كنت سياسيًا، ستفهم ما يحاول الطرف الآخر أن يخفيه عنك، وإن كنت تدير مالك الخاص، فيمكنك أن تنقذ نفسك من الشراكة مع شريك يخدعك، وذلك كله من الممكن أن يتمحور حول لغة الجسد، فالكلمات مهمة، ولكنها إن لم تتوافق مع حركة جسدك، فهذا يعني أنك في مشكلة حقيقية.
نحن نتواصل مع بعضنا عن طريق الكلام، إلا أن 93٪ من تواصلنا لا يتم عن طريق ذلك، بل يتم عن طريق مختلف أنواع التواصل التي لا تضمن تواصلا لفظيًا، فيمكن أن يتم التواصل عن طريق تعابير الوجه، أو حركات الجسد، أو نظرات العينين، ولهذا تجد سباق رؤساء الدول والسياسيين والمشاهير والأغنياء على التدرب الجيد على التحكم بلغة جسدهم.
يمكن للغة الجسد أن تخدعنا، ولهذا يجب علينا أخذ ذلك في الاعتبار، لا تعد خطابات الساسة بهذا الصدق والقوة التي تبدو عليها، ولا يبدو أن الحركات الجسدية التي يقوم بها المشاهير بتلك العفوية التي تبدو للمشاهدين، لغة الجسد هي الحل الأمثل لقول ما لا يستطيع المرء قوله في المحافل الدولية،فما الذي يفعله الساسة بلغة الجسد لأسر قلوب المؤيدين وخداع البعض منهم؟
“اليد العليا” رمز للقوة والتحكم
يحاول معظم الرؤساء أن يتجهوا للتحية الأولى، بحيث يكون واضع الكف العلوي هو صاحب القوة والسلطة، بحيث يعلو بنفسه عن مستوى من أمامه، كما لو كان هو من بيده زمام الأمور، حتى ولو كان في بلاد غير بلاده، يعمد بعض الساسة على التركيز في كونهم أصحاب القوة المسيطرة، فترى دومًا اعتماد الرئيس الأمريكي السابق “جورج بوش” على الهيمنة على الطرف الآخر أثناء التحية، وهي حركة تبدو للعوام عادية أو عفوية، إلا أنها من أهم الإشارات التي يعمد أهل السياسة على استخدامها لإرسال رسائل غير مباشرة لبعضهم البعض.
العين لا تكذب، وكذلك الجسد
تأتي هنا لغة الجسد لتخالف تمامًا ما كان يحاول الرئيس الأمريكي “ريتشارد نيكسون” أن يقنع به الجمهور، حيث يحاول في هذا الفيديو إثبات كونه رئيسًا غير فاسد مستخدمًا حركات دفاعية عن شيء لم يُتهم به مباشرة، حيث استخدم في حديثه العديد من كلمات النفي مع الإشارة بالسبابة تجاه الجمهور أكثر من مرة، وفي النهاية يقول بأنه شخص غير محتال، ليندفع جسده فجأة إلى الخلف، عاقدًا ذراعيه أمامه وكأن جسده يرفض ما قاله لسانه توًا، أو كما لو كان يختبئ من الجمهور بسبب كذبه، وهي إشارة عفوية يطلقها الجسد عندما يحاول الإنسان أن يكذب على الرغم من أن الكلام المقال يحاول إثبات العكس.
“باريس هيلتون”: الفتاة قد تعلمت الدرس
لا يحتكر الساسة احتراف التحكم في لغة الجسد فحسب، بل يلمع في ذلك المشاهير أيضًا، حيث يخصص كل منهم مدرب خاص بلغة الجسد، أو خبير “الانطباعات الشخصية” (impressionist)، ليقوم بتدريبه على الانطباعات الخاصة التي يجب عليه أن يقوم بإظهارها للعامة، ومنها يصير محبوبًا لدى الجماهير.
هنا تخرج “باريس هيلتون” من السجن بعد قضائها 45 يومًا كعقوبة لها بعد قيادتها لسيارتها برخص منتهية الصلاحية، تخرج “باريس” وتمشي كأنها فتاة في العاشرة من عمرها، تقبض على كفها بالكف الآخر في حركة بريئة أمامها، ،تبتسم إبتسامة طفولية، تخبر بها العامة بأنها قد تعلمت الدرس وأنها الآن فتاة جديرة بحب الجماهير من جديد.
ماذا يحدث عندما تخرج الأمور عن السيطرة؟
لا يتقن السياسيون الأمر في كل الأحوال، إلا أن لذلك قصة أخرى، حيث يتقن بعض السياسين الأمر حينما تخرج الأمور عن السيطرة، فيبدو “جورج بوش” محترفًا للغاية في قلب الأمور لصالحه في حالة خروجها عن السيطرة، حيث يتحول من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية إلى تعبيرات الطفل المذنب على وجهه، وهو محبب لدى العامة، حيث كان يحرص عليه “بوش” من أجل التقرب منهم، فبدلًا من إظهار نفسه أضحوكة، يحاول قلب الأمور لصالحه.
“إسرائيل تفوز على فلسطين في معركة للمصارعة”
انتشر هذا المصطلح بعد حادثة “ياسر عرفات” و”إيهود باراك” في كامب ديفيد عام 2000 ، تظهر فيها أهمية لغة الجسد عند الساسة بشدة، وبالأخص بين رؤساء الدول، حيث يظهر في الفيديو دخول الرئيس الأمريكي السابق “بيل كلينتون” ليتجادل “عرفات” و”باراك” عن من سيدخل الباب أخيرًا، فمن يدخل أخيرًا يعني أنه صاحب القرار، وهو المتحكم في مجريات الأمور ويعود إليه الرأي الأخير، ففي الثقافة العربية، صاحب المنزل هو من يدعو للدخول، ولا يدخل إلا بعد أن يسيطر على كل المارين من أمامه، ويحدد مقاعدهم، ولكن هنا يظهر “فوز” إسرائيل الظاهري، على الرغم من أن الأمر تخطى مسألة لغة الجسد، وتعدى إلى مرحلة “المصارعة” على من يدخل أخيرًا.
السيسي وإشارات التهديد
لا يخلو خطاب للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من إشارات متعددة بأصابع اليد، منها التهديد ،أو تهدأة الجماهير للوثوق به، ولكنه يعتمد أكثر على إشارات التهديد، حيث يحاول إقناع المؤيدين بأنه حامي حمى البلاد، وأن كل من سيحاول المساس بها بأي سوء، سينتقم منه ويتخلص منه.
لا يمكن إغفال أهمية لغة الجسد في فهم المراد الذي يحاول من نتحدث إليه إيصاله لنا بطريقة غير مباشرة، وذلك لأنّ هذه الطريقة في الفهم تعطي انطباعاً جيداً عن حالة الشخص المقابل؛ لهذا فلغة الجسد كثيرة الاستعمال ويُعوَّل عليها في العديد من الحالات المختلفة.